CET 00:00:00 - 23/12/2009

المصري افندي

بقلم: ميرفت عياد
وافاتنا الإحصائيات الرسمية الصادرة عن أجهزة الحكومة بأن مليون ونصف مصري يسكنون القبور .. ويعيشون بجوار الأموات جنبًا الى جنب .. وإني أهيب بالحكومه أن تتحرى الدقة في تلك الإحصائية .. لأن عدد الذين يشاركون الأموات حياتهم يفوق الملايين .. فمعظم الشعب المصرى يعيش بجوار قبور أحلامهم وآمالهم التي ضاعت هباءً .. وهذا أصابهم بالاكتئاب .. ولعل هذا ما جعل بعض الإحصائيات تؤكد أن الشعب المصري الذي كان يتميز بالطرافة وخفة الدم والفكاهة .. أصبح من أكثر الشعوب التي تعاني من مرض الاكتئاب .. ولما لا وهم يقطنون جميع أيام عمرهم بجوار القبور يبكون وينتحبون .. هذا مع اختلاف الشاهد الموضوع على القبر.

وسامحونى أن أدعوكم اليوم إلى رحلة حزينة لنتجول وسط تلك القبور ولنبدأ الطريق من أوله  بقبر يعلوه شاهد مكتوب عليه "العمل" حيث هنا دفن العديد من الشباب العاطلين حياتهم البائسة بعد أن أصابتهم البطالة بالاكتئاب، فقرروا أن يجلسوا بجانب ذلك القبر على قهوة المفقودين يتعاطون المخدرات والحشيش، ليغيبهم عن رحى العوز والاحتياج الذي يطحن عظمهم، غير مدركين لبديهيات العقل السليم وهو أن مايفعلوه يزيدهم إهانة ومذلة، ويزيد من مرارة عوزهم إلى الدرجة التي تجعلهم يرتكبون الجرائم للحصول على المال لإنفاقه على المزاج الذي لا يستطيعون التخلص منه بسهولة.

ودعونا نمشي قليلاً لنرى قبرًا آخر معلقًا عليه شاهد "الزواج" ولعل هذا القبر هو تسلسل طبيعي ومنطقي للقبر الأول، فكيف لهؤلاء الشباب العاطل الذي يجلس بجانب القبر السابق أن يتحملوا أعباء وتكاليف الزواج ليست فقط المادية ولكن النفسية أيضًا وهم مدمنون فاقدون لعقولهم ولعل هذا ما يدفعهم إلى القيام بالتحرشات الجنسية دون أن يعوا أن ما يفعلوه قد يؤدي بهم في كثير من الأحيان إلى عقوبة الإعدام، والسؤال كيف يعون وهم مسلوبوا العقل والإرادة؟

وعلى بعد خطوات قليلة، نجد قبرًا آخر كبيرًا جدًا جدًا عله أكبر القبور الموجودة، يعلوه شاهد مكتوب عليه بخط  كبير أيضًا كلمة "الضمير" وهذه المساحة الكبيرة بنيت لتكفي أن يدفن بها ضمير أمة بأكملها، استشرى الفساد في جسدها ، كانتشار الطاعون والأوبئة، وبرغم أن هناك من يحاول أن يجلب ضجة لإيقاظ هذا الضمير من نومه الأبدي، إلا أن القاطنين بجوار قبره والمستفدين من موته، يمنعونهم من هذا بادعاء إراحته من العذاب.

وبموت الضمير تتعدد القبور التي لا نستطيع حصرها، فهناك قبر مدفون به "الأمانة" وحوله ساكنون يمدون أيديهم لأخذ الرشوة بادعاء أنها مقابل خدمة، وإلى الجوار قبر "العدل" الذي ينقلب كل يوم على ألف وجه عله يجد لنفسه مخرجًا لينجد طالبيه الذين لا يكفون عن نداءه ليس فقط في قاعات المحاكم والسجون، لكن في جميع الأرجاء لمواجهة الظلم الذي يزداد شراسة وتوحش بسبب غياب العداله في مدفنها.

وعلى اليمين، يوجد قبر"الوفاء" الذي مات صريعًا تحت أقدام الخيانة، ليس خيانة الأصحاب والأصدقاء بل خيانة أفراد الأسرة الواحدة، فالزوجان يخون كل منهما الآخر، والأبناء يتعلمون منهم فيوجهون الخيانة إلى أنفسهم بأنواع وأشكال شتى من شأنها أن يدمروا بيها أنفسهم دون أن يعوا، بادعاء الحرية التي تسقط هي الأخرى صريعة تحت قيود العبودية.

والحقيقة أنني تعبت من كبر مساحة تلك القبور، فقررتُ أن أمر سريعًا على شواهدها المكتوب عليها "الكرامة"، "الحرية"، "الحب" ، " لحنان" ولكني لا أخفيكم قولاً بأنني ابتهجت عندما لم أجد قبرًا مكتوبًا على شاهده "الرجاء" فخرجت من تلك المساحة المظلمة الكئيبة وأنا أحمل بين ضلوعى رجاءً في غد أفضل، تستطيع فيه تلك القيم التي سقطت صريعة تحت قوى البطش ودفنت أن تعود إليها الحياة، ولكن هذا لن يحدث إلا إذا تكاتفت أيدي جميع الشعب لتخرجها من نعوشها محطمة جميع القبور .

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق