CET 00:00:00 - 09/04/2010

مساحة رأي

بقلم: القس صموئيل زكى سليمان               
في التاسعة من صباح الخميس الموافق 18 مارس 2010 أرسل الدكتور "سمير فرج" محافظ الأقصر حملة جبارة من قوات الأمن باللوادر واللوريات وعمال المحافظة وكم هائل من المسئولين أيضًا إلي الكنيسة الإنجيلية المشيخية بالأقصر. وكان علي رأس هذه الحملة السكرتير العام للمحافظة اللواء "السيد الوكيل". وقامت هذه الحملة بعمل كردون أمني حول الكنيسة من كل الجهات لمنع أي شخص من الدخول أو الاقتراب أو التصوير، ولم يكن الهدف من هذه الحملة الجبارة فرض الحراسة الأمنية لحماية الكنيسة, لكن كان الهدف هو هدم وتدمير جزء حيوي من كيان هذه الكنيسة الأثرية وهو مبنى الخدمات التابع لها وقد انتابنا الألم الشديد وقلوبنا كانت ومازالت تعتصر حزنًا وألمًا لا علي هدم مبني الخدمات فقط، ولكن لأنه كان بداخل هذا المبني كم من الأطفال الأبرياء في حضانة الكنيسة ونحن نتخيل كم الرعب الذي تعرضوا له لرؤيتهم هذه المشاهد المفزعة التي لا يمكن أن تخرج من ذاكراتهم أو مخيلتهم طول العمر.
وكان داخل هذا المبني أيضًا راعي الكنيسة وأسرته الذين قاموا بالتعدي عليهم وإهانة كرامتهم حيث قاموا بجرجرة الراعي وبهدلة ملابسه والتعامل مع زوجته أيضًا بطريقة غير محترمة وتم تهديده بوضع أبنه تحت  عجلات اللودر، مع علمهم كقادة ومسئولين بأن راعي الكنيسة هو رمز وهو صورة الكنيسة وهو يمثلها أمام كل الجهات، فالإهانة له ولأسرته هي إهانة للكنيسة ذاتها.

وبشأن هذه الأحداث نشرت وسائل الأعلام المختلفة الكثير من الأنباء والتحقيقات الصحفية والتصريحات المختلفة. منها ما هو حقيقي ومنها ما هو أكاذيب بقصد التواء الحقائق وتضليل الرأي العام. وهنا قصدت أن يكون هذا المقال مختلف عن غيره من المقالات ففي كل مقال يعبّر الكاتب عن رأيه ويصدر الكثير من الأحكام، ولكن هنا بقدر الإمكان أضع   التصريحات التي صرح بها المسئولين في وسائل الإعلام المختلفة أمامك أيها القارئ  العزيز مسلمًا كنت أو مسيحيًا ونبحث معًا عن الحقيقة وأترك الحكم لك احترامًا لعقليتك وتقديرك  للأمور بشـأن عدة حقائق وفي النهاية نهدف أن تكون الأمور واضحة مثل عين الشمس, ويتحمل كل مسئول نتيجة أفعاله.
أول هذه الحقائق نتناول تصريحات المسئولين بشأن المساجد التي هُدِمت بالأقصر وموقف الجهات الرسمية منها وهنا أضع أمامك ما نشرته وسائل الأعلام المختلفة بخصوص ذلك.

1- نشرت جريدة المصري اليوم بتاريخ 25/ 3 /2010 تصريحات السيد سمير فرج محافظ الأقصر وقوله  "أنا أزلت ٤ جوامع محدش إتكلم ومحدش فتح بقه، آجى أزيل منزل خلف كنيسة صاحبه كاهن في الكنيسة تقوم على الدنيا وماتقعدش والبعض يدعى كذبًا أن المنزل تابع للكنيسة، ويقولون كيف تهدمون كنيسة، طيب إشمعنى المسلمين ما اعترضوش على هدم أربعة مساجد؟".

2- نشرت مجلة روزا ليوسف في عددها 4368 بتاريخ السبت 27 مارس 2010 حسب تصريحات محافظة الأقصر القول "  أزلنا خمسة مساجد".
3- نشرت مجلة اليوم السابع في عددها الصادر بتاريخ 28/ 3/ 2010 خبر تحت عنوان "محلي الأقصر ينتقد الطائفة الإنجيلية بسبب هجومها عل فرج". وصرح عن المجلس المحلي الشعبي السيد عبد الرازق شرقاوي عضو المجلس وكان  مضمون التصريح "انتقد عبد الرازق شرقاوي عضو المجلس الشعبي المحلى بالأقصر هجوم الكنيسة الإنجيلية بالأقصر على محافظ الأقصر لإحباط استكمال مشروع الكباش الذي هدمت من أجله 5 مساجد بالأقصر، وذلك عندما أزيل مسكن ادعوا أنه يتبع الكنيسة وإن ما حدث من الإنجيليين ما هو إلا "تهريج", ونرفض دكتاتورية المسيحيين الأقلية وأن الطائفة الإنجيلية لا تريد التعاون فعندما اقترب من الكنيسة أشعلوا نيران الفتنة، وكادت أن تكون فتنة طائفية بعد ادعاءاتهم باعتداء رجال الأمن عليهم وهدم أجزاء من الكنيسة إن ما حدث من الطائفة الإنجيلية بالأقصر أمر مرفوض وغير مقبول".

4- نشرت رابطة الأقصر الأولى بتاريخ 31/ 3/ 2010 وقد أعلنت ما نشر نرمين مجدي قائلة "وتحدث الدكتور سمير فرج محافظ الأقصر: إن ما حدث هو عملية إزالة عادية مثل كافة عمليات الإزالة التي تم تنفيذها أثناء العمل في مشروع طريق الكباش والتي وصلت إلى أكثر من 424 بيت و6 مساجد تم إزالتها وبناء مساجد أخرى بديله له".

5- أما عن تصريحات الشعب الذي هو مازال علي قيد الحياة وعلي ارض الواقع بالأقصر قالوا ومازالوا يقولون بأن التغيير حدث في 3 مساجد وبالتحديد مساجد المقشقش المجاور لمركز الشرطة، والمصلي الصغيرة التي كانت في المحكمة القديمة, والثالث الذي هو بجوار السوق في الطريق إلي السواقي .
وبعد عرض هذه التصريحات أقول رأيي الشخصي بشان أمرين هامين   أولهما : بخصوص التعامل مع المساجد أننا لا نفرح لأي أذى يلحق بأي مسجد  فمن المهم أن تنال كل المساجد كل احترام  وتقدير واهتمام وهكذا الكنائس أيضًا.
وثانيهما: هام وخطير ومؤلم في القضية فالمسئولين لم يكتفوا هنا بهدم مبني الخدمات الخاص بالكنيسة دون أي مراعاة لتاريخ الكنيسة الأثري أو أتفاق واضح أو اعتبار لرسالة الكنيسة العامة بمصر، لكنهم في تصريحاتهم الكثيرة كانوا يضعون مقارنات بين الكنيسة والمساجد بالأقصر لماذا؟ رغم أن القضية تخص الكنيسة فقط. ألا ترى يا عزيزي القارئ أن هذه المقارنات خطيرة وتهدف إلى إثارة المسلمين على أخوتهم المسيحيين. وتُحدّث شرخ كبير بين المسلمين والمسيحيين داخل الشعب المصري. 

ونحن في توقيت نحتاج إلي تقارب الشعب المصري بمسلميه ومسيحييه وتدعيم الحب بينهم, والتأكيد علي الكيان الواحد في مصر.  لكن هذه التصريحات جعلتنا في لخبطة وفرضت علينا سؤال هام. كم عدد المساجد التي هُدِمت؟ وأين الحقيقة؟ فتصريحات المحافظ في المصري اليوم قال أنها أربعة, وتصريحات المحافظة بعدها بيومين في روزاليوسف قالوا أنها خمسة, وتصريحات عبد الرازق شرقاوي والمجلس المحلي والسكرتير العام بعدها بيوم قالوا أنها خمسة, وتصريحات المحافظ بعدها بثلاث أيام قال أنها ستة. أما على أرض الواقع وتصريحات شعب الأقصر الذي هو مازال علي قيد الحياة حتى اليوم يقول أنها ثلاثة.

لكن يأتي هنا سؤال أخر هام هل هذه المساجد التي قام المحافظ بهدمها لأنها كانت فوق طريق الكباش, وحرصًا علي المصلحة العامة للدولة قام بهدمها؟ أم أنها كانت مساجد قديمة وأراد تطويرها للأفضل؟ أسألوا أهل الأقصر المسلمين قبل المسيحيين يخبرونكم بأنه كان الهدف من هدم المساجد هو أعادة بنائها وتطويرها, للأفضل بمساحات أكبر ومظهر أجمل وإمكانيات أفضل.. لا بل دعوني أضع أمامكم ما قاله السيد المحافظ بالحرف في تصريحاته لجريدة روزا ليوسف في عددها رقم 4368 بتاريخ 27 مارس 2010  "ولما اتعملت الجوامع الجديدة بالرخام والتكييف وإضاءة جميلة وفرش نظيف وصار دورين بدلاً من واحد ودار مناسبات، أصبحوا الآن يطلبون مني تجديد باقي الجوامع" والذي كان فوق طريق الكباش مسجد المقشقش فقط ولم يكن مسجدًا أثريًا.
عزيزي القارئ وأنا احترم عقليتك وتقديرك للأمور والبحث عن الحقيقة بالعقل والمنطق هل تعامل المحافظ والمسئولين بمحافظة الأقصر مع الكنيسة مثل التعامل مع هذه المساجد؟ التعامل مع الكنيسة كان هو الهدم والتدمير دون أي اعتبارات أو احترام لها كمؤسسة دينية. ولها رسالتها الروحية والتنويرية والتعليمة وأبسط الأمور أقول أنها أم لثلاثة مدارس متميزة بالمدينة.

أما عن  الأساليب التي وجهت إلي الكنيسة من الأخ المحترم الفاضل عبد الرازق شرقاوي عضو المجلس المحلي الذي أدلى بتصريحاته  بعد اجتماع المجلس المحلي في جريدة اليوم السابع "عندما أزيل مسكن ادعوا أنه يتبع الكنيسة وأن ما حدث من الإنجيليين ما هو إلا "تهريج", ونرفض دكتاتورية المسيحيين الأقلية وإن الطائفة الإنجيلية لا تريد التعاون فعندما اقترب من الكنيسة أشعلوا نيران الفتنة، وكادت أن تكون فتنة طائفية بعد ادعاءاتهم باعتداء رجال الأمن عليهم وهدم أجزاء من الكنيسة إن ما حدث من الطائفة الإنجيلية بالأقصر أمر مرفوض وغير مقبول".
راجع معي يا عزيزي القارئ المصطلحات المستخدمة تجاه الكنيسة من مجلس محلي الأقصر نقد للطائفة الإنجيلية.. هجوم .. إحباط.. ادعاء.. تهريج.. ديكتاتورية... عدم تعاون.... إشعال نيران الفتنة... الفتنة طائفية" هل تقبل أيها القارئ المحترم مسلمًا كنت أو مسيحيًا هذه المصطلحات والعبارات أن توجه إلي كنيسة لها تاريخ عريق وصاحبة رسالة عظيمة بالدولة ؟هل يقبل سيادة الرئيس حسنى مبارك ذلك؟ هل يقبل سيادة رئيس الوزراء ذلك؟ أنا متأكد أن كل منهما لا يقبل ذلك بالمرة.

لكن الكارثة والطامة الكبرى تأتي في تصريحات اللواء السيد الوكيل السكرتير العام لمحافظة الأقصر في جريدة اليوم السابع بتاريخ 28/ 3/ 2010، "فيما أكد اللواء سيد الوكيل السكرتير العام لمحافظة الأقصر أنه بعد أن اطلع على الأوراق الخاصة بالسكن الذي تم إزالته، تبين أنه مبنى على أرض منافع سكنية وليس يتبع الكنيسة في شيء وأن عدادات المياه والكهرباء بأسماء أفراد ليسوا قسيسين وليسوا تابعين للكنيسة "نعم كارثة عندما يصرح مسئول في هذا المنصب بهذه التصريحات.
هل بهذه البساطة الشديدة في عصر ما قبل عهد الرئيس مبارك كانت الكنيسة لا تستطيع عمل دهانات لحائط, أو بناء دورة مياه  بدون موافقة كل الجهات من حولها؟ وهل قامت الكنيسة رغم هذا التشدد عليها ببناء مبني لها في غيبة كل أجهزة الدولة؟ وهل بكل بساطة وأفقت أجهزة الدولة علي دخول المرافق من مياه وكهرباء وتليفونات دون الحصول علي أي مستندات رسمية تؤكد ذلك . ألم تصل ليدكم  إيصالات خاصة  بالكهرباء والمياه والتليفونات  بأسماء ثلاثة من حضرات القسوس الأفاضل الذين كانوا رعاة سابقين وهم بالتحديد القس أسحق إبراهيم, والقس فكرى سيدهم  جرجس، والقس رمزي بسطا، وقد عاشوا كرعاة سنيين طويلة في مدينة الأقصر ولهم تاريخ  مشرف  بالأقصر.

وهنا حقيقة هامة لابد أن يفهمها رجل الشارع البسيط  ألا وهى أن كل  السجلات الخاصة بعدادات الكهرباء والمياه والتليفونات  لكل الكنائس علي مستوى الجمهورية بأسماء الرعاة بصفتهم مسئولين وليس بأشخاصهم أي أنهم ليسوا ملّاك للكنيسة ولكنهم مسئولين ينوبوا عن الكنيسة. فالمستندات الخاصة بكنيسة الأقصر لم تكن باسم القس محروس عزيز الراعي الحالي لأنها باسم الرعاة السابقين بصفتهم.
هل السكرتير العام بمحافظة الأقصر يصرح بهذه التصريحات وهو شخص في هذا المنصب الكبير ولا يفهم هذه الحقيقة البسيطة  فهي كارثة كبرى. وإذا كان يفهم ويقصد التضليل لعامة الشعب فهذه طامة عظمى؟ وكلتا الحالتين أمّر من بعضهما فرغم وجود المستندات إلا أنه يصرح بحقائق غير صحيحة. عشمنا كبير في القيادة السياسية بمصر لفهم الأمور على حقيقتها, ووضع حل عادل لقضية الكنيسة الإنجيلية بالأقصر لعلاج الجراح التي في دواخلنا.

الراعي السابق للكنيسة الإنجيلية بالأقصر

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ١٥ تعليق

الكاتب

القس. صموئيل زكي

فهرس مقالات الكاتب
راسل الكاتب

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

مواضيع أخرى للكاتب

أين الحقيقة يا محافظ الأقصر ؟

الأقصر بين الماضي الجميل والواقع الأليم

جديد الموقع