بقلم : سامح سليمان
ولكن ما الذى جعل المجتمع بمختلف مؤسساته _ ليس فقط فى البلاد الناطقه بالعربيه بل وحتى الغربيه _ بصفه عامه والرجل
بصفه خاصه ينظر إلى المرأه تلك النظره الدونيه ومتى نشأت تلك النظره وهل الوضع الحالى للمرأه هو نفسه ما كان سائداً منذ
نشأة الحياه ؟
يجيبنا عن هذه الأسئله الهامه الأستاذ الدكتور أمام عبد الفتاح فى كتابه القيم أفلاطون والمرأه : أغلب الظن أن تطور وضع
المرأه فى المجتمع منذ البدايات الأولى للحياه البشريه أرتبط بالملكيه الخاصه ، ففى المراحل التى سبقت ظهور الملكيه سادت
الشيوعيه الجنسيه ،
ثم كانت هناك فى مرحله من المراحل عادة تقديم الزوجات إلى الضيوف المعرفه لدى شعوب مختلفه مثل الأسكيمو وعادة
تبادل الزوجات
لكن مع نمو الملكيه الخاصه بدء الرجل يشعر بأهمية عفة الزوجه ونقاء السلاله ، لأنه الأن أصبح يملك ويريد أن يورث ما يملك
لأطفال من صلبه ، فلا بد أذن من المحافظه على الزوجه _ ذلك الوعاء الذى ينتج له النسل _ نقيه بحيث أن لا تدخل الأسره
دماء غريبه ،
وهكذا بدأت تظهر فكرة الحريم وحجب الزوجه عن العيون فلا يراها رجل أخر ، وحتى أذا سارت فى الشارع فلا بد أن تكون
محجبه أو منقبه ومن ثم فرض المجتمع النقاب أو الحجاب على المرأه لأسباب أقتصاديه خالصه منذ فجر التاريخ ، ولقد ظهر
ذلك فى مجتمع الحضارات القديمه فكان عند اليونان منذ عصر هوميروس بل أمتد حتى الأمبراطوريه الرومانيه ، وعند ظهور
المسيحيه ارتدى الحجاب والنقاب ثوباً دينياً ، وأصبح لا يجوز للمرأه المسيحيه أن تسير حاسرة الرأس ، وأذا ظهرت فى الكنيسه
على هذا النحو كان لابد من قص شعرها _ أنظر رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس الأصحاح الحادى عشر _ ويؤكد ذلك
أيضاً ما يرويه التاريخ الأسلامى من أن عمر أبن الخطاب كان يطوف شوارع المدينه فأذا رأى جاريه محجبه أو منقبه ضربها
بالدر ه حتى يسقط الحجاب أو النقاب عن رأسها ،
فالتفرقه هنا أجتماعيه وأقتصاديه _ أنظر لسان العرب لأبن منظور المجلد الخامس طبعة دار المعارف _ والأساس فى هذه
التفرقه هو أن أرتكاب الزوجه لجريمة الزنا يلوث نسل المواطن وبالتالى ينجبون أطفالاً ليسوا من صلبه يرثون ثروته الماديه
والمعنويه ، فى حين أن أثم الزوج لا يؤدى إلى هذه النتيجه ، ومن هنا شددت المجتمعات القديمه كلها على زنا الزوجه حتى
كانت عقوبتها الأعدام أو الرجم حتى الموت ، فى الوقت الذى أباحت فيه للرجل أن يمارس الجنس مع الجوارى والبغايا لأن أبن
الجاريه أو البغى لا يرث وينسب إلى أمه .
إن مؤسسة الأسره قد بنيت على قيم سلطويه عبوديه أحتكاريه غاية فى النفعيه والأستغلال للجانب الأضعف جسدياً وأقتصادياً
ومجتمعياً
ولهذا رأت الأديبه والمفكره سيمون دى بوفوار أهمية تخلص المرأه من التبعيه والخضوع لهذا النظام النفعى الأحتكارى القبلى
العبودى .
سيمون دى بوفوار : مادام أضطهاد المرأه يرجع إلى الرغبه فى تخليد الأسره والمحافظه على الملكيه الخاصه،فإنه بمقدار ما تتحرر
المرأه من الأسره تتحرر من التبعيه فإذا حرم مجتمع ما الملكيه الخاصه،وبالتالى رفض الأسره فإن حظ المرأه يتحسن تحسناًُُ
كبيراً ملحوظاً،وعلى ذلك فإننا نجد فى مدينة أسبرطه التى خضعت لنظام المشايعه فى ملكية الأرض ، أنها كانت المدينه الوحيده
فى اليونان التى تعامل المرأه على قدم المساواه مع الرجل ، وكانت الفتيات يرتدين كما يرتدى الأولاد ولم ينحصر عمل المرأه مع
أعمال زوجها المنزليه ، فهو لم يكن يسمح له بزيارتها إلا خلسه أثناء الليل ، ولم تكن زوجته ملكيه خاصه له ، فقد كان يسمح
لرجل أخر أن يضاجعها
لأسباب تتعلق بتحسين النسل، ومن ثم أختفت فكرة الزنا نفسها عندما أختفت فكرة الميراث ، فجميع الأطفال ينتمون إلى
الدوله ، ولم تعد المرأه يستعبدها سيد واحد بسبب الغيره ، أو قل أن المواطن ما دام لم تعد له ملكيه خاصه ولا ذريه معينه
فإنه لم يعد يملك المرأه .
إن سعى الرجل نحو الزواج وأنجاب الأطفال هو أحدى تجليات الرغبه فى الأنتصار على الموت وأقتناص الخلود بأستمرارية
أنتقال وتوارث جيناته ودوام حفظها وبقائها، وكذلك الأنتساب لأسمه، فالطفل ـ تلقائياً وبالتبعيه وعلى الطريقه القبليه
السائده منذ تحول المجتمع من مجتمع أمومى مشاعى حر غير أحتكارى ألى مجتمع ذكورى أبوى قبلى أقطاعى ـ ينسب إلى أبيه
ويرث عنه أفكاره وقيمه ومعتقداته وديانته _ التى لا يعرف عنها أى شئ _ وأمتلاك السلطه والسياده والألوهيه المتمثله فى
القدره على الصناعه لكائن أخر والأتيان به الى الوجود دون أختيار،وحيازة حق الوصايه عليه وتسخيره والأنتفاع به،والأستمتاع
بممارسة القذف والتقيئ الجسدى والنفسى والفكرى به وفيه وعليه، وتشييئه وتشكيله وأدلجته وأدارة حياته، والتحكم فى
مصيره ومشاعره وأنفعالاته، فالكثير من أرباب الأسر يشعرون بمتعه ولذه فى ممارسة ما يسمى بالتربيه والتأديب و فى تحقير
أطفالهم وفى خوفهم وضعفهم وأنكسارهم، وبلذه أكثر عند التسبب لهم فى الألم والحزن ثم الفرح والبهجه، وأيضاً عندما يخشى
الطفل أباه ويرتعب من عقابه ويرتجى رضاه وعفوه وغفرانه، فيغفر له بعد بكاء وأستعطاف وتوسل وتذلل ليحصد الطاعه
والشكر والعرفان بالجميل، وتتجلى هذه الرغبه بوضوح فى التعريف الدراج المقدس مجتمعياً للزوج وهو رب الأسره ، فكافة
المجتمعات خاصة القبليه منها لديها هوس شديد بصناعة المقدسات وخلق الأرباب .
الأديب الفرنسى البير كامى : ـ اننى ادرك أن المرء لا يستطيع الأستمرار فى العيش مع الأخرين بدون أن يتحكم فيهم،او بدون أن
يخدموه، فكل انسان يحتاج الى العبيد، كما يحتاج الى الهواء النقى،والأمر هو تنفس ـ اتوافقنى ؟ وحتى اشد الناس بؤساً
يستطيعون أن يتنفسوا، وأوطأ رجل فى السلم الأجتماعى يملك زوجه أو ولداً، وإذا لم يكن متزوجاً فإنه يملك كلباً،الأمر المهم بعد
كل ذلك هو أن يكون المرء قادراً على الغضب على شخص ما لا يملك حق الرد " والمرء لا يستطيع أن يرد على كلام والده " . "
رواية : السقطه "
وكذلك المرأه التى لا تعمل يطلق عليها ربة منزل، بينما يتم حرمان المرأه العامله من هذا الشرف والتعظيم!.
والمرأه تتزوج لأن مجتمعاتنا قد روجت لفكره خزعبليه شديدة الضرر وهى حتمية الزواج وقدريته، وخلقت أرتباط شرطى
حتمى بين أرتباطها برجل وحصول كيانها على القيمه،فالمرأه قيمتها مكتسبه وليست ذاتيه، وتعلوا قيمتها بأنجابها فهى مجرد
رحم تختلف قيمته بأختلاف درجه الخصوبه ونوع المنتج،فالمنجبه للذكور أفضل من التى تنجب الأناث. ولكى تنطلى هذة
الخدعه تم ربط الزواج والأنجاب بالعديد من الطقوس المبهجه كأطلاق الزغاريد وتلقى التهانى،والكرنفال الهزلى المدعوا "
السبوع"، وتخصيص يوم كعيد للأم، والتأكيد المكثف على المكافأه التى ستحصل عليها بعد وفاتها، وتحقير من لم تتزوج ونعتها
بالعانس، وتأويل المؤسسات الدينيه للعديد من النصوص لخدمه هذة الفكرة التى ظاهرها الرحمه وباطنها العذاب، والتى
تهدف لأختزال المرأه لكائن قد وجد لخدمة الرجل وأمتاعه، ووعاء لأفراغ شهوته وأستثمار منيه، وتقزيمها وحرمانها من القوه
الفكريه والنفسيه والأقتصاديه التى تمكنها من أدارة حياتها والأستقلال وأقتناص المساواه والنديه مع الرجل، وحرمانه من
مركزيته كسيد وأله يملك أمكانية تقرير مصيرها.وأيضاً تتزوج لتأكيد وتفعيل أنوثتها ولترضى وتشبع غريزة الأمومه لديها،
ولتمتلك أطفالها وتقذف عليهم كل ما تم قذفه عليها من تسلط وغبن وتشيئ وتحقير ونقائص وعورات فكريه ونفسيه،
وتسيطر عليهم بأسم الرعايه والتفانى، والحمايه والخوف على المصلحه ولتلبية أحتياجاتها الجنسيه المكبوته والمقموعه فى أطار
أعطاه المجتمع التفرد بالصواب والشرعيه والقدسيه، يحميها من التشهير والقتل فى حالة خروجها عن الأطار (الهزلى ) المعترف به
وعدم أمتلاكها لختم الجوده الأخلاقيه الموجود بين فخذيها كما يعتقد الجهلاء والمتنطعين من مراقبى وحراس النصف السفلى
للبشريه،وأصحاب العقول الخربه الصدئه من معتنقى التوجهات الثقافيه والأيدلوجيات الأخلاقيه الفاشله المدمره
ولقد وضعت الكاتبه المميزه رندا قسيس شرح وافى لوضع المرأه فى بلداننا الذكوريه القمعيه مع بعض النصائح الهامه التى يجب
على المرأه اتباعها حتى تظفر بحريتها :لا شك في أن المجتمع الأبوي استطاع تحويل المرأة من انسان إلى عبد يهلل لجلاده، لا بل
أكثر من ذلك جعلها عدوة لجسدها و لبنات جنسها،فنلاحظ ان النساء اللواتي تدافعن للحصول على حقوقهن، يتحاربن من أفراد
جنسهن بشدة.
دعونا في البدء نبحث عن معنى المساواة،لنجدها تعبر عن مساواة في الحقوق والواجبات في المواطنة،الوظائف و الحقوق
المدنية،وهنا تكمن المشكلة، فكما نعلم ان العبد عاجز عن اعطاء ما يفتقده، أي ان المطالبة و الشكوى المستمرة لن تجدي نفعاً
مع مجتمع ذكوري قائم في حد ذاته على اساس التمييز بين أفراده،ووسط هذه "الأنا" المشوه ، تضيع صرخات المرأة، لتصبح
عاكسة لتشوهات ذكورية، فنراها تحافظ على عذريتها طمعاً بحنين و مديح ذكوري، فتقدمه في لحظة عاطفية، لفارس أحلامها و
كأنها قدمت طبقاً من ماس، تختزل نفسها في عضو تناسلي، ليصبح عضوها التناسلي أساساً جوهرياً لكيانها، لا بل أكثر من ذلك،
لا تتباطأ في الهجوم على كل من يحاول مساعدتها، لهذا علينا التوقف قليلاً، لنجد أن الدور السلبي الذي تلعبه المرأة في
استعبادها، هو سبب أساسي لاستمرار هذه العبودية.
ينظر المجتمع من منظار عاطفي منافق إلى المرأة على انها كائن لا يلائمه العمل و الجهد، فهي لا تستطيع تحمل المشقات و
الأتعاب، وعليها المكوث داخل المنزل (معززة مكرمة)،أو بالأصح ذليلة خاضعة لقوة فحلها الذكورية العاجزة عن اعطائها جميع
اللذات، إذاً نجد أن التمييز الذكوري يرتدي ثوباً رقيقاً من خلال التلاعب في المفردات و الأخلاق، فالأخلاق ترتكز و خصوصاً في
البلدان الدينية على مبدأ ذكوري يصب في مصلحتهم الشخصية...،أعود إلى نساء البلدان الذكورية و التي يتوجب عليها المثابرة
على تغيير المفاهيم الثقافية، الأخلاقية و الدينية، أي انه لا يكفي أن تتمكن المرأة من أن تحول عملها إلى عمل انتاجي في هذه
المجتمعات، بل عليها أن تقوم بعملية استقلالية كاملة عن الرجل و ذلك من خلال استقلالية مادية و سكنية، مع التخلي عن
فكرة ضرورة وجود الرجل إلى جانبها، أي التحرر منه عاطفياً...، لهذا أجد انه من الضروري استخدام العضو التناسلي الأنثوي
كسلاح أمام الاستبداد الذكوري، فلو قررت النساء اتخاذ اسهل الحلول السلمية من خلال الاضراب عن الارتباط و الانجاب،
سيتوقف المجتمع عن التكاثر حتى اشعاراً آخر.
لكن ما الذى يمكننا من اعادة ثقة المرأة لجسدها، و تكريس مبدأ قوة العضو التناسلي الأنثوي ليكون أداة تحرير و ليس رمزا
للعبودية ؟
أعتقد أن الامر يقع على عاتق المنظمات النسائية في عملية التوجيه، و بالأخص على النساء العاملات في هذا الحقل أو ذوات
المناصب الرفيعة الحكومية، و القضاء على المفاهيم الذكورية المرتكزة على أساس الحكم الأبوي من خلال الاعلام، السينما،
الكتب... فعندما تتخلص المرأة من (كابوسها الوردي) وهو السعي وراء العثور على زوج، لتحقيق أحلامها و طموحاتها، و عندما
تكف عن اعتباره هدفاً أساسياً في الحياة، عندئذ نستطيع أن نقول أن عملية التغيير قد بدأت، فالحياة لا تتلخص بإرتباط
عاطفي، أو أسروي، بل هي أعمق من جميع الارتباطات العاطفية، الاجتماعية و أقوى من جميع الصيغ المستخدمة للجماعة
كالأمان مثلاً، فهي حصيلة خبرات، آلام و سفر في الثقافات... لاستكشاف الذات الحية و التغلغل في صورها العقلية في كل مكان
لمحاولة إعادة صياغتها من جديد.
أعتقد أن للحرية ثمن، و لا بد للنساء من دفعه و هو الكف عن الأحلام الوردية،التنازل أيضاَ عن بعض المكتسبات السطحية
الضئيلة و التوقف عن تتويج غشائها العذري، فالمرأة لا تحتاج إلى أي معونات كي تحصل على حريتها، فحريتها و حقوقها لا
تؤخذ إلا من خلال ثورة في الفكر و لهذا أجد أن عليها في البدء التخلص من الخوف القابع في أعماق نفسها و استخراج قوتها
الدفينة، لتتخلص من عبوديتها ، و الكف عن توطيد شعور المنافسة بينها و بين بنات جنسها لإسترضاء الذكر، بل عليها أولاً
الاتحاد معهن لإعلان اعتصام عام ضد القوانين و الأحكام الاجتماعية التي تكبلها و تقيدها لتحرمها من كيانها . ( نحو يوم
وطنى : موقع الحوار المتمدن