بقلم مفيد فوزى
«الإنصاف ثلث الإيمان»، كما روى البخارى والإيمان يقابل النكران والانصاف يقابل الحجود «حيث يغلب الغضب على الحلم والسخط على الرضا والأثرة على الإيثار ومصلحة الذات على مصلحة الوطن». وما فى زماننا شىء أقل من الإنصاف «الإمام مالك». هو يرى أن «من لم ينصف.. لم يفهم ولن يتفهم» ذلك أن البعض يضعون أوصافا للحق لا تنطبق إلا على ما يفعلون أو يتفوهون به، وقد ظهر هذا جلياً بعد ثورة ٢٥ يناير
، حين احتكر نفر من الناس الثورية وحصل على جنسية ميدان التحرير، فأصبح يرى «كل» ما فات عملاً شيطانياً يستحق الحرق والإبادة هذه الموجة العارمة الظالمة تظهر فى الثورات حين يشتد وطيس الوطنية ويشتعل ويحرق حقول النماء وإنجازات السنين ويقوم الثوار بإلغاء التاريخ ظناً منهم أن الثائر جاء ليحطم «أصنام» زمن فات
، وفات عليهم أن الناس لهم ذاكرة ويستعيدون الماضى البعيد والمجتمعات ليست كالأفراد تصاب بالزهايمر! إن الأنصاف حق وضرورة حضارية لرموز صنعت تاريخاً وأنه من التخلف أن من لا ننصفه يظل «لحمه منهوش فى نوادى الناس»! أمة، سلفها فى ذروة الأخلاق وخلفها- بكل الآلم- فى حضيض القاع. فى تقديرى المتواضع.. لاحت بشائر الإنصاف فعودة عيد الفن بعد غياب إنصاف للفن وأهل الفن. وجامعة النيل كانت تنتظر الإنصاف فأنصفها القانون، وإنصاف أول رئيس لمصر «محمد نجيب» بعد فاروق كان قراراً حكيماً بعد أن ذاق نجيب مرارة الاعتقال فى بيت بالمرج وحرمته السلطات آنذاك من تشييع جنازة ابنه، وإنصاف «وحيد رأفت» رجل طابا ومهندسها القانونى كان ضرورة حتمية لتاريخ رجل لا يتكرر كثيراً.
هل نحتاج مسافة زمنية بيننا وبين الأحداث والناس والأشخاص تمكننا من وضوح الرؤية أو الفريضة الغائبة فى رد الاعتبار. هناك شىء اسمه «المعاينة النقدية» أى مراجعة المواقف بموضوعية وتجرد والدليل أننا- بعد أجيال- وصلنا إلى قناعة أن نابليون لم يكن «غازياً» بقدر ما كان مطوراً للحياة فى مصر فقبل الثورة الفرنسية لم تعرف مصر «المطبعة». والملك فاروق- بعد سنين- من تنازله عن العرش. عاد إليه الإنصاف فلا هو زير نساء ولا هو حرامى ولاعات ولا هو سكير.
ولعل الفضل فى رد الاعتبار يعود لإخلاص أساتذة تاريخ ومعهم الباحثة الليبية لميس جابر، حيث اعتمدوا على مراجع أجنبية تناولت سيرة الملك بحياد تام. ويبدو أن للتاريخ دائماً رأياً آخر، فالنازى هتلر «أنصفته» ألمانيا حين أقرت أن أعظم ما فعله هتلر هو «تلك الشبكة الهائلة» من الطرق التى كانت سبباً محورياً فى تحريك الاقتصاد الألمانى. وفى الصن، أياً كانت نهاية الزعيم ماوتسى تونج فإن الثورة الثقافية التى فجرها لاتزال «النموذج الصينى» فى الفكر وعبر زياراتى للصين، كنت أشعر بحضور «ماو» الشديد رغم إعدام إحدى زوجاته لارتكابها جرائم إن أخطر ما تتعرض له الأوطان هو التعصب الأعمى والتشويه فذلك يحجب الإنصاف.. «عين العدل الغائب فى زماننا».
فى المغرب، على سبيل المثال هناك «هيئة انصاف» تكونت فى يناير ٢٠٠٦ وهى إدارة فعالة وفاعلة فى فتح ملفات كانت مغلقة ويتم البحث عن الحقيقة وتقييم الضرر. مثل هذه الهيئة ؟؟ عن أن الإنصاف «خلق عزيز منزه عن الهوى» فمن العبث الشديد الاستسلام لرأى الشارع الذى يفتقد إلى الرشد والرشاد لتأثره بالإعلام غير المنصف فى كثير من الأحيان والذى يميل مع الهوى الثورى دون وقفة موضوعية تعطى مالقيصر لقيصر ومال لله لله. إن الخوف من الحديث عن رموز وراء القضبان يحكم المدنية فكيف يشاد بإنجاز ما لواحد مازال قيد المحاكمة؟ فطالما يقف أمام القاضى فهو «مدان ومهان»
وحذارى من الحديث عنه إيجاباً. إن الألمانى من أصول روسية قاتل مروة الشربينى الذى حضرت فى برلين محاكمته وحكمت المحكمة بسجنه مدى الحياة، كانت صحف برلين تقول عنه «إن من حسنات المتهم أنه كان يغذى فكرة اندماج العرب فى المجتمعات الألمانية»، وتقول الصحف الألمانية «وشاء حظه أن يرتكب جريمة وحشية بسبب عدم الاندماج» هكذا ينظر العالم المتقدم للأمور من كل الزوايا وليس «أحادية» النظرة.
بالعقل وبالمنطق وبالفهم الرحب: من قال إن «كل» أعضاء الحزب الوطنى فاسدون ومفسدون؟ إن هذا التعميم حمق وجهل وضيق أفق سياسى. صحيح هناك نواب القروض ونواب الموبايلات وعشرات النواب الذين سقطوا فى الاختبار ولكنهم ليسوا جميعاً يدفعهم الفساد. ولم أكن- بالمناسبة- عضواً فى الوطنى رغم رئاستى لمطبوعة قومية أسبوعية ولكنى كنت أعتبر برنامج «حديث المدينة» يمسح الشارع المصرى بكل أطيافه بالعدسات صوتاً لى أعود فأقرر أن هناك بين نواب الوطنى من لهم «مواقف مضيئة» ومن ساهم فى «إنجاز»، فالوطنية المصرية ليست حكراً على لون أو فصيل. وعندما أقرأ فى الصحف التحذير من إطلالة نواب الوطنى الشرفاء المخلصين اندهش وأتساءل، هل يعود «البعبع أبورجل مسلوخة»؟ لنكن أكثر تسامحاً وأكثر عقلانية ولا تصنعوا معايير الشرف والوطنية على مقاسكم وكونوا «منصفين».
من قال أيضاً إن «المجالس القومية المتخصصة» فاسدة ويجب التخلص منها؟ هذه المجالس «غدة عقول مصرية» وهناك مئات البحوث التى أثمرتها هذه العقول. بحوث فى مشكلات مزمنة كيف تقضى عليها لمجرد أن ولادتها جاءت فى زمن مبارك؟ وإذا كان زمن مبارك «إدانة» لكل شىء، فكيف حافظنا على مؤسسات عسكرية وسيادية ومدنية كانت فاعلة فى زمن مبارك؟ كان الأولى التخلص منها. إن المعيار المنطقى هو هل أدت هذه المجالس القومية وظيفتها فى الفحص والتحليل وقدمت حلولاً للمشكلات أم لا؟
أن آلاف الساعات التى قضتها هذه المجالس المتخصصة فى البحث العلمى لا يمكن «شطبها» لمجىء ثورة. إن من الغريب والمحزن النبرة الغبية أن عودة شرفاء للانصهار فى المجتمع أو عودة مجالس قومية تواصل دورها.. يعنى أن الثورة لم تقم وأن مصر عادت للمربع رقم ١. الثورات تجىء لاستنهاض الهمم والقيم وليس للقضاء على الهمم ونبذ القيم.
إن كل من شارك فى مجالس مصر القومية المتخصصة قامة طويلة فرغت من أعباء المناصب الإدارية وتخصصت وتفرغت لمشاكل مصر المستعصية! كيف يسمح لى ضميرى الوطنى بـ«إعدام» هذه القامات لأنهم أولاً: جاءوا فى زمن مبارك وثانياً: لأنهم عواجيز؟! انظروا يا سادة إلى نيجيريا البلد الأفريقى حيث يضم ما هو أشبه بالمجالس المتخصصة واسمها «مجلس المائة» كلها قامات نيجيرية فوق الخمسين تحمل مشاعل فكر ومفعمة بالخبرات وليس فى هذا أى انتقاص من دور الشباب ولكنه الإنصاف للخبرة حين تصب فى مصلحة الوطن. بالمناسبة أيضاً لم أكن عضواً فى المجالس القومية المتخصصة فأنا لا أرقى إلى مستوى هذه القامات وهى بالقطع ليست البعبع أبورجل مسلوخة!
إضافات:
القانون هو القانون ليس له اسم متداول فى العالم، وله اسم مختلف فى مصر. والقضاء فى العالم له احترامه وهيبته وأظن أنه كذلك فى مصر، والأحكام الصادرة من قضاة العالم لا تعلق عليها الصحف وأظن أنه كذلك فى مصر.
أنا لا أعرف الممثلة «نهى العمروسى» ولم ألتق بها مطلقاً ولكن بمنطق د. يحيى الرخاوى لا يجب إصدار أحكام قبل فحص السيرة والملابسات فعين الله ترى أكثر منا.
ارحموا «عزيز قوم ذل» تعرفون من أقصد!
مازلت أرى أن مشروع أو حلم الشفاء من فيروس «c» كان «سيئ الإخراج» ولذلك تعرض للعبث والسخرية رغم نبل القصد.
سؤال: هل أنتم مطمئنون لخلو «الشقوق» فى القرى البعيدة من «الأخونة»؟ أنا غير مطمئن.
قيل إن سائحة إنجليزية تعرضت للاغتصاب فى أحد فنادق شرم الشيخ وأن وزير السياحة أغلق الفندق وقيل إن المحافظ نفى الواقعة. ولكن الجدير بالذكر أن «محققين من الشرطة البريطانية توجها إلى مصر للتحقيق فى الحادث» هذه السائحة ليست فنانة ذائعة الصيت ولا نائبة فى مجلس العموم البريطانى ولكنها «مواطنة إنجليزية عادية». المواطن عندهم واحد صحيح مش صفر!
نقلآ عن المصري اليوم