CET 08:37:51 - 10/09/2010

مساحة رأي

بقلم: صموئيل عازر دانيال
- الإنسان الخاطئ بسبب الضعف البشري، يدخل الكنيسة ليجد المسيح واقفاً في شخص الكاهن مُمسكاً في يده – ليس حجارة رجم الخاطئ الذي يستحق العقوبة كما كان وما زال عند اليهود، بل رافعاً صليب المغفرة الذي سلَّمه له المسيح ليحل ويغفر خطية المُطلَّق والمُطلَّقة والزاني والزانية، ويُدخلهم إلى الكنيسة، كما دخل المسيح بالخروف الضال إلى الحظيرة فرحاً، وكما قالت الدسقولية: "أن تُدخلهم ثانية إلى الكنيسة". وليعرف الجميع جيداً أن ليس عند الكنيسة وسيلة أخرى سوى المغفرة بالصليب.
آباء الكنيسة بمشورة فُضلاء ونُخبة ومُثقَّفي وعلماء لاهوت الشعب، عليهم أن يُرتِّبوا التدبير الرعوي لشئون الزواج والطلاق:
- أما المشكلة الحالية فهي مشكلة رعائية بحتة تتصل بشئون البشر الضعفاء المنتمين إلى الكنيسة. والقرارات فيها تُتخذ بالشركة بين الآباء الإكليروس ونُخبة الشعب من المثقَّفين الذين يمكن أخذ مشورتهم في شئون الزواج والطلاق والزيجة الثانية، وذلك داخل دائرة التدبير الرعوي، هذا التدبير الذي وضع المسيح أساسه في المبدأ الذي أرساه في مجال الرعاية: "السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإنْسَان، لاَ الإنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ"، حينما دخل المجمع ليشفي صاحب اليد اليابسة وكان يوم السبت المُحرَّم حسب الناموس القديم الإتيان بأي عمل وإلا حُسب آثماً (ومن هنا أتت التهمة ضد المسيح "فاعل إثم" وقد دفع عقوبتها: الموت)، وقال لهم: «هَلْ يَحِلُّ فِي السَّبْتِ فِعْلُ الْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ الشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟». فَسَكَتُوا. فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ، حَزِينًا عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ:«مُدَّ يَدَكَ». فَمَدَّهَا، فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى" (إنجيل مرقس 2 : 27؛ 3: 4، 5).
والسؤال: هل من حق الكنيسة أن تمنع نعمة الله عن أحد منعاً أبدياً؟
- لا على الإطلاق. وأمامنا مَثَل القديس بطرس الرسول حينما كسر قانون الناموس القديم، إذ دخل في بيت كرنيليوس قائد المئة الروماني (الكافر في نظر ناموس العقوبات في العهد القديم) ليُعمِّده: "فَلَمَّا صَعِدَ بُطْرُسُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، خَاصَمَهُ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِتَانِ (أي المسيحيون الذين كانوا يهوداً وكانوا ما يزالون متمسكين بفرائض وقوانين الناموس القديم ومن بينها عدم دخول اليهودي بيت أممي غير يهودي، أي كافر، وهذا إثم وخطية كبرى عند اليهود)، قائِلِينَ لبطرس: «إِنَّكَ دَخَلْتَ إِلَى رِجَال ذَوِي غُلْفَةٍ (أي غير مختونين وبالتالي كُفَّاراً) وَأَكَلْتَ مَعَهُمْ». فبدأ القديس بطرس يشرح لهم الرؤيا التي رآها والصوت الذي يدعوه إلى الذهاب إلى بيت هذا الرجل الأممي قائد المئة الروماني غير اليهودي. ثم قال لهم: «فَمَنْ أَنَا؟ أَقَادِرٌ أَنْ أَمْنَعَ اللهَ؟». فَلَمَّا سَمِعُوا ذلِكَ سَكَتُوا، وكَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ قَائلينَ:«إذًا أَعْطَى اللهُ الأُمَمَ أَيْضًا التَّوْبَةَ للْحَيَاة!» وبهذا التدبير انتشرت المسيحية في العالم كله (سفر أعمال الرسل 11: 1-18). تأمل القديس بطرس الرسول يقول: "فمن أنا؟" أقادر أن أمنع الله؟". ونحن نتساءل: "فمن هو؟" الذي يتجرأ – بعد القديس بطرس الرسول - أن يمنع نعمة الروح القدس عن إنسان هو في نظره خاطئ وكافر ويستحق الرجم والموت الأدبي بمنعه من الزواج؟؟!! وأمامنا وأمامه سؤال المسيح: "هَلْ يَحِلُّ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟".
- لذلك ليس لرجل الإكليروس الحق في أن يمنع نعمة الله - تحت أي ادعاء أو سبب- عن إنسان خاطئ أتى إليه برجليه لينال الأسرار الكنسية وفيها مغفرة الخطايا، إلا إذا استدعى الأمر أن يكون منعاً مؤقتاً بقانون توبة لمدة محددة، ثم يتمم له السر الكنسي، كما أشار الآباء الرسل الأطهار (أنظر عاليه).
- وأخيراً، مَنْ الذي عاقبه المسيح عقوبة شديدة؟ ولماذا؟

-    هذا هو حكم وقضاء المسيح الوارد في مَثَل العبد الشرير الذي سامحه السيد في الدَّين الذي عليه لما صرخ إليه: "يَا سَيِّدُ، تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ" (فاستجاب له المسيح، وأعطاه الفرصة الثانية)، ولكنه خرج يطالب العبد رفيقه بالدَّين الأقل قيمة. ولما صرخ إليه هذا العبد رفيقه بنفس طلبة الفرصة الثانية: "فَلَمْ يُرِدْ بَلْ مَضَى وَأَلْقَاهُ فِي سِجْنٍ حَتَّى يُوفِيَ الدَّيْنَ" (سجن عدم الزواج للأبد). فوبخه السيد بهذه الكلمات: "أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟ وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ“. (إنجيل متى الإصحاح 18 من عدد 28).
-    ومن هو العبد الذي عاقبه المسيح هكذا؟ إنه العبد المؤتمن على العبيد رفقائه وهم شعب الكنيسة ومن بينهم المُطلَّقون والمُطلَّقات: "فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ (الكاهن) الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ (شعب المسيح) لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ (التعليم والقدوة والافتقاد والرعاية، وأسرار الكنيسة) فِي حِينِهِ؟ طُوبَى لِذلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هكَذَا! اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ. وَلكِنْ إِنْ قَالَ ذلِكَ الْعَبْدُ الرَّدِيُّ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ. فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ الْعَبِيدَ رُفَقَاءَهُ (بالعقوبات الأبدية) وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ السُّكَارَى (الانشغال عن الرعاية والافتقاد ومُصالحة المتخاصمين)، يَأْتِي سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا، فَيُقَطِّعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الْمُرَائِينَ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ." (إنجيلُ مَتَّى 25: 45- 51).
- وسبق أن حذِّر المسيح قساة القلوب من إمساك المغفرة إلى الأبد عن المُخطئين وذلك في الموعظة على الجبل: "فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ."إنجيلُ مَتَّى 6 : 14، 15). قارنها مع الدسقولية تعاليم الرسل أعلاه.
- أما القول بأن الكنيسة لا تأتمن أن تزوِّج طرفاً زانياً لأحد، ولذلك لا تُزوِّج الطرف المُذنب، فهذا انتحال آخر لوظيفة ليست للكنيسة، بل هي وظيفة ومسئولية واختصاص طالب سر الزواج نفسه أو الأهل وذووه، أما العاقبة (أي الدينونة) فعلى هؤلاء وليس على الكنيسة، لأن لا المسيح ولا قوانين الكنيسة أوصت بهذا أن يكون فحص كفاءة طالب الزيجة الثانية من اختصاص الكنيسة.
- أما القول الحديث الذي ملأ الجرائد والفضائيات: بأن الكنيسة تعاقب هذا الطرف المُذنب بالعقوبة الأبدية هنا الآن، بينما يعطيه المسيح المغفرة يوم الدينونة؛ فهذا انقلاب على الوضع الذي وضعه المسيح الديان الوحيد في اليوم الأخير، وانتحال قائل هذا الكلام لنفسه وظيفة "الدياَّن" في هذا الدهر، بينما هو يعطي المسيح – تفضُّلاً منه – وظيفة "المغفرة" في الدهر الآتي!!
- ولتصحيح هذا الادعاء الذي لم يُسمَع به من قبل لا في الكتاب المقدس ولا في حياة الكنيسة وممارساتها ولا في كتابات آباء الكنيسة وقوانين المجامع التي لم تذكر إلا العكس: ففي هذا الدهر، المسيح في الكنيسة يَغفر، لأن هذا الدهر هو زمن المغفرة والخلاص ولا دينونة أبدية الآن على أحد، كما أعلن المسيح: "22لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ...،أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ أَدِينُ أَحَدًا" (إنجيل يوحنا 5: 22؛ 8: 15)، ومن يقدر من البشر - بعد امتناع المسيح عن أن يدين أحداً في هذا الدهر الآن – أن ينتحل لنفسه حق دينونة الخطاة في هذا الدهر الآن؟؟؟ أما في اليوم الأخير، فالمسيح هو أيضاً الديان الوحيد الذي يُعاقب بالعقوبة الأبدية، وقال هذا صراحة: "لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ دَعوا هذا لغَضَبِ الله، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ الانتقامُ، يَقُولُ الرَّبُّ، وأَنَا الذي أُجَازِي»" (رسالة رومية 12: 19- الترجمة العربية الحديثة).
 يا رب ارحمنا من أن ننتقم لأنفسنا في هذا الدهر، لئلا يأتي علينا انتقامك في اليوم الأخير يوم الدينونة الرهيب.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٦ صوت عدد التعليقات: ٦٤ تعليق