بقلم : القس رفعت فكري سعيد
عندما يعتدي البلطجية والغوغاء المتعصبين على الكنائس أو المسيحيين أو ممتلكاتهم قد نلتمس لهم العذر لجهلهم أو لتعصبهم الأعمى أو لرفضهم للآخر الديني المغاير’ وإن كانوا في حقيقة الأمر غير معذورين , أما عندما تأتي البلطجة والهمجية ممن يُفترض فيهم أنهم المسئولون عن حماية الأمن وحماية المقدسات والأماكن الدينية فهنا تكون الطامة الكبرى ومن هنا تأتي الاستهانة من الغوغاء والبلطجية ومحترفي الإجرام بالمسيحيين ومقدساتهم وممتلكاتهم طالما أن المسئولين والقادة وحماة الأمن يتعاملون معهم بهذا الأسلوب الهمجي غير المتحضر, فرجل الشارع العادي عندما يرى حكومة بلاده تتعامل مع المواطن المسيحي على اعتباره مواطناً من الدرجة العاشرة وتهين كرامته فهو أيضاً لا يتورع أن يتعامل مع جاره المسيحي بنفس هذا الأسلوب الهمجي غير الراقي .
أقول هذه المقدمة بمناسبة الأحداث المؤسفة التي حدثت مع المسيحيين الإنجيليين وممتلكاتهم في محافظة الأقصر هذا الأسبوع , وحتى تكون الصورة واضحة وجلية للكل وحتى لا يحدث خلط للأمور وتعتيم على الموضوع من قبل بعض الصحفيين المأجورين نقول أنه لا خلاف على أن هناك مفاوضات بين المحافظة والكنيسة من أجل توسيع طريق الكباش, والكنيسة الإنجيلية لم تعترض فالمسيحيون بصفة عامة يعملون من أجل الصالح العام والكتاب المقدس يعلمنا أن نخضع للرؤساء والملوك ويدعونا لأن نصلي من أجلهم ومن أجل قراراتهم لتكون صائبة وحكيمة ولكي ما نقضي حياة هادئة مطمئنة , ولكن ما حدث أن المحافظة استخدمت أسلوب الكيل بأكثر من مكيال , تعاملت مع المسلمين بأسلوب وتعاملت مع المسيحيين بأسلوب آخر مختلف , الأمر الذي يجعلنا
نؤكد أن المواطنة لازالت غائبة عن هذا البلد ليس على المستوي الشعبي فقط ولكنها أيضا غائبة على مستوى القادة والمسئولين ورجال الشرطة .
يقول المسئولون إنه قد تم إزالة أكثر من مسجد في هذه المنطقة ولم يعترض أحد , وهذا الكلام صحيح مائة بالمائة ولكنه حق أُريد به باطل ’ فقبل أن تتم إزالة أي مسجد تم بناء مسجداً بديلاً بمساحة كافية ومناسبة ولذا لم يعترض أحد لأن كان هناك تعويضاً , أما ما حدث مع الكنيسة الإنجيلية فكان مختلفاً تماماً بالجملة والتفصيل فالمفاوضات بين الكنيسة والمحافظة كانت لا تزال جارية , ولم يتم الانتهاء من عملية التعويض , ولم يأخذ الإنجيليون أية أماكن بديلة للأماكن المطلوب إزالتها , فبينما المفاوضات مستمرة ولم تنته بعد قامت المحافظة باستخدام القوة الجبرية في عملية الهدم هذا فضلاً عن الإهانات الفجة من سب وشتم وسحل لراعي الكنيسة الإنجيلية القس محروس كرم وزوجته الفاضلة التي هُددت بوضع ابنها فلذة كبدها تحت البلدوزر إذا لم تستجب فوراً وتترك المكان !!
المشكلة إذاً ليست في اعتراض الكنيسة على توسيع طريق الكباش , ولكن المشكلة تكمن في سياسة الكيل بمكيالين التي اتبعها سيادة المحافظ سمير فرج محافظ الأقصر الذي حافظ على وجود تمييز بين المسيحيين بجدارة واقتدار دون وازع من ضمير أو رادع من مبدأ إنساني !! والذي حافظ على تكريس الانقسام بين المسيحيين والمسلمين , والذي حافظ على وجود أفضلية لمسلمي الأقصر على مسيحييها وامتياز لمساجدها على كنائسها !!
إن التعصب الأعمى هو سيد الموقف , والتعصب لم يعد يتملك رجل الشارع بمفرده ولكنه طال الفئات العليا المتحكمة والقابضة على مقاليد الأمور, ومن هنا تكون عملية الإصلاح صعبة بل ومتأزمة , فالمشكلة كامنة في رجل الشارع وكامنة أيضاً فيمن يتولى مناصب عليا في هذا البلد , التمييز موجود على مستوى رجل الشارع وموجود أيضاً على مستوى المسئولين!! ولذا إذا أردنا إصلاحاً لحال هذا البلد فلابد من معاقبة من يمارسون التمييز ضد الآخر الديني سواء كان هذا المتعصب من عامة الشعب أو من رجال الدولة , لابد من وجود قاون رادع لحماية المواطن المصري أياً كان دينه أو جنسه أو معتقده .
ما حدث في الأقصر هو جريمة بشعة نكراء , وما حدث من اعتداء على القس محروس كرم وزوجته هو انتهاك سافر لحقوق الإنسان وامتهان لكرامته وانتقاص لحقه في أن يكون آمنا في بيته ووطنه
لذا فأنا أطالب بمحاكمة عاجلة وعادلة لكل من اشترك في هذه الجريمة البشعة النكراء أياً كان وضعه وأياً كانت مسؤوليته , وإن ظن أحد أن الإنجيليين تحت هذا الضغط والإرهاب سيوافقون على أي مبلغ للتعويض , فأنا أقول لا وألف لا , فنحن لن نقبل أي تعويض إلا ما يوازى ما قد تهدم من مبان وإلا ما يوازي ما قد أُخذ من أراض , وسنظل حتى النفس الأخير نمارس التحلي بضبط النفس وسنستخدم كافة السبل القانونية المشروعة من أجل استرداد حوقنا المسلوبة آملين أن تكف محافظة الأقصر عن سياسة الحفاظ على الكيل بمكيالين !!