الأقباط متحدون - الخطاب القبطي.. مقاربة لاهوتية
أخر تحديث ١٣:١٨ | الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠١٤ | بؤونة ١٧٣٠ ش ١٦ | العدد ٣٢٢٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الخطاب القبطي.. مقاربة لاهوتية

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

كمال زاخر 
ينطلق الخطاب المسيحى القبطى ـ المؤسسى والشعبى ـ فى صحيحه، من القاعدة الإيمانية الأساسية أن المسيح جاء ليصالح الإنسان مع الله، ولهذا فهو خطاب منشغل بفكر المصالحة على أصعدة متعددة، الإنسان مع نفسه، الإنسان مع الطبيعة، الإنسان مع الإنسان، وصولًا إلى، أو انطلاقا من المصالحة مع الله، فى دائرة لا تكف عن الدوران ولا تتوقف أمام الاختلافات القائمة، وتقاوم النزوع إلى الأنانية والذاتية، إذ بها يخرج المرء من ذاته باتجاه الآخر، فتتكرس ثقافة السلام والاندماج لحساب بناء مجتمع سوى ووطن متكامل، يقبل ويعظم التنوع والتعدد فى تناغم إنسانى راق.

هنا تتحول قيم المحبة والتعاطف والتسامح والغفران، من دائرة الأخلاق إلى دائرة اليقين الإيمانى، وإلى نسق حياة، تؤكده وتشهد عليه وتحاكمه، فى مواجهة واقع معاكس يئن من ضغط اللحظة وصراعات الحياة، والتراجع المعرفى واللاهوتى، والتجريف الممنهج لمنظومة القيم المصرية عبر عقود ممتدة.

لذلك فأزمة الخطاب المعاصر تتبدى عندما يتبنى منطلقات أخرى تغازل العاطفة الشعبية وتدغدغ ضغوطات الاستهداف الطائفى الذى يتبنى الإرهاب والإقصاء والترويع، فيتحول الخطاب إلى بكائية ممتدة تكرس لرفض العالم وتحيل المخاطبين إلى ما بعد الحياة، وتحشد فى اتجاه العزلة التى لا تخلو من استعلاء، واستكانة تتحول إلى أسلوب حياة، فينفصل الإنسان عن واقعه، وتستغرقه دوائر الأساطير

ويتحول التعليم البنائى اللاهوتى إلى تعليم تستحوذ عليه الحكايات والتغنى بالماضى وعبادة الطريق فتصبح المعجزة غاية والغيبيات مطلبا، فتظهر ازدواجية الحياة، ونشهد صنوف من الشيء ونقيضه، كلام فى الإيمان وأفعال تنكره، وينعكس هذا على قضية المصالحة ذاتها، فينقسم الإنسان على ذاته وعلى أسرته وعلى مجاله الحيوى فى متوالية لا تنتهى.

وفى الفراغ اللاهوتى تظهر الصراعات المذهبية والترصد المتبادل، وتسقط قاعدة أن الأهداف النبيلة تستوجب للدفاع عنها أدوات نبيلة، ونكتشف الهوة الكبيرة بين ما نزعمه إيمانًا وما نمارسه فعلًا، ونعيد إنتاج صراعات العصور الوسيطة، وما بعد عصر المجامع، فى دوامة مفارقة للمعرفة البنائية، ونقنن الكراهية بعقل بارد يستنطق نصوصا مقدسة بما ليس فيها.

لذلك فالخطاب القبطى يحتاج إلى دراسة أكثر عمقًا، ليأتى متسقًا مع هدفه الأساسى ودوره، وهو عمل تتحمل به الكنائس مجتمعة، وهى مطالبة بمراجعة المعاهد التعليمية الكنسية المنوط بها إعداد الخدام والكهنة والمعلمين، على أسس علمية أكاديمية، ليس فقط فى الدوائر الروحية والرعوية على أهميتها، لكن

أيضا فى دوائر العلوم الإنسانية المتعلقة بالتواصل الإنسانى، وتعميم تجربة التواصل مع الجامعات المصرية ودعم هيئات التدريس بكليات اللاهوت والإكليريكيات بكوادر من أساتذة الجامعات المدنية فى التخصصات التى تحتاجها، فى علوم الفلسفة والاجتماع والإدارة والاقتصاد والقانون وغيرها، وإعادة تقييم تجربة "مدارس الأحد" للنشء والشباب"، والاجتماعات النوعية، لخلق مناخ يدعم المشاركة الإيجابية والحوار البينى الذى يسهم فى دعم الحوار المجتمعى، وابتكار آليات تواصل فاعلة مع الشباب والأسر الحديثة، تنعكس بالضرورة على تفكيك الاحتقانات الأسرية، وتقدم رؤى مجتمعية كنسية لتصالح الأجيال فيتحول الصراع بينهم إلى تكامل وبناء.

فهل يتبنى مجلس كنائس مصر مسئولية مراجعة الخطاب الدينى القبطى على تنويعاته وأشكاله المختلفة عبر ورشة عمل أو لجنة متخصصة، تضع الإطار العام والمحاور الأساسية التى تتفق وغايته بحسب الإنجيل الذى يدعونا أن نسعى كسفراء عن المسيح .. تصالحوا مع الله.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter