CET 00:00:00 - 08/02/2010

مساحة رأي

بقلم: إيليا مقار
في بداية الألفية الثالثة، ومع تصاعد الحصار الأمريكي العربي علي العراق، تطاول صدام حسين علي مصر زاعماً أنها "تليفون عملة" تتحدث عندما يدفع لها السيد الأمريكي. وبعد سقوط بغداد، إتضح من قضية "كوبونات النفط" الشهيرة، أن صدام حسين نفسه كان يستخدم كوبونات النفط التي كانت تصرف له لشراء الإحتياجات الأساسية للشعب، كان يستخدمها لشراء عدد من الصحفيين العرب كتليفونات عملة، فطالت الإتهامات –علي سبيل المثال- مصطفي بكري رئيس تحرير جريدة الإسبوع والذي يصيبه هذا الإتهام بالتشنج كلما أُثير ويتهم المخابرات الأمريكية بتزوير أسمه على هذه الكوبونات.
وإن كان هذا الإدعاء –في حال صحته- يضع السيد بكري في خانة التليفون الدولي- نظراً لتبعيته لقوى خارجية-، الا أن هناك أنواع اخري من" التليفونات المحلية"، تتمثل  هنا في عدد من الصحفيين القوميين الذين تعينهم الدولة لتضع بين أصابعهم قلم يبدأ في الجريدة وينتهي في قصر القبة أو مقر المخابرات أو في أمن الدولة حسب المصدر والمهمة. ولعل أحدهم يتساءل؟ وما العيب في هذا؟ الا يعبر باقي الصحفيين في الصحف الحزبية والمستقلة عن إتجاهات أحزابهم او صحفهم، الحقيقة أن الإجابة هي"لا"، هناك فرق، بين صحفي –مدفوعا بايديولجوية ما، او بقناعة حزبية ما- يعبر عن رأيه، وبين صحفي يتم تعيينه ليعبر عن إتجاهات النظام المتلونة والرسالة التي تريد الدولة إيصالها للجميع بصرف النظر عن قناعاته هو شخصياً. إن الفرق تماما كالفرق بين من تمارس الجنس بدافع الحب ومن تمارسه من أجل المال.

 ومن هؤلاء الكتاب الموظفين، رئيس تحرير إحدى الجرائد القومية الفاشلة، وهي ايضا جريدة مساندة لإحدي القنوات السلفية الداعمة للحكومة. فمقالات السيد رئيس التحرير المتعلقة بمذبحة نجع حمادي، تطابقت مع معالجة النظام (أو عدم معالجته) للأزمة، فالنظام كان يعتقد أن الأمر سيمر ببساطة، فأشارت الصحيفة الي المذبحة في خبر صغير بينما أفردت لشهيد الحدود مساحة كبيرة معززة بالصور، وهو الأمر الذي تكرر في الأيام القليلة التالية للمذبحة، ومع بدء رد فعل الشارع القبطي وأقباط المهجر وعدد كبير من المثقفين المعتدلين في الإرتفاع، كتب السيد رئيس التحرير مقالة ربط فيها بين حادث الإغتصاب المزعوم وبين المذبحة وقال أن الجريمة جريمة ثأر و سواء كان المعتدي على فتاة فرشوط مسيحيأ أم مسلماً لثأر اهل الضحية من عائلة الجاني بنفس الطريقةُ، متجاهلا أن المجني عليهم لم يكونوا علي علاقة قربى بالمتهم في حادث فرشوط على الإطلاق، وليسوا حتى من نفس القرية!
وكان قد كتب مقالا قبلها بعدة أيام منتقدأ زيارة السفيرة الأمريكية لقداسة البابا وتخيل الرد الذي كان يجب أن يرد قداسة  البابا به علي السفيرة فقال أن البابا كان عليه ان يقول ان أقباط مصر يحيون في سلام، وليس هناك مشكلة طائفية، وأن أقباط مصر يمارسون شعائرهم في حرية تامة، وأن الأقباط والمسلمون "سمن علي عسل"، وأن حادث نجع حمادي مجرد حادث فردي، ونسي أن يُذّكر قداسة البابا بأن عليه ان ينهي لقاءه مع سيادة السفيرة بنطق الشهادتين ويفضها سيرة!

ثم كان المقال المفاجأة مع تصاعد تظاهرات أقباط المهجر وخروجهم بالأف في شوارع اوربا وأمريكا وأستراليا، هو المقال الذي كتبه السيد رئيس التحرير يوم 27 يناير متهما قداسة البابا شنودة بأنه يقف خلف تظاهرات أقباط المهجر، وأنه - بما له من سلطة علي رجال الكهنوت- قد أوعز لرجال الكهنوت في المهجر بالتحرك وبارك تصرفهم. ثم بنى على إتهاماته تلك وبدأ يُذّكر قداسة البابا أن وظيفته روحية فقط وأن وظيفة حماية المسيحيين ليست من شأنه. وتهجم الرجل على قداسة البابا مسترسلاُ في إتهاماته - في صورة تساؤلات وحيرة - عن دور قداسة البابا وهل الأمر مجرد توزيع أدوار بين أقباط الداخل واقباط الخارج!
السيد رئيس التحرير لرغبته في ألإنتهاء من مهمته التي المح لها السيد الرئيس عندما وجه اللوم لمؤسسة الأزهر والكنيسة عن أحداث العنف، وقع في تناقض واضح، فالرجل يُذكر قداسة البابا بأن عمله روحي فقط ثم يطالبه بأن يمارس الحجر السياسي علي أراء الكهنة في المهجر. يا سيدي؟ اي تناقض هذا؟ ماذا تريد من قداسة البابا بالضبط؟ هل تريده أن يكون له دور سياسي ام لا؟! ام لعلكك تريده بوابة مغلقة علي التوجهات السياسية للأقباط عامةً وعلي أباء الكنيسة خاصةً؟
تُذكر قداسة البابا ان حماية الأقباط ليست مسؤولية الكنيسة ولكنها مسؤولية الدولة. أعتقد أن التوفيق قد خانك وأنت تصيغ هذه الجملة كما خانك في سابقاتها، فلم يكن الوقت ملائما أبدا لتتحدث عن حماية الدولة للأقباط وأمامك سبع جثث مدرجة بدمائها فشلت الدولة في توفير الحماية لهم وأمسكت بالمنفذين في مسرحية تفاوضية سريعة بينما إي شخص محدود الذكاء يعلم أن الجريمة وراءها محرضون ومخططون مازالوا طلقاء. بم تقيم يا سيادة رئيس التحرير حماية الدولة للأقباط والدم القبطي لم يجف؟ بم تقيم أداء الدولة في حماية الأقباط وبهجورة تحترق بينما المحافظ علي التلفاز يعلن ان "كله تمام" بدليل أنه يتحدث من نجع حمادي، وكأن وجود المدينة في حد ذاته دليل علي إستباب الأمن! بم تقيم أداء الدولة في حماية الأقباط والأعتداءات تتصاعد وتنفجر في فرشوط وديروط وبني سويف والجيزة والمنيا خلال شهور قليلة ويتم إجبار الضحايا علي القبول بالصلح المهين في غياب قاتل للقانون!

تتحدث عن قداسة البابا ؟ الا تعلم أن هذا الرجل ورجال الكنيسة هم صمام أمان هذا الوطن؟ الا تعلم أن النقد الذي يقاسيه قداسة البابا من أبنائه –ومنهم كاتب هذه السطور- يكون بسبب صمته الكامل وعدم مجاهرته برفض الإعتداء على الأقباط ؟ تتحدث عن قناة CTV؟ الا تعلم كمية النقد اللاذع الذي تجرعته هذه القناة من الأقباط بسبب تجاهلها لحادث نجع حمادي وكيف كانت تعرض تراتيل واحتفالات الميلاد لمدة خمس أيام متواصلة دون تنويه عن مذبحة نجع حمادي بينما قلوب الأقباط والمصريين ينهشها الألم؟
هل أصابتكم مسيرات أقباط المهجر بالصدمة؟ هل أرعبكم خروج أباء الكنيسة معبرين عن خيبة أملهم في نظام ساندوه  فخانهم وإعتبر الأقباط كماً مهملا مفروغاً منه؟ الا تعلم يا سيدي أن رجال الكهنوت في الكنيسة القبطية لهم كامل الحرية في التعبير عن أراءهم دون الرجوع للكنيسة؟ الا تعلم أن الكنيسة لا تستطع الحجر علي أي من رجالها أو عقابه الا إذا خرج عن العقيدة وليس لرأيه السياسي؟ لذلك رأينا كهنة أعضاء في الحزب الوطني وأخرون أعضاء في حزب الغد وأخرون في الوفد؟

تتحدث عن سماح الدولة ببناء 45 كنيسة خلال عدة أعوام! بالله عليك! الم تستطع أن أن تقرأ مقالك مرة أخري قبل ان يتم نشره ويظهر طائفيتك وتعصب النطام الذي تعمل لديه؟! نفس فكر الإصوليين! فكرة "المنح" .. فكرة أن الدولة الإسلامية تمن على  الأقباط من وقت لاّخر فتعدد الكنائس التي "سمحت" ببنائها، و التصاريح التي تفضلت بها، ولا تعلم أن الأصل هو أن المواطن القبطي لا يجب أن يحتاج الى تصريح من رئيس الجمهورية لبناء كنيسة كما لا يحتاج المواطن المسلم لتصريح لبناء مسجد!
السيد رئيس التحرير، أقباط المهجر وكهنة المهجر هم جزء من هذا الوطن يحبون مصر حتى النخاع حتى وإن خذلهم النظام. ولكنك لن تستطع أن تفرض علينا تعليمات الوطنية أو وصفة الولاء حسب هواك، وإن كانت تظاهرات المصريين في الداخل والخارج تضايقك، فإعلم ان المزيد منها قادم لا محالة طالما إستمرت الدولة في تقديم الأقباط ذبيحة للمتطرفين، وطالما لم تُظهر الدولة أية نية حقيقية في علاج المشكلة الطائفية، فبدلاُ من أن تجند طاقاتها ليكون دم أقباط نجع حمادي نقطة تحول نحو الإصلاح، جندتك وأخرين لتزييف الحقائق ومعاقبة الأقباط على ردود أفعالهم .  والأهم، إعلم يا سيدي أن صوت الصراخ أعلى من صوت السياط، وأن قداسة البابا خطٌ أحمر، ففكر مرتين قبل ان تلقي لنا بترهاتك وتناقضاتك.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق