السبت ٧ سبتمبر ٢٠١٣ -
١١:
١١ ص +02:00 EET
مؤمن سلام
ينتابني شعور متزايد أن الشعب المصري أصبح يخاف من الحرية. وهو شعور جعلني أسأل بعض الأصدقاء عنه لعلني أكون مخطئ، وإذا كان شعور صحيح ربما تعرفنا عن سبب هذا الخوف من الحرية التى قد تكون تعبير عن مرض نفسي يجعل الإنسان يحب الشيء ويرغب فيه ولكن في نفس الوقت يخاف من الحصول علية. ولعل من أفضل ما سمعت من أصدقائي هي كلمة صديقي الطبيب د. منير شكرالله الذي قال " كثير من الناس يخافون من النجاح أو من التقدم في وظائفهم حتى لا يكونوا في موقع مسئولية. وكثير من الناس يخافون الحرية لأن ذلك يستتبع مسئوليات جديدة أهمها أن يقرروا لأنفسهم وأن يفكروا
لأنفسهم, ولذلك يفضلون البقاء تحت سيطرة آخرين يفكرون لهم ويقررون لهم ويحددون لهم الخطأ من الصواب، راجع الاستفسارات التافهة والغبية التي يسألها الناس للقيادات الدينية من كل الديانات، وهذا هو المعنى الأعمق لعبارة "كانت": كن جريئا في استخدام عقلك." ولكن يظل السؤال لماذا نخاف الحرية؟ هل هو مجرد الخوف من المسئولية أم أن هناك من أخاف الناس من الحرية وجعلها وحش كاسر قاتل مدمر في أذهان البسطاء؟
في محاولة للإجابة على السؤال وجدت أن على مدى 60 سنة من 1952 وحتى 2012 كان هناك تخويف ومازال من الحرية السياسية. فالحرية السياسية تؤدى إلى الاختلاف، والاختلاف يؤدى إلى التناحر، والتناحر يؤدى إلى التقاتل، والتقاتل يستدعى القوى الخارجية، والقوى الخارجية ستحتل أو تقسم مصر. إذا فالمحصلة النهائية للحرية هي الاحتلال أو التقسيم، وبالطبع من يريد هذا لمصر؟ فلتسقط الحرية ولتحيا مصر. ولأن لا أحد يعمل عقلة لم يفكر أحد في أن الديكتاتورية هي التى تؤدى إلى الاحتلال والتقسيم، فشعور الإنسان بالحرية وانه يستطيع أن يعبر عن رأيه ويمارس العمل السياسي بدون خوف، لا يجعله يلجأ إلى القوى الخارجية للاستقواء بها في مواجهة الديكتاتور، ولا يجعله مع الوقت يلجأ إلى حمل السلاح في وجه المستبد. ولكن للأسف لا أحد يعمل عقلة ومازال الشعب في معظمة يعتقد أن الحرية هي مؤامرة خارجية لتقسيم الوطن.
وليزداد الطين بله، خرجت علينا الأصولية الدينية منذ 40 سنة لتثير حالة من الذعر من الحرية، ولكن هذه المرة ذعر على مستوى أعمق ويشمل جميع أنواع الحريات وليس فقط الحرية السياسية. فأصبحت الحرية مرادف لكل ما هو سلبي ومدمر، فالحرية تعنى الإباحية، حيث يسير الإنسان عاري ويتبادل الناس الزوجات ويتزوج المثليين جنسيا ويمارس الناس الجنس في الشارع، وبالطبع في مجتمع محافظ مثل المجتمع المصري حدثت حالة رفض للحرية، ولتذهب الحرية إلى الجحيم ويبقى الشرف والأخلاق.
وتم الترويج أيضا أن الحرية تساوى الكفر، فحرية العقيدة تعنى أن يعتنق الإنسان ما شاء بدون إكراه أو تخويف وهو ما يعنى في عرف هؤلاء أن الناس سيخرجون من الدين أفواجا، وأن مصر ستصبح دولة ملحدة أو تعبد الشيطان فى بضع سنوات. وأن حرية ممارسة الشعائر تعنى أن مصر سيصبح فيها كنيسة في كل شارع، وأماكن عبادة للبهائيين، وربما معبد بوذي أيضا، وهو ما يخالف الإسلام كما يزعمون، إذاً فلتمت الحرية ويبقى الدين.
وقد أصبحنا نرى الآن فئات تصر على خضوعها للاستبداد وتشرعنه وترفض حريتها بصورة واضحة وصريحة، وأعنى هنا المرأة. فأغلب النساء الآن يوافقن على أن يضربن من أزواجهن، ويؤيدن تعدد الزوجات، ويعتبرن أن مكانهم الطبيعي هو البيت، وأن المرأة لا يجب أن تعمل بالسياسة فهو مجال الرجال، وأن دورها في الحياة هو إمتاع الرجل وإنجاب الأطفال وتربيتهم.
لقد أصبح المصري بفعل هذه الثقافة، التى تم بثها من خلال وسائل الإعلام التابعة لنظم الحكم المستبدة وللجماعات الأصولية، يخاف من الحرية ويخاف أن يعمل عقلة ويقرر لنفسه، ففي السياسة ترك الأمر للزعيم القائد الملهم الذي يعرف كل شيء ويستطيع أن يدير الأمور بحنكه وذكاء، حتى لو تعرضت الدولة للهزيمة والانهيار الاقتصادي والتخلف العلمي والثقافي والاجتماعي، فهو ليس خطأه ولكنها المؤامرة الإمبريالية، وهنا أسأل إذا لم يكن الزعيم القائد قادر على مواجهة المؤامرات الخارجية للنهوض بالوطن فلماذا هو زعيم وقائد؟
أما باقي شئون الحياة فقد تم تسليمها لرجل الدين ليقرر للإنسان تفاصيل حياته الخاصة والعامة، فهو من يحدد له كل شيء في الحياة كيف ومتى وأين يقضي حاجته، ينام، يأكل ويشرب، يعاشر زوجته، يستثمر أمواله، من يحب ومن يكره ومن ينتخب. حتى إذا طالبت أحدهم أن يفكر ويقرر لنفسه رد عليك ومن أنا حتى أقول رأيي؟ علقها في رقبة عالم واطلع سالم.
هكذا إذا، أصبح لدى المصريين حالة خوف من الحرية بفعل الخوف الذي زرعه رجال السياسة والدين في نفوس المواطنين، وبفعل الكسل في إعمال العقل وعدم الرغبة في تحمل تبعات الحرية. ولذا فأول الطريق إلى الديمقراطية والحداثة هو أن يعود المواطن إلى حب الحرية وتقديسها والدفاع عنها ولو بحياته، وان يتعلم أن يفكر لنفسه ويقرر لنفسه.