بقلم : القمص أثناسيوس چورچ
تستلزم دراسة أهداف وتطبيقات العمل الكنسي المطلوب تحقيقها؛ أن تكون واضحة ومحددة غير غائمة؛ بل مقصدًا واحتياجًا مُلِحًا بإجماع، نركز عليها أبصارنا بإستمرار، على أن تكون أهدافًا ممكنة وفعلية وموافقة لمشيئة الروح القدس وما يقوله للكنائس. فالكثير من الأهداف والروئَ أتلفناها بكثرة التداول والاستهلاك، لتكرارها كمغلفات معلبة من دون أن تتوافر الإرادة والآلية للبدء فيها، بينما إيقاع الزمن وسرعته داعٍ يسبق غيره من الدواعي، إلى جانب ما أحدثته التكنولوجيا من إسقاط الجغرافيا وإلغاء المسافات؛ لكن تبقىَ الحقيقة الإلهية الثابتة ولا يمكن إلغاؤها أو اختزالها وتغييرها .
إن السيمينارات واللقاءات وورش العمل الكنسية، هدفها صياغة الرؤى وتفعيلها وتجميعها وتلاقحها وترتيب أولوياتها وآليات تدبيرها، لتصب في خانة انجماع كل شيء في المسيح يسوع، بوحدانية الروح والبنيان الذي لا يلغي التنوع والتمايز تحت قيادة روح الله القدوس؛ روح المشورة والشركة والمعرفة، التي تفرز بصحو الأساليب والطرق والوسائل التي تجاوزها الزمن، فيحل محلها البديل الجديد المناسب بالجدة لتحقيق غاية خلاص النفوس.
المسألة ليست رفضًا أو قبولاً؛ لكنها تجديد نحو الأفضل؛ تظل وجهته متجهة نحو المجيء وآخر الزمن (الباروسيّا)، فتكون الكنيسة مزينة ومُزدانه ومليئة وجامعة؛ تعمل على الدوام عمل فُلك نوح الحقيقي، التي فيها يجمعنا المسيح نُوحُنا الحقيقي في فُلكه؛ ليضمنا من طوفان تيارات العالم المتصارعة والمتضادة والمفلسة؛ لنكون في مَعِيّته؛ حاضرين ومحميين، إذ لا خلاص ولا نجاة لنا من دونه، قِبالة عاصفة العواصف والأعاصير، فلا يستطيع أحد أن يقول أن الله أبًا له؛ مالم تكن الكنيسة أمه.. ولا يستطيع أحد أن يقول أنه داخل معسكر المسيح إلا إذا كان محتميًا داخل ميناء الذين في العاصف.
هناك أولويات واحتياجات أملتها ضرورات العصر وظروفه، تستلزم معها قيام الكنيسة بدورها كسامري صالح هذا الزمان، الذي يشفي ويضمد ويقوي أعضاءها ويثبتهم، في خضم هذه القرية الكونية الواحدة، التي اكتنفتها أفكار وقِيَم وطرق معاكسة محمولة على أجنحة وسائل الإتصال الإنترنتية؛ والتي لا يمكن أبدًا غض الطرف عنها.
لا يقدر أحد على شوط الحداثة والمعاصرة، إلا المتجذر والمتأصل والمتأسس والمغروس على مجاري المياه عند عمود الحق وقاعدته، بإنفتاح الذهن على الإنجيل والتقديس؛ لأن فهم الإنجيل هو استيعاب للروح القدس ولفيض قوة يوم الخمسين المعبّر عنه بالملء من النعمة، والوصول إلى غاية الحياة المسيحية ورسالة الكنيسة وبشارة الإنجيل المفرحة... نستمع لصوته ونخضع لوصيته، ونعيشها ونتأدب بكلمة الحياة و نتنفسها (أنفاس الله)؛ كما نتنفس الهواء والريح الذكي الذي فينا؛ والذي يؤهلنا للملء فيه كنار عقلية؛ وكلسان نار يستقر ليحرق كل شوائب المنطق السقيم حسب قياسات الناس، ويجعل منطقنا وأهداف حواراتنا إلهية ومقدسة مالئة للكل، كما أن ملء الرأس هو الجسد؛ كذلك ملء الجسد هو الرأس، وهذه هي المفعولية التي بها تتشدد وتتقوي وتتثبت وتنمو الكنيسة وتزداد.
فعندما يقودنا روح الله نبلغ بنعمته كل شيء من غير تفريط أو إفراط، لأن الروح لا يعمل من نفسه؛ لكنه فينا وبنا؛ متخصص في توصيل عمل الآب والابن، من أجل الشهادة والتعليم البنّاء، تلك المفاعيل تظهر ثمارها علانية بصورة فائقة لترسم في أذهاننا صورة وعاء متصل بالمورد العظيم الفياض.. وعاء الكنيسة أفرادًا وجماعات، لأن الأمر حق ونحن ملزمون بالسعي أمام طريق الكمال والخلاص المفتوح أمامنا. ومن هو كفء الأمور ( ٢ كو ٢ : ١٦ )؛ عليه أن يخلُد ويجلس كيما يبحث ويراجع أحواله ومسيرته ليعمل حساب النفقة (أعضاءًا وكنيسة)، وهل عندنا ما يلزمنا لنكمل بناء برج حياتنا وخدمتنا والطموحة أم لا؟! ( لو ١٤ : ٢٨ )؛ في رحلة السعي والركض المستمر نحو بلوغ الهد¬¬ف اللانهائي.. وهنا تكمن تلك المعادلة، التي تبدأ عندما نشعر بضعفنا وتقصيرنا غير مكترثين، وما آلت إليه أحوالنا من قصور؛ واستخفاف أحيانًا كثيرة .
وبروح الدراسة والفهم الجاد ندخل إلى كل عمل مستقبلي، بإنتباه ووعي جديد نصحو إلى إدراك صورة كاملة في قلوبنا وعقولنا، لما يجب أن نكون عليه!! بتحديد ما نحن فيه والمأمول الذي نترجاه، فيستعلن لنا نموذجه الممكن تحقيقه في المسيح، مشابهين المخترع الذي يتصور اختراعه كاملاً في ذهنه الملهم قبل أن يكتمل، ليكون واضحًا وجليًا في مخيلته بكل تفاصيله؛ مع طريقة تنفيذه قبل أن يخرج إلى حيز الوجود.
لكي وبهذا نعمل ونصلي، فيتصور أمر خلاصنا ودعوتنا الأزلية المقدسة، وعند تلك اللحظة نحسّ بالدافع قويًا غيورًا للتقدم إلى ماهو قدام، نحو مانصبُو إليه، ليس كأننا نلنا أو صرنا كاملين لكننا نسعي ( في ٣ : ١٢ ).
فهذا بعينه ما كان يختلج في نفس معلمنا بولس الرسول في خدمته لكي يحضر كل إنسان كاملاً في المسيح يسوع ( كو ١ : ٢٨ )؛ في كل لياقة وترتيب وكل بناء وغرس، لتأسيس خدمة ثابتة للمسيح والإنجيل ويفتح لنا فيه الرب أبوابًا.
إن تهديف سيمينارات وورش وأوراق عمل الكنيسة، تسوقنا إلى تكميل أنفسنا وخدمتنا لبلوغ الأهداف المنشورة، وما هو يسمى ب (حاسة الإكمال)؛ التي بها يجتهد كل من يبني جماعيًا بناءًا على الصخر، فيعمل حسب الطاقة بل وفوق الطاقة؛ بكل حكمة وتبصُّر وحزم، حتى يوفي الفلس الأخير. فمن يكرم الشيء لا يحتقره، كذلك لا يوجد تاج يتركب من جوهرة واحدة؛ بل حسب المثال الكامل الذي للخادم الأعظم الذي خدم لنا الخلاص ونطق قائلاً (قد أُكمِل) ( يو ١٩ : ٣٠ ).