الأقباط متحدون - عندما يكون الواقع أكثر عارًا
أخر تحديث ٠٤:٣٦ | الجمعة ١٣ يونيو ٢٠١٤ | بؤونة٦ ش١٧٣٠ | العدد ٣٢١٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

عندما يكون الواقع أكثر عارًا


بقلم : ماجد سمير 
في كل مرة مع بزوغ حالة جديدة من التحرش أتذكر مشهد حلاقة شعر عادل البدري "زيرو" في مسلسل ليالي الحلمية بعد تحرشه بقمر السماحي، رد فعل المعلم زينهم وجيرانه وأصدقائه مطابق تماماً للواقع وما كتبه أسامه أنور عكاشة ونفذه المخرج إسماعيل عبد الحافظ لم يكن أكثر من محاكاة لواقع المناطق الشعبية في مصر. 
تعامل الشارع المصري في الماضي مع المتحرش بتطبيق العقوبة الشعبية عليه بحلاقة رأسه  "زيرو" لتصبح صلعاء "قرعاء" ليكون عبرة و"فرجة" للقاصي والداني، ويظهر واضحاً أن الهدف من العقوبة عدم تكراره التحرش بأثنى مرة أخرى، ومجرد رؤيته لفتاة ينظر للأرض أو ربما الرعب قد يجعله لايراها من الأساس، وأحياناً تستخدم رأسه اللامعة الخالية من الشعر كعاكس للضوء؛ لإنارة الشوارع الجانبية المظلمة.
مع الوقت أصحبت الحلاقة الـ "زيرو" موضة وآخر صيحة محلياًّ ودولياًّ، ولم تعد عقاباً رادعاً، وبات الشباب يسير بزهو شديد لأنه بات خالياً من شعر الرأس وكأنه حقق مالم يحققه أحد، بل أن المجتمع نفسه أصبح استهلاكياًّ بشكل ربما يصل في يوم ما إلى استغلال الرؤوس المنزوعة الشعر في الإعلانات والدعاية، وغير مستبعد أن تجد شابا يحمل فوق رأسه لافتة أو "بانر"  أو رسوما زاهية الألوان لمنتجات مختلفة ومتنوعة، فضلا عن الذكورية المسيطرة  بوضوح وصراحة،  لدرجة أن النحس وأيضا الفقر في بلادنا "دكر"، فتصبح الضحية هى المذنبة مرة بسبب ملابسها المثير ومرة أخرى بسبب سيرها بمفردها ومرة ثالثة يصدح السؤال الأزلي الأبدي منهقا في الفراغ والفضاء فستمعه آتيا من كل الاتجاهات قائلا: إيه اللي واداها هناك؟
الجريمة قديمة ومتواجدة بنسب مختلفة في كل المجتمعات بصرف النظر عن رقيها وتخلفها، ومؤخرا انتشر على صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أن الراحل العظيم الاستاذ فكرى أباظة فى سنة 1932 تقريبا، كتب مقالاً يهاجم فيه تدهور أخلاق الشبان وفساد تربيتهم قال فيه: إن الشاب الصفيق يتعمد الوقوف على رصيف محطة الترام بالقرب من المكان المخصص لركوب السيدات، وعندما يجد سيدة تقف بمفردها يقترب منها بمنتهى البجاحة ويقول لها دون سابق معرفة "بنسوار يا هانم".. وتطور الأمر في سبيعينات القرن الماضي تمركزت الظاهرة في أتوبيسات النقل العام في القاهرة ووقتها أطلق الشاعر والمسرحي الراحل "نجيب سرور" تعلقيا ساخرا، عند رؤيته لسيدة "حامل" ياترى شرعي ولا أتوبيس؟
 وفي بلاد الدنيا  المجتمع متصالحا مع نفسه لا يختلق أي أعذار للمتحرش ولا يلوم الضحية، يواجه المشكلة بشكل صحي يعالج أسبابها، ولا يخفي ذلك خلف المؤامرة الخارجية ويبحث عن المستفيد ويتهم من صور الواقعة بعدم الرجولة والشهامة والنخوة – حتى لو كان منتميا لتيار إرهابي - ولا يوجه أي لوم للتقصير الأمني، رغم تواجده بكثافة في ميدان التحرير لكن لحراسة المحلات والحجارة فقط.
الجريمة بدأت فور اعتماد المرأة - صوتا وصورة – رسميا عورة متنقلة تثير الغرائز ليل نهار، وهدف كل بنات حواء الانتقام من الرجل بإغرائه وتركه يغلي، الجريمة بدأت عندما قبلت المرأة ذلك، وربت بناتها جيلا بعد جيل على أنها عورة وأنها سلعة لمن يقدرها، واختزال التقدير فيمن يدفع لها مهرا أكبر ومؤخراً، أعلى وباتت المرأة سلعة تتسق تماما مع مجتمعنا الاستهلاكي تحت شعار "كل شىء بثمنه". 
الغريب في حادثة التحرش الأخيرة بميدان التحرير أن الشعب استقبل الحادث على أنه مفاجأة، مع أنها تتكرر كثيرا والأغرب هو صمت السيد رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، الذي نط وفط وقفز وأوقف فيلم "حلاوة روح" من السينما؛ لأنه لايتفق مع واقع المجتمع.. رغم أن الواقع أكثر خزيا وعارا من الخيال.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter