CET 00:00:00 - 18/01/2010

مساحة رأي

بقلم: أيمن عبد الرسول
لم أخرج من حدادي بعد على شهداء نجع حمادي، ولم أستطع الخوض في التفاصيل، لمرارة في القلب، ورعب على مصر التي يُفقِدها التطرف أعز ما تميزت به ولم تدَّعِه، التسامح.. إلا أن التسامح ليس قيمة إيجابية بالمناسبة، فالتسامح المحتفى به في اللغة العربية من المصدر (س م ح) وهو ترك ما لا يجب تفضلاً
وبهذا المعنى فهو قيمة سلبية لأنه منحة القوي لمن يخطئ، لا حق مفروض ولا يحميه الدستور ولا القانون.. التسامح المصري الذي نتغنى به في كل مواسم الوحدة الوطنية، بدعة من بدع الحداثة، والأصل في الأشياء الصراع، وبديل الصراع، أو الخلاف هو قبول الآخر، فهل هذه الثقافة مزروعة في طين هذا الوطن الذي يقبل الغزاة خوفًا وطمعًا ثم يطلب من الغزاة أن يتسامحوا معه؟!

في المصحف العثماني ذم للسفهاء، ووصف السفهاء هنا للتحقير والتقليل من مقدراتهم – أي السفهاء – العقلية فهم لا يفقهون، مثال (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) و(أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ) وغيرها من الآيات الدالة على تحقير السفهاء، وما يحدث في بر مصر من حوادث جنائية ذات مغزى طائفي وخصوصًا في صعيد مصر الذي هو محط أغلب أحداث العنف الطائفي ومحط مصادر المقاومة الدينية وغير الدينية العنيفة في هذا البلد الآمن – لا ندري كيف؟- فنظرة إلى تاريخ جماعات الإرهاب الإسلامي المسلحة، وغيرها من حركات المقاومة عبر العصور المختلفة، ستؤكد أن الصعيد المصري هو مرتع العنف، مرة لأنه الأبعد عن مركزية العاصمة، وبالتالي عن حسم النظام، ونظام الحسم، ومرة لأنه يحكم بنظام قبائلي خاص تراعيه وزارة الداخلية سواء في مديريات الأمن أو المراكز، وعزت حنفي ليس بعيدًا!
ونأتي إلى الكارثة المعقدة للتركيبة السكانية في صعيد مصر بين أغلبية مسيحية في مدن ومحافظات معينة، وتركيبات الصعيد البدوي الذي جاء من جزيرة العرب مثل قبائل الهوارة والعبابدة والجعافرة وغيرها.

الأغلبية المسيحية تركزت هناك مبكرًا للهروب من غشم الحاكم غير المصري في أغلب الأحيان، وكونت مراكز قوتها بالتجارة والمضاربات، ومن مفاهيم الصعيد الغبية مفهوم الثأر، وهو بالمناسبة جاء من القبائل العربية التي استوطنت صعيد مصر، ولما نجحت الداخلية في توقيت حرج في تصفية منابع الإرهاب المصري في الصعيد، بدأت نوازع ثأرية في الظهور، متخذة أشكالاً مختلفة بين قصص أسلمة جبرية للقاصرات، أو تنصير للمسلمات، ومن هنا كان الشكل الحالي للسفه في التعامل مع الآخر المسيحي في صعيد مصر، شيخ المسجد يقوم بالدعاء يوم الجمعة على اليهود والنصارى، ويقوم المصلون بالتبرم صوتًا من ممارسات النصارى العلنية، وتقوم النزعات القبائلية بتسخين الموقف (كيف ترضى يا فلان بأن يغتصب مسيحي بنتنا؟)، (وكيف يعلو صليب أبو مينا على مئذنة أبو علي)، (إلحق جرجس فاتح بيته كنيسة بيتفقوا فيها على أذية حسين لأنه منع ولاد النصارى من اللعب قدام الجامع) وهكذا يتفق السفهاء على التهمة ويقودون الغوغاء نحو مهاجمة المسيحي الآمن، البعض من العقلاء كما روى لي بعض القبط المخلصين، يحمي القبط ويحاول الوقوف ضد الهجوم الغوغائي المنقاد بالسفه الصعيدي القبائلي لا الإسلام ولا البوذية حتى، إلا أن صوت عقلاء المسلمين لا يبدو واضحًا وسط سفه الغوغاء، التسامح يعني مغفرة القوي للضعيف المخطئ، وفي مصر هناك إسلام للسفهاء هو المسيطر على الوعي الشعبي، وإسلام للفقهاء به ما به من قصور إلا أن أحدًا من أولئك الفقهاء أو العقلاء  لا يُسمع لهم صوت وقت المعركة، الإسلام ليس هو المسئول الوحيد عن العنف الطائفي، وإن كان مصدرًا للمشكلة إنما السفه والانحطاط العقلي، وشهوة الانتقام والتعصب وأخيرًا لعبة التسامح الخطرة التي تصور للمسلمين أنهم الأقوى عددًا وعنفًا، وتصور لهم الأغلبية تصورًا أقرب إلى"عركة في حارة شعبية" الأغلبية لا تتسامح مع الأقلية في دولة المواطنة، فلا أغلبية عددية جاهلة ومختلة ومحرضة على العنف والدم في مصر، المطلوب من دين السفهاء أن يستيقظ أو يموت.. ومن دين الفقهاء أو العقلاء أن يتدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يحارب المسلم العالم ليثبت له أن الإسلام دين تسامح ومحبة!!

عزاؤنا إلى أسر شهداء نجع حمادي ومطالبنا من وزارة الداخلية ألا يتم علاج الموضوع على طريقة "مختل عقليًا" والشهادة للوطن قد تطوروا كثيرًا وأدخلوا قاموس حلولهم (مسجل خطر) ولا أمل في تحسن الأحوال إلا بالعلمانية المصرية التي وعدنا بالكتابة عنها ولكن دماء شهداء دين السفهاء عطلتنا وأزعجتنا.. ولا حياة لمن ينادون بدين الفقهاء، عزيزي قارئ هذه السطور لا تتسامح لأنك لست الأقوى، إقبل الآخر لأنه لا يقل عنك درجة في الإنسانية ولا نقول المواطنة، وأخيرًا لكِ مني يا مصر كل المنى بشعب يستحق الانتماء إلى أرضك ونظام يحترم خصوصية مواطنيك.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٨ صوت عدد التعليقات: ٧ تعليق