خالد منتصر
أسعدنى أن يهتم د. جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، بقضية كلية العلوم التى طرحتها فى سلسلة مقالات سابقة، فقد اتصل بى د. جابر تليفونياً وناقش معى مشكلة كلية العلوم، وأكد لى أنه بالرغم من كونه رجل قانون فإنه مؤمن مثلى بأن كلية العلوم هى طوق نجاة مصر، وأنه لن تدخل مصر إلى نادى نمور العالم الاقتصادية إلا بالعلم، بدأ
د. جابر فى وضع بروتوكول الحل واتخذ خطوات عملية فى هذا المجال واجتمع مع العميد الحالى لكلية العلوم وعمداء سابقين وطرح فكرة عقد مؤتمر دولى تطرح فيه الدول المشاركة تجاربها ومقترحاتها فى النهوض بكليات العلوم والبحث العلمى لنستفيد منها، وغالباً ما ستكون الاستفادة القصوى من دول شبيهة بنا ومماثلة لنا فى الوضع الاقتصادى، ولكنها بالعلم استطاعت الفكاك من أسر التبعية التكنولوجية والتسول العلمى، قال لى د. جابر إنه سيدعم الأبحاث العلمية الحقيقية المصرية التى ليست «فوتوكوبى» من أبحاث عالمية أو مجرد قص ولصق من رسائل دكتوراه أجنبية. د. جابر نصار ينتظر اقتراحات وحواراً مجتمعياً حول هذه القضية
استبشرت خيراً بهذه الاستجابة السريعة كنواة حل وبداية رحلة مع العلم المظلوم فى مصر، المطارد كالجمل الأجرب، الذى نعانى تجاهه من فوبيا وفزع مثلما نفزع من الطاعون، ونسخر من ممارسيه فى حياتنا سواء فى الواقع أو فى الدراما، يكفى عرض نموذج العالم التائه المجنون أشعث الشعر الذى يعرض كمسخرة فى الدراما المصرية، الاهتمام بالعلوم الأساسية هو الحل، فلو نظرنا إلى جوائز «نوبل» حتى فى الطب لا نجد فى قائمة الفائزين جراحاً شهيراً ولكننا نجد باحثاً فى الكيمياء الحيوية والفسيولوجى والوراثة.. إلخ
يكفى أن نعرف أن قسم الحشرات فى كلية العلوم فيه سبعون عضو هيئة تدريس، والتحق به ثلاثة طلاب فقط! هذا القسم الذى ننظر إليه على أنه قسم زائد على الحاجة ورفاهية وترف وأحياناً قرف، هذا القسم من أهم الأقسام العلمية التى نحتاج إليها وفى يد أساتذتها حلول كثيرة وناجعة لمشاكل كثيرة فى مصر، هؤلاء الأساتذة الذين لا يظهرون فى أى وسيلة إعلامية حتى لو لمدة دقيقة بينما يطل علينا الدعاة الذين يحدثوننا عن أهمية تقصير الجلباب وتحريم أكل لحم العفاريت ليصدعوا أدمغتنا بالساعات! لكى تعرفوا أهمية هؤلاء العلماء المحبطين ودورهم فى حل مشاكل مصر الحقيقية فلتقرأوا عن المساحات الزراعية التى يلتهمها الجراد، فلتقرأوا ولتعرفوا كم نفقد من محاصيل زراعية
وكم نخسر سنوياً فى التصدير بسبب الحشرات التى تهاجم وتفسد المزروعات والأشجار التى ينخر فيها السوس لنفقد معها أجود أنواع الأخشاب، فلتقرأوا ولتعرفوا دور الحشرات فى الطب كناقلات للأمراض وحاضنات لأخطر أنواع الطفيليات والجراثيم ويكفى الملاريا التى أفزعتنا الشهور الماضية، فلتقرأوا ولتعرفوا كم من إضافة للدخل القومى من الممكن أن يهديها إلينا النحل مثلاً.. إلى آخر القائمة الطويلة التى للأسف نجهلها، فنحن مشغولون حتى آذاننا فى برامج التوك شو، حتى الفضائيات التى تصرف مئات الملايين على التفاهات والمسلسلات ترفض أن تصرف مليماً على برنامج علمى يثقف الناس ويعلمهم ما هى النسبية؟ ما هو الانفجار العظيم؟ وما هى نظرية التطور؟ وما هى نظرية الكم؟ وكيف اخترعت الأمصال والتطعيمات والموبايل والإنترنت والمفاعل النووى.. إلى آخر تلك الإبداعات التى لها نحن مستهلكون فقط لا مبدعون.