لماذا إحترقت كنائس مصر
Oliver بقلم
هذا المقال روحي بحت. طويل قليلاً لكن تحملني و إستكمله.
أن تحترق و تدمر أكثر من 83 كنيسة في يوم واحد دون أن نتوقف و نتأمل ماذا يحدث فهذه قساوة قلب لا تليق بالإنسان المسيحي.و أن يمر وقت طويل دون أن نتطرق إلي هذا الحدث الجلل فهذا يؤكد أنه يوجد شيء ما خطأ و خطير في الكنيسة علي مستوي عام..
من المهم أن نتعمق هنا لندرك ماذا يقصد بنا الله من هذا الحدث.فالأسباب السياسية لحرق الكنائس معروفة و لكن ما هي الأسباب الأهم أي الأسباب الإلهية ؟ ما هو غرض الله من السماح بهذه التجربة المؤلمة؟ تري لماذا يسمح الله بتدمير بيته؟ لن نفهم الأمر سوي بأن نتتبع حوادث شبيهة في الكتاب المقدس.فالله هو هو أمساً و اليوم و إلي الأبد.
البيت الأول بيت النجاة و الحياة:
كان المؤمنون في بداية الخليقة فرادي لا تجمعهم حياة مشتركة.و كانت شريعة الله مكتوبة في قلوبهم و ليست خارجهم.ثم لما إنتشر الشر و قرر الله إفناء الإنسان عدا نوح البار و أسرته .أمر ببناء أول مبني ضخم عرفته البشرية.و كان الفلك هو أول شكل رمزي للكنيسة و للحياة مع الله. و برغم الطوفان و آثاره إلا أن الفلك لم يتهدم و لم يندثر بل تم العثور عليه علي جبل أرارات تركيا بعد أكثر من 4000 سنة.لقد قرر الله أن يحفظه لأن فيه قدم نوح ذبائح لله فهو بيت الله كما أنه بيت الأبرار الثمانية الذين بقيوا من الجنس البشري.في وقت كان الموت فيه من الخارج يحيطهم من كل الإتجاهات و رغم هذا بقيوا ناجيين و بقي بناء الله صامداً.كان الثمانية يعرفون أن حياتهم و بقاؤهم متوقف علي وجودهم في هذا الفلك لعل هذا الإيمان يكون تفسيراً للمعضلة الكبري و هي كيف يسمح الله بتهدم هذه الكنائس دفعة واحدة؟
كنيسة بلا حدود
كانت أول جماعة مؤمنين علي وجه الأرض بقيادة موسي النبي و هارون الكاهن.كان الرب في وسطهم.يقودهم من دون حاجة إلي مبني .كان عمود السحاب أمامهم بالنهار يؤكد حضور الله وسط شعبه.و عمود النار ليلاً يؤكد نفس الحضور الإلهي.كانت البرية هي المسكن الذي فيه الرب يحضر.و كأن العمود الإلهي كأنه مذبح سمائي عليه يتراءي الله.و كان إمتداد الشعب هو الحد البشري لمسكن الله أو حضور الله وسط شعبه.لم يكن هناك مبني و لا حوائط.لم يكن هناك ما يهدمه الشر.كانت كنيسة بلا حدود فلم تتعرض أبداً لتخريب الشر.
كانت ثمار الخبرة الروحية في أول كنيسة في العهد القديم عجيبة.خبرة التعامل مع الرب مباشرة .الشبع فيها لا يأتي من الأرض. المن و السلوي لم يكونا من نتاج البرية. و بقاء ثيابهم لا تبلي طوال أربعين سنة بل تنمو مع أجسادهم .كانت معجزة و خبرة شخصية عاشها الطفل و الشيخ.الرجل و المرأة.عاشها الجميع .كانت المياه المرة تتحول إلي حلاوة.كان الرب يتراءي و يتعامل مباشرة مع كل إنسان من موسي النبي حتي أصغر طفل في شعب الرب .
البيت الثاني بيت العبادة و الشريعة:
ثم بعد أن أعطي الرب الشريعة للإنسان بواسطة موسي النبي كان لابد من الفصل بين ما هو مقدس و ما هو غير مقدس لذلك أمر الرب بإنشاء خيمة الإجتماع لكي تكون موضعاً مقدساً .و لا سيما بعد أن أصبح هناك كهنوت هرون الذي يتولي قيادة عبادة الله.
أعطي الرب لموسي النبي مقاييس و تعليمات محددة ليقيم خيمة الإجتماع كأول مسكن للرب و كانت تسمي المشكن أي المسكن.إنتقل الناس إذن إلي مرحلة التلاقي مع الله في مكان بعد أن كان التلاقي في كل مكان في خيمة الإجتماع كان هناك التلاقي بين المكان و اللامكان.بين الزمن و الأبدية فحضور الله يضفي بعداً أبدياً للوجود الزمني.و بعداً سماوياً للوجود الأرضي.و بعداً روحياً للوجود المادي.هنا تتلاقي الأبعاد حين يتلاقي الله مع الإنسان.هذا ما وصفه بولس الرسول قائلاً لكي تدركوا مع كافة القديسين ما هو الطول و العرض و العلو و العمق.
البيت الثالث بيت القداسة و العظمة الإلهية :
كان فلك نوح هو أول بناء أمر الرب به و أوصي بمقاييسه و تفاصيله كان ذلك قبل حوالي 1500 سنة من بناء خيمة الإجتماع. ثم بعدها ظلت الخيمة حوالي 500 سنة المبني الثاني الذي أوصي الرب ببناءه و حدد تصميماته.ثم بموافقة إلهية تم بناء هيكل الرب ايام سليمان الحكيم بنفس تصميمات خيمة الإجتماع و سمي بإسمه هيكل سليمان.و تم حفظ الخيمة في أحد أروقة الهيكل .ثم بعدها بأكثر من 500 سنة هاجم نبوخذ نصر أورشليم و هدم هيكلها و إختفت الخيمة.فما بقيت الخيمة ولا الهيكل.
كان هدم هيكل سليمان(بالعبرية حوربان) هو أول مرة يتجاسر إنسان و يهدم بيت الرب فلماذا سمح بذلك؟
1-لأن الكهنة إنشغلوا عن العبادة الحقة و طافوا في المرتفعات يرفعون ذبائح غريبة.2مل 22 و 23
2- لأن الشعب ضل :لذا سمح لنا كحسب خطايانا كما هو مكتوب:" من دفع يعقوب إلى السلب وإسرائيل إلى الناهبين؟! أليس الرب الذي أخطأنا إليه، ولم يشاءوا أن يسلكوا في طرقه ولم يسمعوا لشريعته، فسكب عليه حمو غضبه" (أش 24:42،214:11
3- الأكثر خطراً أن أحداً لم يصدق تحذيرات الرب و لا صدق أنه يسلك ضد الرب حتي تمت المأساة و تهدمت المدينة المقدسة ثم الهيكل المقدس و صاروا كلهم اسري لنبوخذ نصر في بابل.هذا نفس ما حدث للشعب قبل الطوفان.
البيت الرابع بيت المخافة و المجد :
بقي بيت الرب خراباً حوالي ستون سنة.ثم بدأ وضع حجر الأساس و أكتفي الشعب بالإحتفال بوضع حجر الأساس ثم بقي هذا الحجر شاهداً علي تراخي الشعب في بناء بيت الرب لمدة ستة عشر سنة مليئة بأعذار متعددة كاذبة منها الفقر و الخوف بينما كانوا منشغلون ببناء بيوتهم المطرزة..لكن بلهيب الروح القدس و بمؤازرة إلهية و توبيخ من الرب علي فم حجي النبي بدأ البناء من جديد.
كان العجيب أن بناء بيت الرب بدأ بخوف من الله.فهل عاد إلينا الخوف المقدس أم سنبقي هكذا في ميوعة روحية.حجي 12:1
و رغم تواضع بيت الرب الجديد إلا أنه من العجيب أن يقول عنه أن مجد البيت الثاني أعظم من الأول لأن الرب لا يبهره المنظر الخارجي فالبيت الثاني سيحل فيه المسيح شخصياً لأنه الكنيسة.
فهل بقي البيت؟ لا لم يصمد طويلاً بل تهدم بعدها علي يد أنطيوخس الرابع اليوناني سنة 170 ق م.لماذا تهدم الهيكل الثاني؟
1-كان لابد أن يحدث الزلزال أي الصدام بين العالم و بين المؤمنين و ينهدم البيت تمهيداً للبيت الحقيقي أي يسوع المسيح في الجسد.مشتهي كل الأمم
2- كان الفساد قد إستشري بين الكهنة و كانت الخطايا ترتكب في بيت الله كما في خارجه.(ملاخي النبي)إحتقروا مائدة الرب و ما أشبه اليوم بالبارحة.
3-إندمج اليهود في سلوك الغرباء و تزاوجوا منهم.و ضاعت سمة أولاد الله. حتي أنه قال عنهم أتعبتم الرب بكلامكم؟ ملا2: 17 .لأنهم برروا شرورهم الكثيرة و إدعوا أن الرب يرضي بها.هي المرةالوحيدة في الكتاب المقدس التي نسمع فيها أن البشر أتعب الرب.
البيت الخامس بيت الصلاة.
بدأ بناء الهيكل مجدداً علي يد هيرودس الملك و أنفق عليه ستة و أربعين سنة من عمره و عمر الشعب.ثم بعد أن أنتهي من بناءه تحول إلي بيت تجارة؟؟؟إلي مغارة لصوص؟ و نزع عنه الرب صفته و دعاه بيتكم قائلاً هوذا بيتكم يترك لكم خراباً لو13 : 31-35 .و ما أسوأه مصير؟ تحقق بيد تيطس الملك الروماني عام 70 ميلادية.
و الآن تعالوا نتفهم لماذا هدمت الكنائس في مصر؟
- من السرد التاريخي السابق نري أنه لم يحدث أن كان هدم بيت الرب في أي عصر علامة علي رضاه.دائماً يكون السبب هو عدم رضا الله علي شعبه.
- لم يسمح الرب بهدم بيته إلا بواسطة أعداء لشعبه.ثم بعد أن يتوب الشعب يستدير سيف الرب لينتقم لشعبه و يعيد هيبة إسمه بينهم.لذلك لا ننشغل الآن بمن هدم الكنائس بل لماذا تهدمت الكنائس.
- قد يقول قائل أن الكنيسة ستستعيد مبانيها و أنا أتفق معه لكن هل هذا يمنع أن نفكر لماذا سمح الرب بهدمها هكذا؟ الفكرة ليست في بناء كنائس بديلة السؤال الأخطر هو لماذا تهدمت هكذا و دفعة واحدة في كل القطر المصري؟ هل كان الرب يعجز عن إعادة بناءها علي طراز أفضل دون أن يسمح بأن تهدم و تخرب و تنهب و تحرق؟ أليس سماحه يحمل لنا رسالة ملخصها أن الرب غاضب من شعبه.لا أقول غاضب علي شعبه بل منهم.لأن ذبيحة الصليب تمنع غضب الرب علينا و لا تمنع أن يغضب الرب منا.
- أنا أري أن كل واحد منا قد ساهم بقدر ما في هدم هذه الكنائس.كل واحد منا كان يمسك حجراً ليرجمها.نحن لسنا الضحايا في هذا الحادث بل نحن الجناة.لقد سبقنا المخربون و أحرقنا كنائسنا من الداخل.أحرقناها بخصومات و تحزبات.أحرقناها بأنواع تجارة و أنشطة مفسدة.أحرقناها بإحتقار مائدة الرب و جعلنا الإهتمام بالمقدسات آخر ما نفكر فيه.و أصبحنا منشغلون بالأكثر ببناء الحوائط و نتباكي علي ترميمها دون أن نتباكي علي ترميم محبتنا للرب التي تهاوت من الضعف.
- كم من الشعب خارج الكنيسة؟ خارج محبتها و إهتمامها؟أقول أنه حتي الله أحياناً يكون واحد من هؤلاء المطرودين من الكنيسة.إحتقار الأصاغر يطرده.القسوة في الكنيسة تطرده.الأنانية و المجاملات و النفاق يطرده.يتحول الداخل إلي قبور بدلاً من أن يكون في الداخل حياة.
- بينما كنا نصيح كيف يهينون رمز الكنيسة و كيف إعتدوا علي الكاتدرائية نجد أنفسنا الآن واقفون كأنما نحن متهللون بهدم كنائسنا نظير تأييد السلطة و الثورة. هان علينا بيت الرب لأنه ليس الكاتدرائية؟ هل هذا سلوك مسيحي؟كيف نوافق عليه؟لا نحن متضررون جداً.نحميا توجع قائلاً هلم نبني سور أورشليم و لا نكون بعد عاراً و نحن فقدنا السور و البناء كله و لا نشعر بالعار بعد؟ المسيح غاضب غاضب غاضب.الإله لا يترك بيته خراباً لأنه سعيد بنا.
-إن لم تكن هذه المأساة كفيلة بإعادة النظر في كل ما نفعله في الكنيسة فلا منفعة إذن من مباني جديدة و سلوكيات قديمة.
- قبل أن نضع حجراً جديداً تعالوا نعود إلي الأساس الذي إبتعدنا عنه الذي عليه ينبني بيت الرب.شخص المسيح و محبة المسيح و محبتنا بعضنا لبعض.اي بناء آخر سيؤول للزوال.
لنكف عن الإفتخار بالحوائط.كما نفعل في حفلاتنا و أفراحنا بل و مآتمنا.لنفتخر بالرب الذي غفر و خلص و ستر الجنس البشري.
تعالوا نكف عن الجريمة التي نمارسها في تباهي عند تقييم خدمات الكهنة و الأساقفة فنفتخر بالكم و بعدد الكنائس التي بنوها و فخامة و إتساع الأبنية .ها هي كلها تهدمت بماذا ستفتخرون اليوم؟بماذا ستمتدحونهم اليوم؟متي يكون فخر الكهنوت هو توبة التائبين و الرحمة بالضعفاء و مصالحة الجميع مع المسيح.
هي فرصة لنعود إلي بساطة الحياة مع المسيح .أنظروا كم هي بسيطة أديرة آباءنا القدامي ندخلها فنخشع و نشعر برهبة اللقاء مع الله.بينما لما ندخل الكنائس المطرزة نبقي منبهرين بجمالها و إتساعها دون أن نشعر برهبة و خشوع قدام الرب..
توبتنا أهم من إعادة بناء الكنائس.الوقت وقت لنتذلل و ننطرح تحت يد الرب المخلصة و نقول له أخطأنا و أثمنا تجاسرنا و أجرمنا في حقك.الخيانة منا و أنت أنت هو المحب برغم كل معاصينا.تعالوا نبكت أنفسنا.نقرع صدورنا.لكي يعبر عنا غضب الرب.
إليك أصرخ
ها قد صرنا في مذلة.دسنا مقدسك قبل أن يدوسه الأعداء.نحن أفسدنا هيكلك.نحن أجرمنا و تعدينا و أثمنا.أنت لم تقصر أبداً.نبهتنا فلم ننتبه.كلمتنا فلم نسمع.قلت تعالوا فأدرنا عنك وجوهنا.وقفنا في ساحات مقدسك نتفاخر بالفاني و الزائل و نسيناك.نعم تجاسرنا علي هيبتك.نعم فقدنا رهبة مقدسك.نعم تسلل الغرباء في إرثنا.اللصوص دخلوا لا لكي يتوبوا بل لكي ينتشر النهب و الظلم و نحن في غفلة.
بروقك ومضت في السماء فلم نتب.أعطيت صوتاً و لم نرجع.صرنا مبشرين في الهواء.و تركنا عملك الحي علي الأرض.أصبحنا نعلم كالفريسيين و نتصرف كالعشارين و القلب تقسي و لم يعد يرحم.
صار الخراب في المقدس لأننا لم نعد نرحم.نتخاصم في بيتك و نرفع ذبيحة ثم نتساءل لماذا لم تسمع.لأننا مكشوفون بأكاذيبنا إنهزمنا.لأننا منتفخون كالفقاعات فشلنا.بعد أن كللتنا بالمجد كللناك بالعار.أَهَنَا إسمك القدوس فتجاسر عليك المقتحمون.سخروا منا لأننا لم نلتجأ إليك من كل القلب.تشجعوا علينا لأننا تركنا طريقك.داسوا مقادسك لأننا سبقناهم و دسناها و لم نتب.
إلي اليوم.إلي اليوم لا نفهم .لا ننتبه.إلي اليوم نمضي كأن لا شيء قد حدث.كأننا لم نهينك و لم ندنس بيتك.كأننا لسنا مذنبين مع أننا مجرمون.إلي اليوم نتهاون و لا نفيق.نثمل من الشر و نترنح كالذاهبين إلي المقصلة.
أشفق يا رب أشفق.إرحم و إغفر.لأنه لهذا الشعب قد كتبت البركة.لأنه لهذا الشعب قد قدست مذبحاً.أنت تكفي لغفران كل الخطايا لذلك أرجوك.في دمك إغسل النجس و الأثيم.في محبتك إفتح عيون هذا الشعب و إجذبه وراءك.في غفرانك إجعل لنا فرصة جديدة.أنت تصفح لنا ذنب مذابحك المهجورة.أنت تغفر لنا أسوارك المتهدمة.أنت تزيل عنا العار بصليبك.
هدموا كنائسك فإصنع لنا غيرها في القلب.ليكن القلب مذبحك.و الشفاه بخور.و اليدين أعمالاً ترضيك.لنكن نحن شركاء الذبيحة بالقلوب المنكسرة.فلنحن رؤوسنا أمامك كالمستعدين للذبح.و نقرع صدورنا أمامك كالنائح علي وحيده.حتي تتراءف و تعود .حتي ترضي.لأنه في رضاك حياة,.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع