الإعلان الأسبوع الماضي عن اندماج حزبي المصريين الأحرار والجبهة الديمقراطية أطلق صيحات ارتياح وسط الدوائر المعنية بالعمل الحزبي وبين المهمومين بالواقع الانتخابي الذي نحن مقبلون عليه في المرحلة القادمة... ولعل هذه الخطوة تكون باكورة طيبة لخطوات تالية للاندماج والائتلاف بين مجموعة الأحزاب المدنية غير الدينية -التي تطلق علي نفسها الليبرالية- بهدف خلق ائتلاف حزبي قوي يستطيع ترسيخ أقدامه في الشارع وجذب اهتمام المواطنين وخوض المعارك الانتخابية المقبلة بثقة وقوة.
فلا يخفي علي أحد أن الحديث السائد في الساحة السياسية قبل اندماج المصريين الأحرار والجبهة الديمقراطية لم يكن يخلو من الإحباط والأسي علي حالة العجز والتشرذم التي تبدو علي الكثير من الأحزاب, وسيطرت الشكوك في إمكان توحيد صفوفها في كيان قوي يناسب تحديات ما بعد 30 يونية ومراحل خريطة الطريق, فكتابة دستور جديد لمصر -حتي وإن كان رسميا يطلق عليه تعديل دستور 2012- تستلزم حشد المواطنين بكثافة للذهاب لصناديق الاستفتاء, وهذه أهون التحديات المقبلة, أما ما يتلو ذلك سواء كان فتح الباب للانتخابات البرلمانية أو الانتخابات الرئاسية فينطوي علي أهم وأخطر تحديات المرحلة المقبلة, لأنه بدون كيانات حزبية قوية واعية تصطف في ائتلاف واحد يجمعها وتتفق علي مرشحين محددين عن ذلك الائتلاف -فرادي أو قوائم- ستظل احتمالات الصراع السياسي بينها قائمة وسوف تتبعثر الأصوات الانتخابية بينها بحيث يحصد كل منها النذر اليسير من الكعكة الانتخابية -هذا إذا حصد أي شئ إطلاقا!!- وتكون الأغلبية في النهاية من نصيب القوي الأخري الأكثر تنظيما وحشدا.
ويخطئ من يظن أن نجاح مصر في الخلاص من حكم الإخوان بثورة الشعب في 30 يونية قد قضي نهائيا عليهم وأن الساحة باتت خالية إلا من أنصار الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة... صحيح أنه تم إقصاء الإخوان عن حكم مصر, وصحيح أنه تم القضاء عليهم سياسيا بدرجة كبيرة, ومن الواضح أن نسبة لا يستهان بها من مؤيديهم من المصريين قد انفضت عنهم بعدما انكشف وجههم القبيح وفضحت نواياهم التآمرية ضد مصر الوطن, ولم يستحوا من إرهاب وترويع وعقاب المصريين علي اقتلاعهم من السلطة, كل ذلك صحيح, لكن لا يوجد أي ضمان أنهم لن يخططوا للعودة من خلال صندوق الانتخاب ويحاولوا استعادة مكتسباتهم السياسية أو البرلمانية بما يسمح لهم بالتواجد والحركة رغم أنف جموع المصريين ومن خلال شرعية الصندوق.
ولا يخدع أحد نفسه ويتصور أن الاختلافات البادية علي السطح بين الإخوان أنفسهم -قادتهم وشبابهم وأتباعهم- أو بينهم وبين التيارات الداعية للدولة الإسلامية الدينية سواء كانوا سلفيين أو جهاديين أو حتي كانوا يتسترون خلف عناوين أخري, هي اختلافات جذرية تفرق بينهم عندما تحين ساعة صندوق الانتخاب -ولنا في انتخابات مجلسي الشعب والشوري السابقين وفي الاستفتاء علي دستور 2012 عبرة لمن يعتبر- فكل تلك الاختلافات الفرعية والسجالات الكلامية أو حتي الاتهامات المتبادلة مآلها أن تذوب وتتلاشي أمام الانتخابات, وسوف تنشأ في حينها التحالفات القوية بين هذه المنابر والتيارات لحشد أنصارها جميعا لتحقيق الغلبة.
إذا علي المصريين الشرفاء الذين نزلوا للميادين والشوارع في 30 يونية والذين احتفلوا بعدها بإنقاذ مصر من حكم الإخوان أن يعوا جيدا أن العمل لم يتم وأن عليهم ألا يطمئنوا أو يتركوا الساحة -ولا أفضل استخدام تعبيرات التخويف من الخطر الماثل لكني لا أهون منه أبدا- وفي ذلك الصدد عليهم الاحتشاد بكل قوة أمام صناديق الاستفتاء علي الدستور القادم لتمريره بنجاح... وهنا يتحتم علي التذكير بأن نسبة 32% من القوي التصويتية التي شاركت في استفتاء دستور 2012 فشلت في فرض إرادة الجماهير التي رفضت ذلك الدستور وتضاءلت أصواتها أمام أصوات المؤيدين له... لذلك لتحقيق أغلبية مطمئنة يلزم حشد ما لا يقل عن 60%
من القوي التصويتية.
أما إذا تحدثنا عن الانتخابات البرلمانية فعلي جميع الحكماء إطلاق صيحات التحذير من خطورة تشرذم الأحزاب السياسية والضغط من أجل لم شملها وتحالفها واتفاقها علي مرشحين تقف مجتمعة وراءهم وتسهل مهمة الناخبين في التعرف عليهم ومؤازرتهم, لأن الأغلبية البرلمانية في البرلمان القادم عليها تحد تاريخي, فهي التي ستشكل الوزارة وتتولي إدارة شئون البلاد, وهي التي ستضطلع بمسئولية الإصلاح التشريعي المرتقب الذي سيفرزه الدستور الجديد... ومثل هذا التحدي عينه ينتظر الأحزاب والناخبين عندما تحين ساعة ترشيح وانتخاب رئيس الجمهورية.
لا أريد أن أقول إن هذه ساعة تحذير وتخويف المصريين من خطر ما يزال محدقا بهم... لكني أقول إنها ساعة توعية وإيقاظ المصريين إلي أن تحدي إنقاذ مصر ما يزال قائما ماثلا.