الاثنين ٢٣ سبتمبر ٢٠١٣ -
٤٦:
٠٨ ص +02:00 EET
بقلم: شريف إسماعيل
"لو عزلتوني أمريكا مش هتسيبكم"، كانت هذه العبارة آخر تهديدات الرئيس المخلوع محمد مرسي للفريق السيسي. وقد استوقفتني هذه العبارة كثيرا وتساءلت: لماذا تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم مطالبة إسرائيل بإخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية ومن أين جاء مرسي بكل هذه الثقة والرهان على دعم واشنطن له.
اعتقد أن بداية الإجابة علي هذا السؤال، تقودنا الي عام ١٩٨٣ عندما عرضت منظمة الايباك الأمريكية دراسة للباحث البريطاني اليهودي " برنارد لويس" تحت اسم „Blood borders“، تستعرض خلالها خطة للسيطرة علي العالم العربي، وتضمن أمن دولة إسرائيل ،ووافق الكونجرس بالإجماع علي توصيات الدراسة، و كلف مراكز الأبحاث لدراسة كيفية تطبيقها و دخولها الي حيز التنفيذ. وقد بني لويس دراسته علي أساس تقسيم الدول العربية و الإسلامية الي دويلات علي أساس ديني و مذهبي و طائفي ، وهو بالتأكيد يصب في صالح الدولة العبرية سواء بسبب تقسيم العالم العربي لكيانات صغيرة أو بسبب إيجاد الذريعة و المبرر لإعلان الدولة اليهودية.
و بدأت مراكز الأبحاث تعمل علي تطوير الفكرة و بحث أنسب الطرق لتنفيذها. حتى تبلورت نظرية تبادل الأراضي في إطار حل القضية الفلسطينية كخطوة لاختبار النوايا و إمكانية الإعلان عن الدولة اليهودية كمدخل لفرض تصورات جديدة لخريطة الشرق الأوسط تحت واعز و حجة حماية حقوق الأقليات و نشر الديمقراطية.
وخرج علينا معهد بيجن السادات في فبراير٢٠١٠ بمقترح "نظرية الحلول الغير تقليدية "لحل القضية الفلسطينية، و بموجبة يتم تنازل مصر علي مساحة من أرضها لصالح غزة وفى المقابل تحصل مصر علي جزء من الأراضي في صحراء النقب و بعض المزايا الاقتصادية وتحصل إسرائيل علي مساحة من الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية ، تسمح لها بإعلان الدولة اليهودية ، بعد ترحيل مليون و أربعمائة ألف فلسطيني من عرب ٤٨ إلى خارج الدولة المزعومة.
ورفضت مصر الفكرة، ولكن استمرت المحاولات و الضغوط على مصر من مختلف الجبهات بما فيها قضية مياه النيل و تأزم موقف دول المنبع.
وبعد ثورة يناير والظهور القوى لجماعة الإخوان المسلمين ، بدأت الاتصالات بين الجماعة و الإخوان تدخل طور أشمل وفاعل بالنسبة للطرفين، فالأخوان يسعون لدعم أمريكي يمكنهم من الوصول للحكم و الإدارة الأمريكية تبحث عن ثمن هذا الدعم و استثمار ماقدمتة من راعية سابقة للجماعة ،التي بدأت في عهد الرئيس بوش في ٢٠٠٥ مع الإعلان عن السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. ووضح تماما أن الفكرة قد اختمرت واكتملت أركانها في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش ، و بدأت أول لقاءات جماعة الاخوان المسلمين السرية مع الإدارة الأمريكية بجنيف في منتصف مارس ٢٠٠٥ وشارك فيها عن الاخوان قيادي الحركة عصام الحداد و عصام العريان ، ثم انضم لاحقا للقاءات خيرت الشاطر. وجدير بالذكر أن الدكتور سعد الدين إبراهيم ، هو من توسط لإتمام اللقاء الأول، مقنعا الإدارة إن جماعة الاخوان قوة سياسية معتدلة و لها شعبية كبيرة و تمثل الإسلام المعتدل ومن المهم الالتقاء بها والاستماع لها، لاسيما وان الإسلام السياسي واقع لابد لواشنطن التعامل معه وعدم تجاهله، نظرا لقوة النزعة الدينية لدي الشعوب العربية.
وبدأت الاتصالات بين الإخوان تؤتي بثمارها، وتحولت إلي تحالف وتنسيق عملى، وبدأت واشنطن التمهيد للحركة لدخول الانتخابات النيابية ٢٠٠٥ تمكنت بضغوط الإدارة علي مبارك من تمكين الجماعة للحصول علي ٨٨ مقعد ، وتوالت اللقاءات وبشكل علني وبصفة رسمية سواء داخل السفارة الأمريكية أوبواشنطن وبدأت الحركة تأخذ وضع وشكل سياسي معارض ولكن بحسابات البيت الأبيض ووفق مطالب الإدارة من مبارك ، لاسيما و قد خرجت وزيرة الخارجية الأمريكية "كونتاليزا رايس" في ٢٠٠٥/٤/٩ بتصريح "لواشنطن بوست"، أشارت فيه إلى توجه سياسة الإدارة لنشر الديمقراطية في العالم العربي والتدخل لحماية حقوق المرأة و الأقليات وتشكيل ما أسمته الشرق الأوسط الجديد ، مؤكدة علي ان أمريكا ستعمل علي نشر نظرية الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط لنشر الديمقراطية و الحرية في هذه الدول.
وتبنت في حينه مراكز صنع القرار والتي تعمل كمستشار للإدارة الأمريكية البدء في أعداد الخطط اللازمة لتنفيذ المخطط الأمريكي و بدأت الإدارة في تفعيل عمل منظمات العمل المدني بمصر و افتتحت المعهد الجمهوري الأمريكي والمعهد الديمقراطي الأمريكي بالبلاد دون الحصول علي التصاريح اللازمة. وبوقاحة شديدة بدأ المنظمتين ممارسة نشاطهما ،بجانب بعض المراكز الأخري "كبيت الحرية" و "مؤسسة فريدريش" و "يد بيد" و "فريدم هاوس واتش" وغيرهم ،بجانب بعض المنظمات المصرية و التي كانت تحصل علي تمويل من السفارة الأمريكية و بعض دول الاتحاد الأوربي سواء لإعداد برامج تدريبية أو لحماية حقوق الأقليات أو الحفاظ علي الهوية و التراث النوبي و البدوي. وكانت تلك البرامج مدخلا لسفر العديد من الشباب الي الولايات المتحدة و كوسوفو و الأردن وقطر/وتم تمويل العديد من البرامج بهدف تنفيذ المخطط الأمريكي لنشر الفوضى الخلاقة ، وقد كان لازما توضيح تسلسل العلاقات الأمريكية و الاخوان المسلمين و ربط ذلك بمخطط واشنطن تجاه الشرق الأوسط .
ومع بداية ثورة يناير بدأت اللقاءات تتم بشكل دوري و مكثف بين السفيرة الأمريكية "مارجريت سكوبي" و القيادات السياسية وشباب الثورة وبالطبع مع قيادات الاخوان ، بهدف استشراف الموقف ، حتي تستطيع الإدارة حسم خيارتها السياسية علي ضؤ ما ستفرزه الصورة.
وقد وضح لسكوبي ان الإخوان هم الطرف الأكثر تنظيما و تأثيرا في الشارع السياسي ، لاسيما وإنهم يحظون بشعبية كبيرة حتى من حلفائهم من التيار الليبرالي والقوي الثورية ، فضلا عن حظيهم بقبول الشارع ، وعلية فقد راهنت واشنطن علي الاخوان كحليف استراتيجي لهم استثمرت فيه من قبل ، و بدأت لقاءات الاخوان مع مستشاري الأمن القومي الأمريكي و مساعدي وزيرة الخارجية ، بشأن دراسة الرؤية المستقبلية للعديد من القضايا محل اهتمام الولايات المتحدة، سواء علي صعيد مصر أو الشرق الأوسط ، مقابل تعهد الإخوان بالتزامات أهمها الحفاظ على معاهدة "كامب ديفيد" وتحجيم حركة حماس و رعاية أمن إسرائيل ، فضلا عن رعاية المسار السلمي الفلسطيني الاسرائيلى و الالتزام بتطبيق نظرية الحلول الغير تقليدية ، ومقابل ذلك دعمت الإدارة الإخوان في الانتخابات البرلمانية و انتخابات الرئاسة حتى وصل مرسي إلي سدة الحكم و سيطرة الجماعة علي الأغلبية بالمجلسين ، وأقر الرئيس الأمريكي أوباما في استجواب بالكونجرس أنة دعم انتخابات جماعة الإخوان المسلمين بمبلغ ٢٠٠ مليون دولار لأسباب ترتبط بالأمن القومي الأمريكي .
ومن هنا وضحت أسباب ثقة مرسي بأن الأمريكان لن يرحموا مصر إذا تم عزلة ، فمشروع الإخوان في مصر يمثل احد سياسات واشنطن في الشرق الأوسط و يرتبط بأولويات الأمن القومي الأمريكي.