تفرض بعض الفوضى الكائنة الساكنة المجتمع، هذه الصيحة أو الصرخة: انتباه! هى صيحة عسكرية الهوى، وأراها ضرورية فى مجتمع مدنى ليتجمع المتناثر ويصطف طابوراً منظماً بلا اعوجاج، أطلق هذه الصيحة عقب قراءتى لمقال ذهب كاتبه - وله مطلق الحرية فى التعبير - إلى أننا نعيش أجواء ما قبل 25 يناير! وهذا محض افتراء على الواقع، ولست أرفع شعار «نحن نعيش أزهى عصور الحرية» وإلا كنت منافقاً من حملة المباخر أو واحداً من طابور المداحين والكورس، والحرية ليست فوضى التلاسن على الشاشات ولا انحطاط تعليقات الفيس بوك ولا الاتهامات الجزافية بلا أسانيد ولا أشواك التخوين نغرسها فى صدر من نشاء، الحرية رقى وليست فوضى مسمومة «تتقاذفها الليالى» ومن فرط التكرار فى القول تصبح منهجاً فى الحياة وتحل الغربان فوق الأغصان نذير الشؤم، تصيح صيحات الخوف من القادم.
■ انتباه..!
مصر تواجه عدواً غادراً غداراً «معجون بمياه الغدر لا يمكن التصالح معه لو انطبقت السماء والأرض فى غلاف واحد»، هذا العدو الغادر الغدار يقتل الرجال غدراً ويفخخ سيارة ويزرع الموت فى سلة مهملات، هذا الغادر الغدار باع مصر يوماً ما، واعتدى على رمز المسيحية «الكاتدرائية» وأفرج عن بلطجية السجون وضرب العدالة بسكين الأخونة، وهاجر المسلمون قبل النصارى خارج الحدود، هرباً من حكم جائر ورئيس لفصيل صغير، لو اجتمع المصريون لفعصوه فى قبضة يد واحدة، هذا العدو الغادر الغدار نحاربه فى داخل مصر وعلى حدودها وفى سيناء ربما يريد «تنظيمها الدولى» إنهاك جيش مصر لحساب إسرائيل، ولن أضع علامة تعجب بعد كلمة إسرائيل لأنى لست مندهشاً من حماس المتصالحة مع إسرائيل وتلك هى السياسة «مصالح تتصالح».
أضع العلامات البارزة التى يعرفها المصريون المتأمركون من النخبة، وهم معروفون بالاسم وينتمون لأندل دول العالم، على حد قول الصين، هذه مصر المليارات فى الخزانة قبل 25 يناير «الطاهرة الملوثة» الطاهرة لأيام قلائل والملوثة بأصابع أوباما الذى قال لشبابه وقتئذ «استفيدوا من ثورة شباب مصر» تمويها على سجوننا وفتح الزنازين بالسلاح، وأيام كئيبة كئيبة، هذه الحرب - يا مصريون - تجرى على أرض الوادى، وأرقام استيراد كماليات يندى لها الجبين، هذه الحرب لم تصل لواحد فيكم وإلا كان عندكوا دم وأدركتم أن الجيش والشرطة يمنعان تقدم التتار، ولهذا سقط «الإخوان بشرطة» أى السلفيون فى الانتخابات البرلمانية وكان لسقوطهم دوى بين ذهول ورعب وحيرة.
■ انتباه!
أنا أنتمى لثورة يونيو بكل كيانى، فهى الثورة الوحيدة التى خرج فيها المصريون من بيوتهم إلى الشارع بالملايين يكتبون بحناجرهم مستقبلهم السياسى والحياتى، باستثناء ثورة 19، ورئيسى هو عبدالفتاح السيسى، المصرى حتى النخاع، الباكى على كل شهيد يقتله رصاص الغدر، الباحث عن استثمارات لمصر عبر أسفاره، ذات الهدف الاقتصادى والرخاء الذى لن يطول، السيسى صاحب مشروع القناة الجديدة، ورد على المشككين بواقع حى يفقأ عيونهم، السيسى الذى أعطى «الحياة المدنية» و«المدنيين» فرصة العمل المجتمعى فواجه إرهاباً من نوع آخر، اسمه الإهمال والفساد ، هما «تركة» من عهود سبقته. أجواء ما قبل 25 يناير كانت فساد ذمم تركته القيادات يسبح فى البرك، أما الآن فالسيسى «يقيل»، وتهذيباً يقال «استقال»، أما الآن فالسيسى أسند للرقابة الإدارية مطاردة الفساد، والقانون يقوم بدوره.
أجواء ما قبل 25 يناير فى أذهان البعض الذين يتلقفون التوصيف فيزيد اكتئابهم وقنوطهم وعبثهم بالثوابت، وهى أن مصر سائرة فى طريقها تداوى وتضمد جروحها من «زمن الغدر» وما قبله.
ولم يكن - يا مصريون - زمن مبارك كله تعساً، كنا نعيش فى أمان، وكان الاحتياطى محترماً، ويوسف بطرس أفضل وزراء مالية العالم، أميراً للخزانة المصرية، كان وزيراً «شبعان» ولن نعوض عقلاً من هذه النوعية، كان عصر مبارك معقولاً وتتخلله عذابات، وكثير من المرارات، وأنا لا أبكى زمان مبارك ولكن أبكى الحال التى وصلنا إليها من انحدار منذ ثورة 25 «خسائر»، كما يطلق عليها أولاد البلد، وأدرك تماماً أن الثورة الينايرية كانت «انتفاضة شبابية نقية + مؤامرة أجنبية برموزها + انقضاض حمساوى + قرصنة إخوانية» حتى جاء السيسى لينشلنا من هذا المستنقع ويمضى فى طريقه دون «ظهير سياسى» أو «حزب ينطق باسمه» أو «مراكز قوى» تؤثر على قراره أو «ميل سياسى» لقوة عالمية، جاء السيسى وضرب أوتار العالم بحكمة ودهاء «نحن على مسافة واحدة من أمريكا ومن روسيا ومن الصين ومن أوروبا»، جاء السيسى ليعمل فى وضح النهار وأمام الدنيا، وفى عز انشغاله بالعالم يصحح مواقف إهمال فى كارثة إسكندرية، لأننا مصابون بمحافظين قليلى المعرفة بالشارع المصرى و«المحجوب نمطاً» للمحافظ النموذج، وخرج الناس فى الانتخابات بحماس، وجاء شباب مصر يرشح نفسه مهما صغر السن وأشاعوا أنه انسحب من المشهد وأصبح كل راسب فى الامتحان يتهم بالتزوير، صحيح لعب المال السياسى دوره التقليدى ولكن الانتخابات كانت نزيهة دون توجيه من أحد، فأين هى أجواء ما قبل 25 يناير التى تخيم على الحياة.
إن فى العالم كوارث طبيعية من زلازل وبراكين وسيول ولم يقل أحد إن أجواء ما قبل الثورات تخيم عى هذه الدول. نحن فى الواقع سنة أولى كوارث طبيعية والسيول مفاجأة.
■ انتباه!
إننا أمام مسؤول مهمل «ينتفى التعميم» وشباب كسالى «ينتفى التعميم» ورجال أعمال بخلاء على مصر «ينتفى التعميم»، فماذا نفعل؟ هل نستورد شعباً؟ هل نعلن «مطلوب وزير» بمواصفات معينة من وزراء بلاد بره؟ هل نستعين بمحافظين من العالم؟ هل نعلن عن مسابقة لرؤساء أحياء من الخارج؟ ماذا نفعل بالضبط لنثبت للرئيس السيسى أننا جديرون بأن يكون حاكماً لمصر، وماذا بعد حاكم كلمته واحدة ووعوده واحدة، وأقف هنا لأقول إن خطأ المنهج المصرى هو رفع سقف الطموح؟ أين هو المشروع القومى الذى يحقق دخلاً هائلاً منذ اليوم الأول، إلا إذا كان محل شارومة لسورى أو محل كشرى فى الزمالك أو مسمط فى المهندسين؟ الناس تخيلت أن عائدات القناة الجديدة قريبة من جيوبهم وهذا خطأ، الناس تصورت أن درجات السلوك للطلبة قيد وهذا خطأ.. إنها صميم التربية والالتزام، إننا على الطريق وتربية الشعوب تنموياً وسياسياً تأخذ وقتاً وتستغرق جهداً، إن الجيش دخل الحياة المدنية فى علاج الإهمال وفى إنقاذ مصر من الكوارث ويؤمن الانتخابات مع أمن مصر الصاحى، فمن أين جاء الإحساس بأجواء ما قبل 25 يناير؟ هذه الأجواء من صنعنا نحن ومن خيالنا نحن، من بنات أفكارنا نحن ومصر ليست كذلك.
مصر: أجراس كنائس تعانق تكبيرات مآذن فى وسطية خضراء.
مصر: غناء فلاحين مختلط بأغانى السواقى فى رضا وقناعة.
مصر: سهول وديعة تنام فى حضن جبال شرسة تحرسها.
مصر: فكرة تشتعل دوماً وعطاء ربانى بالنعمة وشكر للإله.
مصر: تأهب شباب وعزم رجال وحكمة شيخوخة تضخ.
مصر: آمال عريضة طموحة وسواعد تنفذ وطلعة شمس.
■ انتباه!
كلما اقتربنا - يا مصريون - من شاطئ النجاة، طلعت علينا أسماك القرش تحاول أن تفتك بآمالنا وتقوض أحلامنا، أليس غريباً الدعوة للتصالح على لسان واحد، المفترض أنه من النخبة؟ أليس غريباً محاولات أحزاب بمرجعية دينية تدخل الانتخابات البرلمانية؟ أليس غريباً نغمة التلويح بأجواء ما قبل 25 يناير فى هذا الوقت؟
أنتم كتيبة «حسب الله للإحباط والنكد» ساهمتم فى تلوين المشهد بالسواد؟
لم أكن بعيداً - على المستوى الشخصى - عن الشاشات وكنت مهاجماً فى «حديث المدينة» على مدى 23 سنة محاوراً.
لم أنطق بشتيمة أو إساءة أو سب أو قذف، كانت المهنية هاجسى وهواى، لم أكن واحداً من فرقة حسب الله للإحباط والنكد، كنت أدعو للتبصير بما يجرى فى ظل حكم شمولى، وكان الرقيب يراقب وقد يجد يحذف برنامجاً كاملاً، لا دقائق تصل لثلث ساعة ومع ذلك لم أعزف لحن الإحباط وأجعل من الشعب كورس يردد خلفى أغنيات القنوط والانسحاب.
■ انتباه..!
إن «الوقت» معادلة مهمة فى حياة مصر التقدم، وليس مسموحاً لها بالتخلف وتسول احترام العالم، إن الرجل الذى يجلس على قمة هذا البلد يدرك معنى الوقت ولا يسمح بهدر الوقت، والإعلام غير المسؤول، أكرر العبارة «الإعلام غير المسؤول» أشد خطراً من الإرهاب وأبعد أثراً فى تسطيح المعقول بالتفاهات والترهات والمبالغات وحدوتة قبل النوم البغيضة! إن شعباً تنزل ألوفه المؤلفة لمباراة كرة وليس لانتخابات ومستقبل بلد، شعب يستحق التربية السياسية، ونحن مصابون بأمية سياسية رغم ثورات عشناها.. ولدينا محطات تليفزيون خاصة و«هات يا إحباط وفين اللى يوجعك»، ولدينا شاشات رسمية للدولة، والدولة تدرك حالتها الصحية المتردية وتعرف الداء والدواء ومع ذلك لا تستدعى طبيباً أو عربة إسعاف، ويأتى «أبوحفيظة» ليسخر منها على شاشة عربية فيثير السخط، أنا لا أصدق أن بلداً فى حجم مصر يمكن أن يشغله حادث تحرش فى مول، ولكنها حالة الفراغ، وانعدام الحراك السياسى وخلو المشهد السياسى من معارضة مستنيرة، والأمل فى برلمان لا يصفق دائماً، إن تفعيل «المواطنة» ضرورة وتفعيل «المعارضة» أكثر من ضرورة، إن تيار الشتائم السائد فى المجتمع يجب أن يتوقف عن الجريان، إن صمت القيادة السياسية على «التسيب الأخلاقى» سوف يفسره الناس أنه مقصود وهذا غير صحيح، إنى أجزم أن فى قلب السيسى غصّة مما يجرى، ولو أنه استخدم حقه فى وقف هذه المهازل لنعتوه بالديكتاتور، ومن غيره يعيد إلى مصر هذا التوازن المختل، الناس - يا والداه - لا تدرك أن البديل مخيف، الناس فى بلدى يعرفون طعم الندم متأخرين، وإعلامنا الذى نشكو منه متهم فلنحفظ لجيش بلدنا الهيبة، ولنحفظ لشرطتنا المكانة ولنفهم بشكل جاد أن مصر «بجيشها وشرطتها» درع صلبة لنا، ولنفهم أن استغراقنا فى التفاهات يقرقض مناعتنا ويقتلنا.
■ انتباه!
الرئيس السيسى، من مواطن مصرى بين أصابعه قلم:
1- اجعلنا نفكر معك وقرب رأسك من «رؤوسنا» ولن نخذلك.
2- المعارضة «جزء من النظام» فاحرص على أن تفتح صدرك لها ربما كان بخاراً مكتوماً.
3- الغضب الشعبى لن ينتقص من شعبيتك، فتعرف على أسبابه و«بواعثه» قبل أن يستفحل بفعل فاعل.
4- فى عهدك لابد أن تنتصر «للحوار المجتمعى»، إنه شريك لقرارك وممهد له.
5- الناس فى مصر تحلم بشخللة الفلوس فى جيوبها أكثر من الحلم بمشروعات عملاقة تضخ الخير فيما بعد، فلا تراهن على فكرة الاحتمال والانتظار والأحلام، أنت لا تبيع لنا الوهم ولكنك ترفع سقف التوقع.
6- الجماهير العريضة تريد أن تشعر أن ثمة تغييراً قد جرى فى أسلوب أوجه الخدمات، إن هذا يساعد على الثقة فى الغد ويقوى حتماً ظهيرك.
7- اعلم أن جهدك غير المسبوق والمحترم برحلاتك الخارجية المكوكية يصب فى الداخل والمصرى يحب ياخد حقه «غموس مش حاف»!
نقلا عن المصري اليوم