CET 00:00:00 - 22/12/2009

مساحة رأي

بقلم: لطيف شاكر
في أيامنا هذه يحتفل العالم بكل طوائفه بعيد ميلاد رب المجد يسوع المسيح, ولعيد الميلاد بهجة في نفوس كل الناس فالجميع يستعد بالكريسماس كل بطريقته ويتنافس الجميع بتزيين البيوت بالورود والزينات المتعددة والأنوار المتلألأة وتمثال بابا نويل في ملابسه المزركشه ماسكًا عكازه, وشجرة الميلاد الطبيعية أو الصناعية المزينة بأبهي الزينات وأحلى الألوان وأسطع الأضواء وحولها المزود الصغير المعبر بصورة رائعة عن قصة ولادة السيد المسيح.
وللعجب أن كل الأديان والأجناس يشتركوا معًا في يوم 25 ديسمبر بأعياد الميلاد، وهنا أطرح سؤال هل يوجد عيد آخر يحتفل به العالم كله في يوم واحد.. أليس لهذا معنى هام ومغزى حقيقي ولا نستطيع تفسيره إلا بأن المولود ليس إنسان عادي أو نبي مرسل.
فلو نظرنا حولنا لنرى اليهود يحتفلون بأعيادهم في حدود طائفتهم فقط دون العالم والمسلمون يحتفلون بمولد النبي في بعض البلاد الإسلامية لأن البعض الآخر يرفض الاحتفال به لأنه لم يشرع في كتبهم واعتبره البعض بدعة للتشبه بنا, وحتى ميلاد العام الهجري لا يذكره أحد تقريبًا. حتي الزرداشيين والبوذيين يحتفلوا بمولد نبيهم دون أن يسمع عنه باقي العالم وربما أغلب الناس لا يعرفوا شيئًا عنه أو سمعوا به..
والسمة المميزة لعيد الميلاد أو الكريسماس هو شجرة الميلاد التي يلتف حولها العائلة في فرح وسرور ويتبادلون الهدايا الجميلة حول الشجرة الزينة المبهجة للنفس وأنوارها الساطعة التي تدخل الفرح والأمل في القلوب.
وأردت أن يكون موضوعنا هذا العام حول شجرة الميلاد التي نجلس نحوها ونتمتع بشكلها وهي مزينة بزينات تمثل الثلوج والكهرباء المتلألأة والزينات الصناعية التي لها دلالاتها ونتذكر قصة ميلاد السيد المسيح في مزود بيت لحم.
إذًا ما أصل حكاية الشجرة؟ وبماذا ترمز؟ ومن أول من استخدمها ؟ وهل أصلها غربي أو شرقي؟؟ أسئلة عديدة نسألها كل عام ونحن نزين شجرة الكريسماس ونرفع أصواتنا بترانيم عيد الميلاد. وتندهش يا عزيزي حينما تعلم أن الشجرة التي نحتفل بها في القرن الواحد والعشرين هنا في الغرب أو حتى في الشرق أصلها فرعونية.. نعم إنها مصرية فرعونية ولا تستغرب.. لقد كنا أول حضارة متقدمة ومتدينة ومكتوبة على الجدران في العالم.

نتذكر جميعًا أسطورة الثالوث المقدس في الأساطير الفرعونية القديمة والتي تمثل صراع البشرية بين الخير والشر, وكان طرفي النزاع فيها هما "ست" الذي كان رمزًا لأخطاء البشرية وشرورها فعبروا به عن الشر والخيانة والحسد, أما الطرف الثاني هو "أوزوريس" الذي كان علمًا على الحياة المتجددة, وتقول الأساطير أنه كان ملكًا صالحًا مُرسل من الإله رع لإقامة العدل وحمل تعاليم السماء إلى الأرض.
وتبدأ الأسطورة الرمزية التي تعبر عن فلسفة العقيدة نفسها مع خلق الأرض. وتقول الأسطورة أن الإله الأكبر خلق نفسه بنفسه توطئة لخلق الكون والوجود البشري, ويمثل الوجود البشري على الأرض في ذلك الحين الثالوث المقدس المكون من أوزوريس وإيزيس وحورس. وتحكي الأسطورة كيف غدر"ست" بأخيه "أوزوريس" الذي كان يبغض فيه الجمال والحكمة والخير. فمكر به ودبر مكيدة للقضاء عليه فاتفق مع أعوانه من آلهة السوء والشر أن يقيموا له حفلاً تمجيدًا لأعماله الخالدة وتكريمًا لذاته وذلك بنية الغدر به..
فأعدوا تابوتًا جميلاً كسوته من الذهب، وزعم ست بأنه يقدم هذا التابوت النفيس هدية منه لأي من الحاضرين الذي يأتي على مقاسه ويناسبه, وهكذا جرب كل الحاضرين حظه في التابوت دون جدوى, حتى جاء دور "أوزوريس" وما أن رقد حتى أغلق "ست" وأعوانه عليه الغطاء ثم حملوا التابوت وألقوه في النيل, فحمله التيار حتى وصل إلى الشاطئ الفينيفي بمدينة بيبلوس بجوار شجرة ضخمة وارفة الظلال حوت التابوت في أحضانها بأمان.
وكان في بيبلوس هذه ملكة جميلة هي الإلهة عشتروت التي خرجت ذات يوم تتريض فبهرتها الشجرة الجميلة النادرة فوقفت مشدودة من الدهشة وأمرت بنقلها إلى حديقة قصرها.
أما "إيزيس" الحزينة والتي استبد بها الفراق فذهبت تبحث عن زوجها الحبيب أوزوريس وهي باكية بدموعها المدرارة من عينيها على شاطئ النيل فسقطت دموعها وامتزج بالنيل فحدث الفيضان, وكان الفراعنة ينسبون الفيضان إلى دموع إيزيس كما سنرى (في مقال قادم عن النيل).
وبينما كانت إيزيس تجلس بين سيقان البردي في مستنقعات الدلتا وقد أنهكها التعب أنصتت إلى صوت رياح الشمال وهي تهمس في أذنيها بأن الإله أوزريس ينتظرها على شاطئ بيبلوس الذي حملت عنه رسالته إليها.
ومضت "إيزيس" إلى بيبلوس ودخلت على الملكة عشتروت التي أكرمت وفادتها واتخذتها نديمة لها، وكانت إيزيس كلما أقبل المساء تحول نفسها بقوتها السحرية إلى نسر مقدس فتحلق في السماء وتحوم حول الشجرة تناجي روح زوجها. ثم حدثت المعجزة وحملت "إيزيس" من روح "أوزوريس" ولم يمسسها بشر. فحملت الطفل حورس في أحشائها ورجعت إلى أرض مصر حيث أخفته بين سيقان البردي في أحراش الدلتا إلى أن كبر وحارب الشر وأعوانه وخلّص الإنسانية من شرور "ست".
وبعد ولادة حورس عادت إيزيس إلى بيبلوس وأرادت عشتروت الملكة مكافأتها فطلبت منها إيزيس أن تهديها جذع الشجرة الذي يضم تابوت زوجها فأهدته لها, وأمرت حراسها أن يحملوا جذع الشجرة إلى سفينة أعدتها لها, لتحملها هي وشجرتها المقدسة وتبحر بها إلى أرض مصر.
ولما وصلت أرض مصر أخرجت الجثة من تابوتها ونفخت فيها من أنفاسها فردت إليها الحياة , فباركها أوزوريس هي وابنها حورس ثم صعد إلى السماء, ليعتلي العرش ويصير ملكًا للعالم الآخر ورئيسها لمحكمة الآخرة وقيّمًا على الجنة والنار.
أما إيزيس فقد أطلق عليها المصريون القدماء اسم "موت نتر" أي الأم المقدسة التي تمنح الحياة وتفرج الكروب وتشرح الصدور.
وكان للثالوث المقدس من الحب والاحترام في نفوس المصريين واستمر اعتقادهم بهذه القصة على مدار التاريخ القديم خصوصًا خلال فترات المحن والاضمحلال والأمل في الثالوث المقدس للنجاة..
فكان عيد الميلاد.. أو عيد أوزوريس وتمثيل الإله وقيامته من أعز ما يحتفل به المصريون ومن أهم أعيادهم الدينية نسبة إلى حورس من روح الإله.
وكان يحتفل بهذا العيد في أول شهر كيهك (كا هي كا) أي "روح على روح" الذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى ميلاد حورس من روح الإله, وهو رابع أشهر التقويم المصري حين تنحسر مياه الفيضان فتعود الخضرة إلى الأرض التي ترمز إلى بعث الحياة، وقد اصطلح المصريون القدماء على تهنئة بعضهم البعض بقولهم "سنة خضراء" وهي من الاصطلاحات العامية التي عبرت القرون وما زالت تعيش على شفاهنا.
ومن أسطورة الثالوث المقدس أو أسطورة الميلاد نرى أن أوزريس قد عاش ومات وردت إليه الحياة ثانية فأصبح شجرة خضراء، لذا كان المصريون القدماء يرمزون للحياة المتجددة بشجرة خضراء.
وكان أهم تقاليد عيد الميلاد عندهم الاحتفال بشجرة الحياة التي يختارونها من الأشجار الدائمة الخضرة, التي تحتفظ بخضرتها طوال العام وقد سرت هذه العادة من الشرق إلى الغرب فخرجت من مصر ومنها إلى بابل ثم عبرت البحر المتوسط لتظهر في أعياد الرومان, ثم تعود لتظهر مرة أخرى في أعياد ميلاد السيد المسيح وشجرة الكريسماس الخضراء, والتي يختارونها من الأشجار التي تحتفظ بخضرتها طوال العام كالسرو والصنوبر.
ومما لا شك فيه أن أسطورة الثالوث المقدس من الأب والأم والابن كانت بمثابة رمز لحقيقة الثالوث المقدس الحقيقي للمسيحيين المكون من الآب والابن والروح القدس إله واحد وليس ثلاثة آلهة منفصلة في أشكال مختلفة, وقد سهلت هذه الأسطورة لقبول المصريين للديانة المسيحية بطريقة أسرع من أي بلد آخر دخلتها المسيحية, ووجدت قبولاً سريعًا لديهم وأدى إلى انتشار المسيحية بسهولة ويسر في كل ربوع مصر وتخومها دون أي عناء يذكر. بل أن الرمز سهل عملية التبشير بالمرموز إليه الحقيقي مثلها مثل نبوات العهد القديم التي تحققت في حياة السيد المسيح بدقة.
وهكذا نرى أن النبوات الدينية المتمثلة في العهد القديم وحكايات الأساطيرالقديمة الوثنية قد تنبأت عن الثالوث المقدس كل بطريقته ورأته من بعيد وانتظرته برجاء ثابت وأمل اللقاء.
وقد فرض عيد ميلاد السيد المسيح أحد أقانيم الثالوث المقدس نفسه على العالم كله ليشترك الجميع ببهجة المولود العظيم في مزود حقير حاملاً معه شجرة الحياة أو شجرة الكريسماس إلى أنحاء الكون بكل طوائفه وأجناسه وأشكاله حاملاً السلام والخير المتمثل في الشجرة الخضراء.
وعادة نستخدم كثير من الزينات بأشكالها الجميلة وألوانها الجذابة وأنوارها الرائعة كل عام, إلا أن كل من هذه الزينات والألوان لها معنى خاص وتشير إلى حقيقة الأصل الحقيقي والمرموز إليه، وإليك الرمز والمعنى:
فالنجمة التي نضعها فوق الشجرة بالإضافة إلي إشارتها للنجم الذي ظهر للمجوس, إلا أنها تحمل معنى روحي جميل فهي الرمز السماوي للوعد الإلهي في الخلاص بواسطة ابنه, ونجمة بيت لحم كانت علامة وإرشاد لأنها قادت المجوس إلى مكان ولادة المسيح. (يُقال أنه يوجد في السماء نجمة لكل شخص في العالم تمثل الامل للإنسانية).
أما الأجراس التي نعلقها في الشجرة ونزين بها البيوت تستخدم كرمز للعثور على الخروف الضال. سيدق الجرس لكل شخص أيضًا ليجد طريقه للآب, ويعني ذلك التوبة والرجوع, لأننا أحباء في عيون الله.. كن جرسًا منذرًا للخطاة ولا تكن صمًا.
أما الشموع فتعبر عن السيد المسيح نور العالم وايضًا تعلمنا أن نكون شموع مضاءة وسط عالم حالك بالظلام. ولا نتشبه بظلمة أهل العالم كن شمعة ولا تكون جزء من الظلمة. الله نور وليس فيه ظلمة البتة. إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق. ولكن إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية. 1يو6:1.
أما عكاز بابا نويل فيمثل عصا الراعي. والجزء المعقوف أو الملتوي من العصا يستخدم لجلب الخروف الضال, وتعلمنا أن نكون حراس وباحثين دائمًا عن الخراف الضالة، كما يمثل العكاز أننا كلنا رعاة وويل لنا إن لم نبشر ونرعة. إن لم تكن راعي كن عكاز الراعي ولا تكن الخروف الضال.
أما الألوان وغالبًا نستخدم الأحمر والأخضر والأبيض، فالأحمر إشارة إلى دم المسيح المسفوك من أجلنا ونتمثل برب المجد في التضحية حتى الدم, أما اللون الأخضر للشجرة الصنوبر دائمة الخضرة طول أيام السنة، تعطينا الأمل في شباب الروح المتجدد دائمًا ولا نذبل بفقد الرجاء واليأس. والأبيض صفاء القلب ونقاءه (قلبًا نقيًا اخلقه فيّ يا الله).
أما شكل الشجرة الابري واتجاهها نحو الأعالي فترمز إلى الصلوات المتجهة نحو السماء وكأنها تردد مع صوت المرنم أيها الجلوس قفوا وإلى الشرق والعلاء انظروا.
ولنرنم جميعًا المجد لله في الاعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة ونقول مثل أباؤنا المصريون القدماء "سنة خضراء عليكم".

ماذا تقول على هذا الرجل: ألقى في محيط أيام شهر ديسمبر الحالي الشيخ القرضاوي بفتوى حرم فيها الاحتفال بالكريسماس وأعياد رأس السنة، جاءت كلماته قاطعة وحاسمة وهو يحث المسلمين على عدم مشاركة الإخوة المسيحيين احتفالاتهم بأعياد الميلاد، مستنكرًا وجود زينة الاحتفالات من أشجار وخلافه في محلات المسلمين، وغاضبًا من وجود إقبال إسلامي على شرائها. لم يتوقف الشيخ القرضاوي عند ذلك بل زاد في كلامه، حينما خاطب في فتواه المسلمين المقيمين في الخارج في دول أوروبا وأمريكا أن يتجنبوا الاحتفالات ولا يشاركوا فيها.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ١٠ تعليق