بقلم: علي سالم | الثلاثاء ١٠ سبتمبر ٢٠١٣ -
٤٠:
٠١ م +02:00 EET
أصدرت وزارة الداخلية القرار وتابعت تنفيذه بصرامة: ممنوع إلقاء الزبالة في الشارع. اسمح لي قبل أن أواصل حكايتي أن أشير إلى الزبالة بهاء التأنيث أو «ها»، فمن المجافي للذوق العام أن أذكر اسمها كثيرا. وعلى الرغم من القرار فإنها وجدت وتراكمت أكثر وأكثر، وهنا كان لا بد من خدمة سرية يقظة تراقب الشوارع والحواري وتقبض على من يلقيها. وجاءت النتيجة مفزعة: لا أحد يلقيها، هي تتكاثر كالفطر، هي ذاتية التكاثر كخلايا السرطان. بدأت تحيط بمدخل البيت، ثم أخذت طريقها صاعدة على السلالم. لا أحد من السكان اهتم بذلك، فقد كنا جميعا نستخدم الأسانسير، غير أنها تجمعت أمام أبواب الأسانسير في كل الأدوار فعجزنا عن دخوله، فأرسلنا جميعا نطلب إجازات عارضة على أمل أن نتعاون في إزالتها. رفض السكان إزالتها وصاح بعضهم: «أمال إحنا انتخبنا الدكتور مرسي ليه؟.. عشان يشغلنا زبالين؟».
ومع ذلك فقد استطعت أن ألمح رنة ارتياح في كلماتهم وسلوكهم، لأن الزبالة لم تكن موجودة في شققهم. مشكلتنا كانت أهون بكثير من مشكلة الكابتن الطيار لمعي السلكاوي، قائد الطائرة المتجهة إلى نيويورك الذي فوجئ بها تسد الممر، غير أنه استطاع بيقظته أن يتوقف قبلها بعدة سنتيمترات. نزل من الطائرة ساخطا، وذهب إلى الإدارة فقالوا له إن هذه المشكلة بدأت منذ أيام، ولذلك قاموا باستدعاء خبير ممرات عالمي ما زال يدرس المشكلة حتى الآن. تولى الركاب حل المشكلة، أحضرت لهم الإدارة عددا من الجواريف وأدوات النظافة، فقاموا بتنظيف الممر، وكانوا جميعا سعداء بذلك بعد أن اكتشفوا أن ركاب الدرجة الأولى اشتركوا معهم في عملية النظافة. انطلقت الطائرة متأخرة أربع ساعات. شعر الطيار بالدهشة عندما كان ينظر من مرآة الطائرة الخلفية. لقد عادت نفس الأكوام إلى نفس أماكنها على الممر. التغيير الوحيد الذي قامت به شركة الطيران هو أنها كانت تصرف لكل راكب مقشة وجاروفا وجردلا بشرط أن يعيدها جميعا إلى مكتب الشركة في مطار الوصول.
بعد زيارتين سريعتين لتركيا ودبي تأكدت أن القاهرة تستحق بالفعل لقب أكثر العواصم قذارة في الشرق الأوسط القديم. لم أسكت.. طرت إلى بعض العواصم الأوروبية وقابلت بعض العلماء المتخصصين في نظافة الإنسان. تمكنت من إقناعهم بأن يرسلوا معي وفدا لدراسة المشكلة. بعد أسبوعين فقط وضعوا تقريرهم بعد تجارب عديدة وأبحاث مستفيضة. البشر هم مصدرها. هي ترقد بداخل البشر على هيئة تفكير سلبي. هي أفكار قديمة تعفنت بداخلهم ثم تحولت إلى طاقة قادرة على الخروج من أعماقهم لتتجسد في عالمهم الخارجي وتحيله إلى قبح عام.
كل منا يحمل بداخله كمية من الأفكار الزبالية يعجز عن استيعابها فتخرج منه لتتجسد حولنا بطريقة ما زالت تحير كثيرا من العلماء.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع