الأقباط متحدون - الإسلام دين.. وليس دولة! (٢)
أخر تحديث ٠٠:٣٧ | الجمعة ١٥ اغسطس ٢٠١٤ | مسرى ١٧٣٠ ش ٩ | العدد ٣٢٩١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الإسلام دين.. وليس دولة! (٢)

صورة تعبرية
صورة تعبرية
بقلم   أحمد عبدالمعطى حجازى 
فى الجزء الأول من هذا الحديث المنشور يوم الجمعة الأسبق فى هذا المكان طالبت بالفصل الحاسم بين الدين والدولة فى الإسلام، وميزت بين الإسلام من حيث هو نصوص ثابتة وعقائد راسخة وعبادات وأخلاق، وبين الإسلام من حيث هو دول ونظم سياسية أقامها المسلمون فى العصور الماضية.
 
الإسلام من حيث هو نشاط روحى وأخلاقى دين ورسالة سماوية ووحى منزل، أما الدول والنظم التى أقامها المسلمون ومن ضمنها دولة الرسول فى المدينة فهى تاريخ من صنع البشر تمليه حاجات الإنسان التى تتطور وتتغير من مكان إلى مكان، ومن عصر إلى عصر، ومن حضارة إلى حضارة.
 
حاجات المسلمين فى أيام النبى اختلفت عن حاجاتهم فى أيام الخلفاء الراشدين وحاجاتهم بعد أن استولى الأمويون على السلطة ونقلوا العاصمة من المدينة فى الجزيرة العربية إلى دمشق فى سوريا البيزنطية وفتحوا ما بين الهند وإسبانيا اختلفت أكثر وأكثر. والرابطة الدينية التى كانت تجمع بين الناس فى الدول التى أقامها المسلمون والمسيحيون فى العصور الماضية، حلت محلها الرابطة الوطنية فى العصور الحديثة، وسلطة الحاكم المطلقة التى كان يستمدها من الدين ويعتبر نفسه بها ممثلاً لله أو ظلاً له على أرضه حلت محلها سلطة الأمة وأصبحت الديمقراطية هى النظام الأمثل المعبر عما حققته البشرية طوال العصور الماضية. الخرافة تراجعت والعلم تقدم. الحرية أصبحت حقاً طبيعياً يناله الإنسان بميلاده واختفت العبودية وألغيت تجارة الرقيق، ولأن الناس أصبحوا كلهم أحراراً أصبحوا كلهم متساوين لا فرق بين أبيض وأسود، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين مسلم وبوذى، ولا بين غنى وفقير، ولأن الدولة أصبحت وطنية ولم تعد دينية أصبحت السلطة للشعب. ولأن الشعب أصبح جماعة من المواطنين الأحرار المتساوين أصبحت القوانين وضعية ولم تعد دينية، والفرق بينهما أن القانون الوضعى تعبير عن سلطة الشعب وليس تعبيراً عن سلطة فوق الشعب تزعم أنها مفوضة من الله. والقانون الوضعى يتطور ويتعدل ويتجدد لأنه يستجيب للحاجات المتجددة أما القوانين فهى ثابتة لا تتطور ولا تتغير إلا إذا نظرنا فيها للمقاصد والقيم الأخلاقية وراعيناها ولم نقيد أنفسنا بالأحكام أو بالنصوص الحرفية، وهكذا فهم الشريعة صحابة الرسول وطبقوها، فالعقوبة التى توقع على شارب الخمر اقترحها على بن أبى طالب لأن القرآن لم يتعرض لها، أما عقوبة السرقة فقد أوقف عمر بن الخطاب العمل بها فى عام المجاعة.
 
هذه التطورات وهذه النظم الجديدة التى عرفتها البشرية فى عصورها الحديثة نستطيع نحن المسلمين أن نتبناها ونطبقها ونمارسها ونظل ملتزمين بأصول ديننا لأن الإسلام كما يعرف كل مسلم عاقل مستنير دين لا دولة. طريق للعبور إلى العالم الآخر، أما هذا العالم الذى نحن فيه، عالم الدنيا، فنحن كما قال لنا رسولنا الكريم أعلم بشؤونه، ولأن الإسلام اختيار حر لا قهر فيه ولا إكراه ولا إجبار فهو علاقة مباشرة بين المسلم وربه، وهو إذن عقيدة وليس سلطة.
 
غير أننا لانزال نخلط بين الإسلام من حيث هو دين والإسلام من حيث هو تاريخ، ولهذا نخلط بين الإسلام والدولة، ولأننا نخلط بين الإسلام والدولة فنحن نخلط بين العقيدة والسلطة، وفى شعارات الإخوان المسلمين وغيرهم من جماعات الإسلام السياسى ترجمة حرفية لهذا الخلط، فالإسلام عند هذه الجماعات الإرهابية المتخلفة دين ودولة، ومصحف وسيف.
 
ولا يستطيع أحد بالطبع أن ينكر أن الرسول عليه السلام أقام دولة فى المدينة جمعت بين شؤون الدين وشؤون الدنيا فالمسلمون يصلون ويصومون، ويبيعون ويشترون، ويقاتلون، ويتفاوضون فكيف نفسر قيام هذه الدولة الدينية الجامعة؟ وهل نعتبرها ركناً من أركان الإسلام؟
 
نفسر هذه الدولة بشروط المكان والزمان والبيئة الاجتماعية والثقافية التى قامت فيها، فالعرب قبل الإسلام لم تكن لهم دولة ولم يكن لهم وطن، ولم يكن لهم دين جامع، ولم يخضعوا لنظام أو قانون أو سلطة إلا سلطة القيم والتقاليد التى فرضتها عليهم حياة البداوة. فهم قبائل وعشائر لا رابطة فيها إلا رابطة الدم التى تشد العربى لقبيلته التى لا تعرف الاستقرار فى مكان، لأنها تعيش على الماء والعشب اللذين لا يبقيان فى مكان، فالسحب ترحل من مكان لمكان، والمطر يسقط شتاء فى الشمال وصيفاً فى الجنوب والشرق، ومن خلفه ترحل القبائل والعشائر ويغزو بعضها بعضاً ويغير بعضها على بعض، حتى بدأ الرسول دعوته وهاجر إلى المدينة واجتمع حوله من آمنوا برسالته من أبناء القبائل المختلفة فنشأ مجتمع جديد تعددت فيه الأنساب وجمع بين أفراده الإسلام واختار المدينة وطناً له، ومن هنا ظهرت الحاجة للسلطة ولنظام يخضع له الجميع ويتفق مع ما يؤمنون به وقامت الدولة التى ارتبطت بالدين، لا لأنها ركن من أركانه ولكن لأن الإسلام نشأ فى بادية لم يعرف أهلها الدولة أو السلطة من قبل.
 
ولكى نفهم هذه المسألة على نحو أفضل نقارن بين الإسلام والمسيحية فى علاقة كل منهما بالدولة.
 
لقد ظهرت المسيحية فى فلسطين حين كانت فلسطين ولاية رومانية تخضع لإدارة الرومان ونظمهم وقوانينهم، ومعنى هذا أنها ظهرت فى مجتمع مستقر منظم يخضع لسلطة واحدة ويجمع بين أفراده دين واحد هو اليهودية التى كانت المسيحية تطويراً وتجديداً لها، وتلك هى رسالتها التى صبت عليها جهودها وجعلت ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
 
غير أن الظروف تغيرت حين انتشرت المسيحية واعتنقها الإمبراطور قسطنطين وجعلها الدين الرسمى للامبراطورية الرومانية، ولأن اليهودية التى تفرعت منها المسيحية وورثتها كانت لها سلطتها الدينية المؤلفة من رجال الدين اليهود ــ الحاخامات. والمفرد حاخام وهى كلمة عبرية لعلها مشتقة من جذر يدل على الحكمة والحكم، ومعنى هذا أنها هى وكلمة حكيم العربية وكلمة حاكم من أصل مشترك ــ أقول إن هذه السلطة الدينية اليهودية المؤلفة من الحاخامات هى الأصل الذى خرجت منه السلطة الدينية المسيحية المتمثلة فى الكنيسة. ولأن الإسلام ظهر فى بلد لا سلطة فيه فهو لم يعرف السلطة الدينية المستقلة، وإنما جمع الحكام المسلمون بين السلطتين فى الدولة التى نشأت بعد ظهور الإسلام، رغم أن الإسلام لا يخضع أتباعه لسلطة دينية ولا يفرض عليهم سلطة سياسية، لكن حياة الناس فى العصور الماضية ارتبطت أشد الارتباط بالدين الذى تحول إلى سلطة سياسية ودينية فى وقت واحد، وقد انفصلت السلطة الدينية عن السلطة السياسية فى الدول المسيحية واتحدتا فى الدول الإسلامية.
 
غير أن انفصال السلطتين فى المسيحية التى حصرت رسالتها فى المجال الروحى وتركت الشؤون الدنيوية للدولة ــ هذا الانفصال لم يمنع الكنيسة من التدخل الدائم فى السياسة، ولم يمنع الدولة من التدخل فى الدين، كما أن عدم وجود سلطة فى الإسلام لا سياسية ولا دينية لم يمنع من قيام الدول الإسلامية التى جمع فيها الحاكم بين السلطتين أو بين السيفين، سيف الدولة، وسيف الدين، بل نحن نستطيع أن نقول إن الإسلام ــ الذى لم يعرف منذ نشأته سلطة دينية مستقلة كالتى عرفتها الديانات الأخرى ــ لم يخل تاريخه من ظهور هيئات أو مؤسسات تؤدى دور السلطة الدينية كما هى الحال فى مراجع الشيعة الذين يسمون آيات الله، وكما نرى فى جماعات الإسلام التى تعطى نفسها الحق فى تكفير الدولة والمجتمع والخروج عليهما وتنصب نفسها مصدراً وحيداً للإسلام وهذا ما نراه أيضاً فى بعض المواقف التى يتخذها بعض رجال الأزهر.
 
إنهم يفرضون سلطتهم على الدولة ومؤسساتها لأن دين الدولة هو الإسلام، وهم المختصون بالكلام عن الإسلام أى عن كل شىء، السياسة، والاقتصاد، والفن، والمجتمع، والقانون.
 
فإن قلت لهم: إنكم بهذا تهدمون الدولة الوطنية وتحولونها إلى دولة دينية من دول العصور الوسطى قالوا: أبداً! لأن الإسلام ليس فيه دولة دينية فالدولة الدينية فى نظرهم هى الدولة «الثيوقراطية» أما الدولة الإسلامية فهى دولة مدنية! وهو كلام غير مفهوم نناقشه ونفنده فى مقالاتنا القادمة.
 
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع