الأقباط متحدون - يتأصل الحب
أخر تحديث ٠٦:٠٨ | الأحد ١ فبراير ٢٠١٥ | ٢٦ طوبة ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٦٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

يتأصل الحب

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

مرقس كمال
تتشابك أياديهم المفرودة يميناً ويساراً وفى مرحِ يلعبون ، يركضون فى دائرة قوامها ابدانهم ، مرتسمة على وجوههم ابتسامات صافية منبعها قلوبهم النقية المتجردة إلا من الحب التى لا مكان فيها لإمتلاك شئ ، فقط يعيشون الحياة بلا قيود وهمية تسلسلهم وتسرق أيامهم بلا جدوى ، لا كمن يستفيقون يوماً على وهم وسراب عاشوه كحقيقة بدلاً من الحياة .

ينشرون بهجة تخترق قلوب الجميع رغماً عنهم ، كأشعة النور المتسللة لحجرة ظلامها حالك ، قفزات أرجلهم العفوية شبهتهم بالطيور المرفوعة برفرفة أجنحتهم تلك يتراقص معها وجدان من حولهم ، بقلوبهم البريئة ملاوا الدنيا سرورا ، زقزقة العصافير إمتزجت بألحانهم المفعمة إنطلاقاً لتعزف سيمفونية حياة .

إختلفت أعمارهم بين الطفولة والشباب ولكن إتفقت فى البساطة قلوبهم وتطابقت ، إذ يحملون للجميع طاقة حب باذلة لا تحدها أو تقوى عليها أسوار الكراهية تلك التى تتزلزل وتنهدم ويدوس الحب أنقاضها .

كان يحبهم حباً جماً ، يهتم لأمرهم يرعاهم توجعه آلامهم ويسعى لما يفرحهم ، لم يكن أباهم بالجسد لكن أبوته لهم فرضت ذاتها ليتحمل مسئوليتهم دون تكليف أو أمر ، إنها الأبوة التى لا يستدعيها سن أو تفرضها ظروف أو إرتباط وإنجاب .

كانت الشمس قد توسطت السماء فى يوم يتسم جوه بالإعتدال ، واذا به يهم خروجاً ليعبر الشارع الذى يبدو هادئاً لقلة أرجل المارة به فأغلب قاطنيه مكثوا فى منازلهم ، كان عبوره وجوبيا ليشترى لأبنائه بعض الاحتياجات الهامة لإستكمال الحياة ، بينما شدد عليهم البقاء فى الداخل لأنه يوم إرتسمت على ملامحة علامات الخطورة ، فصوت الأعيرية النارية يدوى فى أماكن متفرقة وإكتشاف قنبلة كل بضع دقائق أمر قد إعتاده الكثيرين ، ناهيك عن سلسلة القتل التى احرقت قلوب أسر كثيرة استشهد أحد أفرادها .

مطلقوا الأعيره هؤلاء هم أعداء الفرح والحب والحياة ، إنهم أعداء الإنسانية ، إنهم جناة سالت على أيديهم دماء الكثيرين ، وربما كانوا ضحية فى الوقت ذاته لجهل تسلل لعقولهم رويدا رويدا عبر أليات وقنوات زعمت أنها تعلم وتثقف ، حتى قبع ذاك الجهل وفرض سيادته عليهم كمن أمحيت إمكانيات عقولهم عمداً وإستبدلت بقوانين دموية أوجبت القتل وأباحت الدماء .

تزامن مع توقيت خروج الاب وتواجده بالشارع مرور إثنين من هؤلاء القتلة المسلوبى الإرادة كانا ملثمين بدراجتهما البخارية ، لمحهما ذاك الأب والأعيرة النارية تندفع من أسلحتهم لتطول الابرياء وتروع الناس وفى لحظة إلتفت فى الإتحاه الأخر ليلمح بابه يفتح من قبل بعض أبناءه فى محاولة للخروج لإخاره ربما بطلب أخر ينقصهم ، وباننزعاج يركض بكل طاقتة ليحتضنهم دافعاً إياهم للداخل لتتراشق الأعيرة مفترشة ظهره ، فى نفس اللحظة التى عبرت فيها الدراجة بسرعة لإقتناصهم ، فيقع بهم ع الأرض محتويهم كالطائر الذى يرقد على عشه وأضاغره تحت جناحيه ، وقد صبغت الدماء ملابسه بلون الغدر بينما ترجمتها إرادته لون الحب ، تحسسهم بيده التى حركها بالكاد ليهدأ قلبه إذ إطمئن أنهم بلا أذى ويختتم أخر لحظات حياته فرحاً بإنقاذهم والموت لأجلهم ، ومع أنفاسه الأخيرة إرتسمت إبتسامة عريضة على وجهه ممتزجة بشكر لله وفرح ، نعم أوصاهم بالحب ، وأعلنت أخر كلماته ... أحبكم

وراء كل قصة غدر دموية ينقش الحب ذاته على قلوب الكثيرين ، لتبقى للأبد وتكون كالسراج المنير لأجيال قادمة تتحسس عقولهم خطواتها الأولى فى طريق الحياة والفهم والمعرفة .
وربما يظن البعض أن من ضرب برصاصة فى ظهره يعد جباناً كان يهرول هرباً ، بينما ذاك الأب كان إنساناً رائعاً يهرول حباً وتضحية
ففى جراحات البعض تكمن التضحية وفى موتهم تحيا الإنسانية ويتأصل الحب.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter