بقلم منير بشاى
عنوان المقال هو المقطع الأول من الشعار العبقرى الذى اطلقه المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث والذى يقول "مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا".
ولا اظن ان قداسته كان يعنى المنطوق الحرفى لهذا المقطع اى ان "مصر ليست وطنا نعيش فيه" فمن المؤكد ان ما قصده هو "مصر ليست (فقط) وطنا نعيش فيه بل (أيضا) وطن يعيش فينا". كما ان الاقباط لن يفرطوا يوما فى وطنهم مصر مهما حدث.
ولكن هذا لا يمنع وجود محاولات لمحو الوجود القبطى فى مصر. وهناك مخططات من بعض الجماعات لتحقيق هذا الهدف بعضها سافر والبعض الآخر مقنع.
مصر هو الوطن لأكثر من 15 مليون قبطى، وستظل موطنا للاقباط الى ان يرث الله الارض وما فيها. ومع ذلك هناك احساس لدى بعض الاقباط ان وطنهم منذ الأجداد اصبح يضيق ذرعا بهم. البعض يحسّون انهم غير مرحب بهم فى بلدهم والبعض الآخر يحسون انهم يعيشون مهدددين فى بلدهم. هذا بينما البعض ممن هم قادرون على الهجرة قد حزموا امتعتهم وسافروا. نعم بالنسبة لعدد من الأقباط اصبح هناك شعور بعدم الآمان، بل ان هذا الشعور موجود ايضا لدى بعض المسلمين.
لست اقول هنا ان مصر ستفرغ شعبها القبطى فى يوم من الأيام. هذا لن يحدث فالغالبية الساحقة من الأقباط لن يغادروها مهما كانت الأسباب. ولكن من الناحية المعنوية يزداد الشعور عند الكثيرين من اقباط مصر بانهم يعيشون كالغرباء فى ارض ابائهم واجدادهم.
هذا الشعور بدأ منذ عدة عقود وبالذات منذ ثورة 1952 مع ازدياد نعرة القومية العربية واغفال شخصية مصر القبطية. فالقبطى الذى كان دائما يرتبط بالأرض قد وجد نفسه لأول مرة يفكر فى هجرة بلده مثل بعض الشعوب الأخرى كاللبنانيين والفلسطينيين والارمن. ويقدّر عدد المهاجرين من الأقباط لقارات العالم اكثر من 2 مليون نسمة يعيش اكثر من ثلثهم فى الولايات المتحدة الأمريكية. وهى نسبة عالية بالمقارنة بعددهم.
كما ان الظروف التى استجدت فى الثلاث الأعوام الأخيرة بعد ما يسمى بالربيع العربى من قتل وترويع وعمليات الخطف والاغتصاب وفرض الاتاوات بالاضافة الى حرق الكنائس والبيوت والمتاجر والاستيلاء على الاراضى والعقارات المملوكة للاقباط- كل هذا قد دفع بعض الأقباط الذين ما كانوا يفكرون فى الهجرة الى ترك مصر.
مظاهر الشعور بالغربة داخل الوطن تتجلى عندما يحس القبطى انه يتعامل كمواطن من الدرجة الثانية. فالقبطى لا يجد المساواة فى العملية التعليمية فيحرم من بعض الكليات فيما عدا نسبة ضئيلة منهم. ويحرم من نظام تعليمى موازى لا يقبل القبطى كتلميذ او مدرس او حتى كعامل نظافة. وعندما يتخرج القبطى يواجه التحيز الوظيفى وخاصة فى الوظائف العليا. وفى العملية السياسية يحرم من التمثيل المتكافئ المناسب لقوته العددية. هذا وان كان القبطى يقوم بواجبه كاملا كمواطن يدفع الضرائب مثل غيره.
ومشاعر الغربة تتجلى عندما يحس القبطى ان دينه قد اصبح غير مرغوب فيه بل ومكروه. فالاهانات توجه لعقيدته علنا من الابواق المتعددة وحتى التى تتبع الدولة. من يزدرون الدين المسيحى نادرا ما يقدمون للمحاكمة واذا حوكموا غالبا يفلتون من العقوبة او يأخذون عقابا رمزيا صئيلا، بينما الكثيرين من الأقباط تلفق لهم تهم ازدراء الدين الاسلامى وينالون عقوبات مبالغ فيها عن جرائم لم يرتكبوها. منظر الكنائس اصبح يؤذى الانظار ويثير مشاعر المتعصبين ويؤدى لحرقها وتدميرها بينما يقف الأمن عاجزا او متواطئا. بناء الكنائس يعتبر من الأمور الخطيرة التى لا تتم الا بموافقة رئيس الدولة بعد تحريات جهاز امن الدولة وتأكده انه لا توجد معارضة من الشارع.
حضارة وتاريخ الاقباط ولغتهم لا تدرس فى مدارسها او جامعاتها مع انها تدرس فى كل جامعات العالم لأنها تمثل جزءا من التراث الانسانى الذى يجب الحفاظ عليه. تاريخ مصر المعترف به فى بلده هو التاريخ الفرعونى ثم يقفز سبعة قرون للتاريخ الاسلامى. ماذا حدث للسبعة القرون المفقودة من ذاكرة الوطن؟ ولماذا يتم تغافلها وكأنها لا وجود لها؟ هى جزء من تاريخ مصر سواء اردنا او لم نرد وهى ليست فقط تاريخ الاقباط بل تاريخ كل مسلم له جزور قبطية. انها محاولة لتزوير التاريخ باظهار ان مصر ليس لها صلة بالحضارة القبطية او الدين المسيحى.
مصر هى بلدنا والتى عاش فيها اجدادنا وماتوا ودفنوا. لقد ارتوت ارض مصر بدمائهم وتحللت اجسادهم لتختلط بتراب ارضها الطيبة. لن يستطيع احد ان ينتزع مصر من اقباطها أو يفصل اقباط مصر عن مصرهم. .ونحن ننتظر من الرئيس السيسى ان يعيد لمصر قبطيتها، أقصد مصريتها، لأن كلمة قبطى معناها مصرى.
Mounir.bishay@sbcglobal.net