CET 00:00:00 - 16/02/2010

مساحة رأي

بقلم: القس رفعت فكري سعيد
لم أكن أدري أن هناك من يكرهون الحب بهذا الشكل !! ولم أكن أتصور أن هناك قلوباً أعمتها الكراهية إلى هذه الدرجة !! ولم أكن أتصور أن هناك عداءاً دفيناً لكل ما هو غربي – حتى ولوكان أمراً إيجابياً وحضارياً - بهذه الصورة البشعة !! فمن خلال تصفحى للعديد من المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت وجدت المئات من الفتاوى التي تهاجم وتنتقد عيد الحب وتحرمه وتجرمه وتؤثمه باعتباره أحد أعياد الضالين الكافرين !! وأنه بدعة من بدع الغرب . وكل هذا جعلني أتساءل متعجباً : هل يمكن أن يوجد أعداء للحب ؟!! وهل يمكن أن توجد فئة من البشر تكره الحب وتحب الكراهية ؟!! يبدو أنه كلما خاصم الإنسان ذاته وكلما أحس بهشاشة أفكاره وضعف معتقداته كلما كره الآخرين المغايرين بل وربما كره المحبة نفسها  !!!!!!!

إن الأسر المتعصبة ترضع التعصب لأطفالها منذ نعومة أظفارهم , فيقولون لهم ويلقنونهم أن عدوك عدو دينك , ومن هنا ينشأ الطفل منذ نعومة أظفارة وقد أمتلأ قلبه حقداً وكراهية وضغينة تجاه المغايرين دينياَ, ولا أنسى يوماً أحد الأشخاص وقد وقف يتحدث في إحدى الندوات العامة وإذا بسيل من الكراهية ينساب من بين شفتيه دون ضابط أو رابط ودون خجل أو وجل , ففي إحدى ندوات المواطنة وبينما كان الحديث عن المساواة وضرورة مشاركة المسيحيين في مناصب الدولة دون أي تمييز ضدهم باعتبارهم مواطنيين مصريين, وقف شخص ينتمي للجماعة المحظورة وقال ضمن ما قال إنه ليس مطالباً بأن يحب المسيحي, وليس مطلوباً منه أن يَقبَلَه أو يُقَبلَه !! وذات مرة وقف أحد أعضاء مجلس الشعب المصري وقال إن الإرهاب ليس تهمة !! .

لقد نسى الكارهون للحب إن الحب هو بلسم كل الجراح ودواء كل الخطوب , والحياة بدون حب لا تساوي شيئاً, وبغير الحب تصبح الحياة صحراء قاحلة وغابة موحشة, تصبح الحياة جحيماً لا يطاق ,بدون الحب تصبح الحياة ميدان قتال وساحة حرب لا صوت يعلو فيها على صوت أزيز الطائرات, ورعد الصواريخ, ودوي المدافع, وانفجار القنابل .فعندما تختفي المحبة من قاموس حياتنا, وعندما تصبح نبتة الحب غريبة على عالمنا, تنضب العواطف, وتتحجر الأفئدة, وتتصلب المشاعر, وتتجمد الأحاسيس. وكنتيجة حتمية للتعصب قد يحب المرء فقط من يتفق معه في الدين فقد لا يحب المسيحي إلا المسيحي, وقد لا يحب المسلم إلا المسلم, بل وكلما ازداد الإنسان تعصباً وكلما انغلق وانكفأ على ذاته قد لا يحب إلا من يتفق معه فقط في نفس طائفته, فقد لا يحب المسلم السني المسلم الشيعي أو العكس, وقد لا يحب المسيحي الأرثوذكسي المسيحي الإنجيلي أو العكس, وكعلاج لهذا التعصب المقيت قدم السيد المسيح علاجاً شافياً لهذا الداء فقال : ( سمعتم أنه قيل : أحبب قريبك وأبغض عدوك. أما أنا فأقول لكم : أحبوا أعداءكم وصلوا من أجل مضطهديكم لتصيروا بني أبيكم الذي في السموات, لأنه يُطلع شمسه على الأشرار والأخيار, ويُنزل المطر على الأبرار والفجار, فإن أحببتم من يحبكم, فأي أجر لكم ؟ أو ليس العشارون يفعلون ذلك ؟ وإن سلمتم على إخوانكم وحدهم, فأي زيادة فعلتم ؟ فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم السماوي كامل ) الإنجيل بحسب متى 5: 43- 48 ويقول الرسول يوحنا : ( أيها الأحباء, فليحب بعضنا بعضاً لأن المحبة من الله ... من لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة ... إذا كان الله قد أحبنا هذا الحب فعلينا نحن أن يحب بعضنا بعضاً .... الله محبة فمن أقام في المحبة أقام في الله وأقام الله فيه ...إذا قال أحد : ( إني أحب الله ) وهو يبغض أخاه كان كاذباً لأن الذي لا يحب أخاه وهو يراه لا يستطيع أن يحب الله وهو لا يراه .1يوحنا 4: 7, 8, 11 , 16, 20 .

وقد أعطانا السيد المسيح في بذله وعطائه وفدائه نموذجاً فريداً للحب , فقد كان يسوع نفسه هو الحب مجسماً, لقد كان هو النبع وهو النهر, لقد كان كل شئ فيه ينبض بالحب لذا قال هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً .

فما أعظم ما يفعله الحب في كيان الإنسان إنه يؤصل فيه الثقة والإخاء والشجاعة والأمل والسلام والرجاء. فالذين لم يحبوا لم يعرفوا للحياة طعماً أو معنى أو لذة , والذين يحيون حياة الأثرة لا الإيثار , الأنانية لا الغيرية , فإنهم يكرهون كل الناس ولا يحبون إلا أنفسهم فقط , هؤلاء يتناسون أن الحب الناضج مثل القُبلة يحتاج إلى فردين , فلا يستطيع الإنسان أن يُقَبل نفسه . ومن ينثر في طريق حياته بذار الحب لن يحصد إلا حباً ومن يحب الناس من حوله هو أشبه بمن يضع أمواله في بنك وفي وقت المحنة سيجد هذا الرصيد موجوداً , إن أتعس وأشقى إنسان في هذا الوجود هو من لا يحب أحداً ومن لايحبه أحد !!

إن الحب ليس كلمة تقال, فأروع الألفاظ وأبلغ العبارات ولو كانت بلغات الأرض والسماء دون محبة عملية فهي أشبه بطبول جوفاء تدق دون معنى وترن دون عمق وتطن دون رسالة, والحب ليس شعوراً نصفه, ولا شعاراً ننادي به, ولا أنشودة نتغنى بها, لكنه في حقيقته هو العطاء بلا حدود, الحب في جملته وفي قمة كماله وجماله هو بذل الحياة بدون مقابل, وتقديم النفس قرباناً على مذبح التضحية من أجل الآخرين بدون ثمن !! إن المسيحية الحقيقية ليست عبارات براقة, وليست كلمات طنانة أو عظات رنانة, ولكنها مشاعر نقدرها ودمعة نمسحها وبسمة نبعثها !!

قارئي العزيز ... إنني أدعوك لأن تدع زهور الحب تتفتح في أعماق قلبك ونفسك حتى تتفجر ينابيع الخير من حولك, فعندما تحب تستطيع أن تقف بجوار أي مقهور مظلوم, وتستطيع أن تقول كلمة حلوة لأي بائس محروم !!

عندما تحب ستكون المنديل الذي يجفف دموع الباكين والعصا التي تسند العاجزين, ستكون بلسماً يضمد جراح الناس لا خنجراً يجرح قلوبهم !! عندما تحب لن تدوس على الواقعين على الأرض بل ستنحني وتأخذ بيدهم وتحملهم على ظهرك فتلك هي شيم الأبطال النبلاء !! عندما تحب سترى جمال الورد وتتغاضى عن الأشواك, سترى النجوم والنور في حياة الناس في ليل طباعهم وفي ظلام معاملاتهم !! عندما تحب ستنتقي كلماتك وتنقيها من الحجارة التي تجرح مشاعر الآخرين, فسيكون كلامك كالآلة الموسيقية التي تعطي للنغمات شكلها وجمالها واتساقها وانسجامها !! عندما تحب ستستعمل الحجارة التي يقذفها الآخرون عليك في البناء, وستتأكد بأن الخناجر التي تُغمد في ظهرك من الغادرين إنما تدفعك للأمام, عندما تحب ستكون مع الذين يتألمون, وستبكي مع الذين ينتحبون, وستجد سعادتك في تخفيف الألم عن الذين يتأوهون, عندما تحب ستكون عن الأحقاد مرتفعاً مثل النخيل تُضرب بالصخر فتلقي بأطيب الثمر!! عندما تحب ويكون قلبك مفعماً بالحب لن تجد فيه مكاناً لحقد أو لكراهية أو لحسد , عندما تحب لن تكره من يختلف معك في الدين ولن تبغض من يختلف معك في العقيدة بل ستقول ماقاله المتصوف الكبير محي الدين بن عربي:
 "لقد كنت قبل اليوم انكر صاحبي
ان لم يكن دينه الى ديني دان
لقد صار قلبي قابلا كل صورة
فمرعى لغزلان و دير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف
و الواح توراة و مصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه
فالحب ديني و ايماني."
إن الدين الذي يتفق مع مشيئة الله هو دين الحب ومن لا يعرف الحب لا يعرف الله لأن الله محبة.

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق