CET 00:00:00 - 31/01/2010

حوارات وتحقيقات

تحقيق: ميرفت عياد - خاص الأقباط متحدون
"بدأتُ العمل منذ عام كسائقة لسيارة أجرة يمتلكها جار لى كبير فى السن ولا يستطيع العمل عليها، وذلك بعد أن تركتُ مصنع الملابس الذى كنت أعمل به نتيجة لسوء الأحوال الاقتصادية وتوفير العمالة. ونتيجة لظروف المعيشة القاسية، اضطررت للعمل كسائقة، وحيث إنني مطلقة وأعول ابنتي الصغيرة ووالدتي المريضة، فكان لزامًا عليَّ أن أعمل أي شيء من أجل توفير القوت الضروري لهم، هذا إلى جانب تعليم ابنتي التي خرجت بها من الدنيا وتوفير متطلباتها بقدر الإمكان" قيادة المرأة للتاكسى..  بين الرفض والقبول
هكذا قالت السيدة "أ . ع" التي تعمل كسائقة لتاكسي وبصوتٍ حزين استطردت قائلة: "كم أنا أتالم كل يوم وأنا أرى والدتي تنظر إلىَّ بعينين يملأهما القلق والخوف من مخاطر الطريق، خاصة وأنا في نظرها "امرأة مكسورة الجناح" على حد تعبيرها، ولكنى دائماً كنت أطمئنها بأن الستر من عند الله، وأني أحاول جاهدة أن أنتقي الركاب الذين أقلهم حتى لا أتعرض للمضايقات.

نظرات ثاقبة .. وكلمات موحية

وبسؤال السيدة "أ . ع" عن أصعب المواقف التي تعرضت لها، قالت والدموع تملأ عينيها:
 "في يوم ما ركب أحد الركاب معي من مصر الجديدة، وطلب مني أن أذهب به إلى العباسية، وعند ركوبه فى التاكسى طلب مني أن أغير وجهتي إلى التجمع الخامس، وبالفعل أدرت السيارة إلى الاتجاه المطلوب، ثم بدأ يتجاذب معي أطراف الحديث، فتحدثت معه بحُسن نية، ولعل هذا ما جعله يظن أنني امراة مستهترة، فبدأ يقول لي كلمات موحية، وأخذت نظراته الثاقبة تنهال على جسدي، فأدركت على الفور مقصده وربطت بين كلامه وطلبه بتغير وجهته إلى التجمع الخامس الغير آهل بالسكان، فأوقفت السيارة فورًا بحجة أنها تعطلت وطلبت منه أن يستقل تاكسى آخر، وهنا نزل من السيارة وهو ينظر إليَّ نظرات حادة كادت أن تمزقني، وانتهى الموقف عند هذا الحد وعدت إلى منزلي وأنا أحمد الله على إنقاذه لي، وسلمت التاكسى إلى صاحبه وأخبرته أننى متعبة من هذه المهنة التي تستغرق وقتًا ومجهودًا كبيرًا، وطفت في الشوارع أبحث عن عمل يسد رمق أسرتي، لكن ضاقت بيّ الدنيا، فاضطررت للعودة مرة أخرى إلى ذلك التاكسي الذى اكرهه وأتمنى الخلاص منه بأي مصدر رزق آخر". 

شكوك ... واتهامات باطلة

وعن هذه المضايقات تحدثت السيدة "ح . س" التي قالت: "أنا لا أهتم بصعوبة العمل أو إرهاقه الذي يستمر لفترات طويلة أجوب فيها الشوارع فى ظل ازدحام المرور وصعوبة السير بطريقة آمنة، ولكن ما يؤلمني هو نظرات الاستغراب والشك التي تحاصرني من الركاب، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل قد يصل أحيانًا إلى العديد من الكلمات الموحية بأننى أقوم بهذه المهنة في محاولة مني لاستدراك الرجال لممارسة الرذيلة، ولكن للضرورة أحكام، حيث إن قلة دخل زوجي هو ما دفعني إلى العمل، ولم أجد أي عمل يدري عليَّ دخلاً مقبولاً إلا تلك المهنة. 

تجربة جديدة .. وجريئة
وعلى النقيض تعبر السيد  "ب. م" عن سعادتها بكونها سائقة لسيارة أجرة، موضحة أنها تجربة جديدة وجريئة، وقد دفعها إليها رغبتها في مساعدة زوجها على تحمل مسؤليات وأعباء الحياة، وأمام إصرارها وافق الزوج على أن تخوض زوجته تلك التجربة. واستطردت قائلة:
 "فى الحقيقة، أنا لم أتعرض فى تلك المهنة لمواقف صعبة ولكني تعرضت لموقف من وجهة نظري طريف.. حيث اضطررت للوقوف فجأة في أحد الشوارع لتفادي طفل صغير، وكان بالمصادفة من خلفي تاكسي كاد أن يصدمني، فنزل السائق منه وهب أن يتشاجر معي، وذهل عندما وجدني امرأه وأخذ يضرب كفًا على كف وهو يقول: "حسبي الله ونعم الوكيل .. مش كفاية سايقين عربيات ملاكي وزحمين الطريق .. كمان بتزحمونا فى أكل عيشنا .. مابقاش فاضل غير تسوقوا الأتوبيسات والجرارات .. يالة خليها تخرب" وهنا أنهى السائق كلامه وأنا أخفي ضحكة كادت أن تنطلق مني لأن منظر السائق يدل على أنه منتهي قريبًا من معركة زوجية.
وبرغم تلك الأعباء المهنية التي يتعرضن لها تلك السيدات، إلا أنهن أجمعن على أن تلك المهنة أثقلت  شخصياتهن، وأكسبتهن العديد من الخبرات الاجتماعية، فتعلمن كيف يتصرفن في المواقف الحرجة والخطيرة، وكيف يفهمن الآخرين بمجرد النظر إليهم. 

جدارة .. وقدرة على تحمل المشاق
والحقيقة أن عمل المرأة كسائقة للتاكسي ليس بالشيء الجديد، ونحن كنا نراه من حين إلى آخر بصورة فردية وقليلة جدًا، أما ما يثير الانتباه ويلفت النظراليوم هو عمل المرأة كسائقة لسيارات أجرة تابعة لشركات خاصة، وهنا الأمر يختلف كثيرًا، لأن هذه الشركات تستعين بالنساء من واقع احتياجهم إلى هذا العنصر النسائي وليس لقلة عدد السائقين الرجال، ولعل هذا يعود إلى مطالبة العديد من الجمهور وراكبي التاكسيات بوجود سائقات، ولكن.. ترى ما مدى نجاح المرأة في هذه المهنة الشاقة؟
 عن هذا يُجيب أحد المسئولين عن دوريات تشغيل السيارات قائلاً: "إن السيدات القائدات أثبتن جدارتهن وقدرتهن على تحمل مشاق العمل، خاصة وأن هناك كثيرًا من السيدات يطلبن أن يكون قائد التاكسي امرأة وذلك لكي يشعرن بالأمان.

التجربة بين مؤيد .. ومعارض

وفي محاوله لرصد رأي الشارع في تلك الظاهرة، انقسمت الآراء إلى فريقين بين مؤيد ومعارض ولكلٍّ منهما أسبابه، فالفريق المؤيد يرى أن قيادة السيدات للتاكسي لها أهمية قصوى تضاهي فكرة وجود عربات خاصة بالسيدات في المترو وذلك منعًا لتعرضهن لما قد يسيئهن أو يخدش حيائهن، وبذلك تستطيع المرأة أن تأمن نزولها إلى الشارع وتقلل معاناتها اليومية مع الزحام والتحرشات الجنسية، كما أن قيادة السيدات أكثر هدوءًا، لذلك فكثير من الآباء يفضلونها لتستقل أبناءهم إلى الحضانة أو إلى المدرسة، وذلك لتوافر عنصر الأمان أيضًا الذي كاد أن يختفي فى ظل ما نسمعه هذه الأيام من تحرشات جنسية بالأطفال.
أما الفريق المعارض، فلا يأمن قيادة السيدات للسيارات بوجه عام وللتاكسى بوجه خاص، لانشغالهم في معظم الأحيان بالثرثرة فى تليفونهم المحمول، كما أنها مهنة خطيرة بطبعها حيث يتعرض الكثير من السائقين لعمليات سرقة أو نهب أو اختطاف، فضلاً عن حوادث الطرق التي تحدث في كل ساعة. فكيف للمرأه الضعيفة البنية أن تحتمل كل تلك المخاطرة؟.
ويبقى السؤال.. هل تحقق قيادة المرأة للتاكسي الأمان في الشارع المصري؟ أم أن صعوبة المهنة التي تتطلب فترات طويلة من القيادة والانتباه الشديد وقوة التركيز تكون عائقًا أمام استمرار هذه التجربة.
رفقاً بالمرأة .. عماد الأسرة والمجتمع
ولمعرفة رأى أحد علماء الاجتماع فى هذه الظاهرة، التقينا مع الدكتور "ميشيل حليم" أستاذ علم الاجتماع بكلية "آداب جامعة حلوان" الذي تعجب من استغراب البعض أو رفضهم لدخول المرأة مهنة قيادة السيارات.

 ويتساءل: ما وجه الاستغراب والمرأة دخلت مجالات عديدة كانت حكرًا على الرجل؟، فاعتلت كرسي القضاء، وعملت فى العديد من المجالات كالمحاماة والتمريض والهندسة والتعليم والفضاء، وأثبت وجودها كذلك في مجال المهن الحرة على اختلافها، كما عملت فى مهن شاقة مثل: حراسة السيارات في الشوارع، أو عاملة في إحدى الورش، أو بائعة على الأرصفة والطرقات العامة والمقاهي، إنها لمعادلة خيالية أن يتم التوفيق بين توفير لقمة العيش لسد رمق الأسرة، وبين الحفاظ على المرأة ذلك المخلوق الحساس الذى يتعرض بسبب بعض هذه المهن إلى آثار سلبية مهينة، لذلك فرفقاً بالمرأة عماد الاسرة والمجتمع.
لقمة عيش .. ممزوجة بالمرارة والألم
ويوجه دكتور "ميشيل حليم" كلامه إلى الفئة المعارضة لعمل المرأة بمهنة قيادة سيارات الأجرة متسائلاً: هل تدخل المرأة تلك الأعمال الشاقة بإرادتها؟، فهي تتحمل كل تلك المخاطرة من أجل لقمة العيش التي تحصل عليها ممزوجة بالمرارة والدموع والألم من اجل إعالة أطفالها وتمكينهم من سبل العيش البسيطة، خاصة وهي تواجه تيارات الحياة الجارفة وحيدة فى ظل تخلي رب الأسره عن مسئوليته بأي صورة من صور التخلي سواء كان الطلاق أو عدم العمل والإنفاق على الأسرة، مشيراً إلى أن السيدة "مشيرة خطاب" وزيرة الدولة للأسرة والسكان فى لقائها بصالون الأوبرا الثقافي خلال الأيام الماضية، أكدت على أن 30% من الأسر يعولها النساء، أليست هذه النسبة المرتفعة تجعل المرأة مضطرة إلى خوض جميع مجالات العمل خاصة فى ظل الازمة الاقتصاديه والبطالة التي يعاني منها حتى الشباب؟.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق