(١)
أعدت قراءة قانون انتخابات مجلس النواب الحالى أكثر من مرة.. وما إن أنتهى من القراءة أجدنى أقول: «لو»؛...«لو» ماذا؟...تعود «لو» فى الواقع إلى المسار الذى سارت فيه قوانين الانتخابات منذ ١٩٨٤.. فبدلا من أن نتطور بقانون الانتخابات من القائمة المطلقة وشرط حصول الأحزاب على ٨% من إجمالى الأصوات على مستوى الجمهورية ـ آنذاك ـ كى نصل به إلى القائمة النسبية، وتقليل القيود بقدر الإمكان، وما هو أكثر من ذلك مما يدعم التحول الديمقراطى، ويصب فى تطوير العملية الديمقراطية.. ولكن بدلا من ذلك أخذ نص القانون يتراجع ـ فى نظرنا ـ إلى أن عاد مرة أخرى ليأخذ بالنظام الفردى بنسبة ٨٠%، وبالقائمة المطلقة/المغلقة بنسبة ٢٠ %...وكأن الزمن يعود بنا إلى المربع رقم واحد مرة أخرى.
(٢)
لهذا السبب تُلح «لو»، ولكن كما يقولون ـ شعبيا ـ فى الأمثال: «لو حرف شعلقة فى الجو»...أى لا فائدة من الحديث فى الفائت.. ومن الناحية العلمية يصر المؤرخون دوما على أن التاريخ لا يقيّم بـ «لو»، وإنما بالظروف الموضوعية التى أدت إلى حدوث حدث ما أو اتخاذ إجراء ما.. وسياسيا نجد السياسيين يتعاملون مع الواقع بشكل براجماتى/عملى..ولكن بالرغم من كل ما سبق نشير إلى عدة أمور.
(٣)
أن القائمة المغلقة عندما أخذ بها لم تمكن الأحزاب الشرعية ـ آنذاك ـ مثل حزب العمل وحزب التجمع، من دخول البرلمان بالرغم من خوضهما معركة انتخابية مشرفة، وكانا قاب قوسين أو أدنى من شرط الـ٨%، ومن استفاد فى الواقع الجماعة المحظورة التى تحالفت مع حزب الوفد.. وفى نفس الوقت ذهبت كل الأصوات التى أعطيت للأحزاب التى لم تحقق شرط الـ٨% إلى حزب الأغلبية تلقائيا.. وبدلا من تطوير القانون نحو الأخذ بالقائمة النسبية دون شروط ومن ثم دعم الحياة الحزبية، تم العمل بالنظام الفردى والذى ثبت من التجربة العملية على مدى الفترة من ١٩٩٠ إلى ٢٠١٠ أنه لا يستفيد منه إلا القادرون ماليا والجماعات الدينية، فى إطار إيقاع يضبطه حزب حاكم يرتبط ارتباطا عضويا ـ تاريخيا ـ بالنظام السياسى على مدى عقود.
(٤)
وربما يقول قائل إنه من المفيد ألا يكون هناك حزب حاكم يسيطر على إيقاع العملية السياسية. إلا أن الغياب مع وجود قانون يكرس الفردية بنسبة ٨٠%من جهة، ويطبق نظام القائمة على أسس فئوية (ملّية) بالأساس، سوف ينتج لنا منتجا برلمانيا لا أظنه سوف يعبر عن الحراك المجتمعى الذى جرى فى مصر. ولعل المتابع للتحركات السياسية الخاصة بالانتخابات سوف يجدها أقرب إلى طبيعة الكتل التصويتية منها إلى الأحزاب السياسية التى لها برامج واضحة تعبر عن مصالح اجتماعية وطبقية واقتصادية.. كتل تصويتية يتداخل فيها الدينى مع القبلى مع الجهوى مع النوعى مع الثروى،...،إلخ.. كتل تصويتية تعتمد فى حركتها على الانتماءات الأولية.. ولا أظن ذلك سيكون فى صالح التحول الديمقراطى، ولا فى دعم الصيغة الحزبية السياسية/المدنية بقدر ما سيكون فى صالح الثنائية التى حكمت المسرح السياسى على مدى عقود ألا وهى ثنائية: المال ـ الدين، برعاية حزب السلطة الذى رغم غيابه إلا أننى أظن أن النتائج لن تبتعد عن ذلك..
ولكن «لو» بقى...
نقلا عن المصري اليوم