CET 08:12:45 - 30/11/2009

مساحة رأي

  بقلم: نبيل شرف الدين
تعالوا نتجاوز هذه اللعبة السمجة التى يتسلى بها «من لا يملك بتسمية من لا يستحق»، وأقصد تلك الألغاز والأحاجى حول اسم الشخص الذى سيحمله لنا المستقبل بعد عمر طويل للرئيس مبارك، متعه الله بالصحة والعافية، وهو رجل لا تقف تحفظاتنا على كثير من سياساته حائلاً دون الإقرار بحكمته ووطنيته

وتنبغى الإشارة إلى أنه ليس من حق الناس أن يفكروا بمستقبلهم فحسب، بل ينبغى عليهم أن يرسموا خارطة طريق للمستقبل، تتشكل ملامحها من الأفكار والسياسات العامة بغض النظر عن اسم هذا الشخص أو ذاك، فالأوطان لا يصح اختزالها فى أسماء أشخاص تقيض لهم الظروف أن يلعبوا أدواراً فى مرحلة من مراحل وطن عريق مثل مصر، وعلى الأمم الناضجة أن تحاسبهم على «جردة حساب» ختامية بين الحين والآخر.

فى تقديرى المتواضع، ومن خلال خبرات سابقة متراكمة من قلب مطبخ الدولة المصرية، وتجارب أخرى مع النخبة، التى تشكل الرأى والذوق والمزاج العام، يمكننى الزعم باطمئنان أن الليبرالية هى قدر المرحلة المقبلة فى مصر، فليست هناك خيارات مأمونة العواقب بل ورابحة أيضاً، سوى أن تتبنى مشروع الديمقراطية الليبرالية كمرجعية سياسية، فلا يمكن لرئيس مصر المقبل أن ينحاز لأفكار راديكالية، ستجلب على البلاد والعباد مواجهات، على جميع الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية، وأقصد هنا بوضوح تحالف «الفاشيست القومجى المتأسلم»، من بقايا التجارب بتراثها البائس فى قمع الشعوب كالإخوان والشموليين.

يبدو المشهد السياسى الراهن فى مصر بالغ السيولة، يكاد المرء لا يعرف أين يضع قدمه، فالوفد «الجديد» ليس هو وفد النحاس باشا أو مكرم عبيد باشا، والوطنى بالطبع ليس امتداداً لوطنى مصطفى كامل، وما يسمى بحزب الأمة لا صلة له بحزب الأمة القبطى الذى شكل تجربة خاصة لم تزل بحاجة للمزيد من البحث والتأمل والقراءة الموضوعية الرصينة.

كما أن هناك الآن ما يمكن وصفه بتعبير «منطقة فراغ سياسى» لقوى كانت فاعلة فى مصر الليبرالية، كالأحرار الدستوريين مثلاً وتجربة السياسى الداهية إسماعيل صدقى باشا، فلا أرى فى الأفق السياسى المصرى الحالى من هو مؤهل للعب امتدادات لتلك الأدوار الاحترافية فى العمل العام، ودعونا نعترف بكل بساطة أن هذه الطبقة من الساسة المحترفين تآكلت حتى انقرضت أو كادت منذ ١٩٥٢، وهانحن الآن لم نكن بحاجة لهؤلاء الرجالات المحترفين، لا الهواة ولا الموظفين، كما هو حالنا اليوم، فمن أخطر ما نعانيه الآن هم هؤلاء الساسة ممن يتصرفون ويفكرون بطريقة الموظفين، ويعانون الجفاف فى خيالهم.

ففى كل الخيبات والانتكاسات التى منينا بها، منذ نكبة يونيو ١٩٦٧، وصولاً لكوارث القطارات وغرق العبّارات، كان الأداء السياسى مشوباً بالعجز، وتدنى القدرات والمهارات، وتراخى النظام لدرجة الهشاشة، بينما لا يعرف كثيرون أن إسماعيل صدقى باشا ـ وكان من كان ـ اضطر للاستقالة هو وحكومته، عقب ثبوت واقعة تعذيب مواطن فى أسيوط، مع أن ثقافة التعذيب كانت شائعة لدرجة القبول فى تلك الأيام، حين كان الاحتلال البريطانى لم يزل يملك ناصية القرار.

تعرضت طبقة الساسة المحترفين فى مصر الليبرالية لأبشع أساليب «الشيطنة» وعملية اغتيال معنوى تشكل جريمة تزوير للتاريخ بكل فجاجة، حين تم وصفهم باللصوص والفاسدين والعملاء، بينما ما تحمله ذاكرة شهود تلك المرحلة أنهم لم يكونوا بالقطع ملائكة، لكنهم أيضاً لم يكونواً مرتشين ولا مستبدين، أكثر مما نعانيه الآن، واضطروا للتعامل مع الاحتلال فى مواجهة دولة عظمى تستعمر بلادهم، بل سعوا للتخلص من الاحتلال بتبنى رؤية تمثل «مدرسة براجماتية»، ممن يتعاملون مع حقائق السياسة فى ضوء ما هو كائن، خلافاً لمدرسة «المثالية الزائفة»، ممن يتعاطون السياسة انطلاقاً من «ينبغيات» وفق تصوراتهم الخاصة التى تجاوزها الواقع، ولعلنا الآن أحوج ما نكون للتعلم من تجربة الآباء المؤسسين للدولة المصرية.

nabil@elaph.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق