الأقباط متحدون - والماء قصص وحياة
أخر تحديث ٠٣:٠٠ | السبت ٧ نوفمبر ٢٠١٥ | ٢٨ بابه ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٣٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

والماء قصص وحياة

رولا خرسا
رولا خرسا

 ما يسقط من أمطار وما يجتاح البلاد من سيول جعلنى أتوقف أمام قدرة المياه.. الله سبحانه وتعالى اختصر الحكاية فى آية: «وجعلنا من الماء كل شىء حى». ولو فكرنا بعمق لوجدنا أن الماء هذا المركب الكيميائى المكون من ذرتى هيدروجين وذرة من الأوكسجين، هو المركب الوحيد الذى يأخذ أشكالاً مختلفة، فهو إما سائل أو صلب، أمطار أو ثلوج أو جليد، شفاف بلا طعم أو رائحة، اللهم إلا فى بعض أماكن مصر التى تنزل المياه من الحنفيات لونها أصفر ورائحتها لا تطاق.. علماء الفلك والجيولوجيا عندما يشيرون إلى وجود حياة فى مكان ما يكون دليلهم وجود مياه.

وتقول دراساتهم إن الأرض أتت بعد انفجار كبير ففى علم الكون الفيزيائى يعتقد أن الكون كان فى الماضى كتلة واحدة ثم انفجر حتى أصبح ملايين القطع، ظهر منها المجرات والأرض.. وبعيداً عن العلم فإن أحلى ما قيل عن بداية الخليقة تجده فى الأساطير المختلفة. الأسطورة السومرية التى كانت فى العراق تؤمن بأن البداية كانت مع الآلهة «نمو»، وهى المياه التى خرج منها كل شىء، إذ أنجبت توأمين هما الأرض وهى مؤنث، والسماء مذكر، وكانا ملتصقين ببعضهما البعض فى كتلة واحدة ومن التصاقهما ولد الهواء ولكن بسبب التصاق أبويه الشديد وعدم قدرته على الحركة بحرية عمد بقوته الخارقة إلى فصلهما فارتفعت السماء وسمت وانبسطت الأرض، وبدأ الهواء فى التنقل بينهما..

أسطورة أخرى فرعونية هذه المرة تتعلق بالخليقة ومرتبطة بالمياه تقول إن إله الشمس «رع» كان يعيش فى كفن المياه الأولى «نون» وكان اسمه «أتوم»، ولأنه كان يخاف على نوره اختبأ داخل براعم اللوتس، النبات الفرعونى الشهير ثم مل من اختبائه وقرر أن يتجلى تحت اسم «رع » وأنجب بعدها الهواء مذكر، والرطوبة مؤنث، وأنجبا بدورهما السماء «جيب» مذكر والأرض «نوت» مؤنث. ولأنهما كانا فى حالة عناق مستمر تسلل الهواء بينهما ليرفع السماء نحو الأعلى ووطأ الأرض بقدميه، ومنذ ذلك الوقت و«جيب» أو السماء يبكى على فراق زوجته وحبيبته «نوت»، ومن هنا أتت الأمطار كدموع غزيرة على الفراق. وبعيدا عن الأساطير فقد ارتبطت الحضارات المختلفة بالمياه فكم من حضارات سقطت بسبب نضوب المياه أو لسوء استخدامها. يعتقد المؤرخون أن الحضارة السومرية انهارت عندما انهارت الزراعة بسبب تركز الملح فى التربة، مما أدى إلى الأضرار بالمحاصيل ومع انهيار الزراعة انهارت الحضارة.

 
والماء فى الديانات كلها هامة، والتطهر بالماء، ففى الإسلام يجب علينا الوضوء قبل كل صلاة لأن الوضوء أو الاغتسال بالمياه معناه التطهر، ويستعمل لغسل الأموات قبل الدفن، إذ فى الإسلام لا بد أن ندفن متطهرين.. اللهم إلا الشهداء فشهادتهم تطهرهم. والمياه مكون رئيسى فى الديانة المسيحية، فدخول المسيحية مرتبط بالمعمودية أى الاغتسال كى يصبح تابعا للسيد المسيح والدين المسيحى واقتداء بالسيد المسيح الذى تعمد على يد يوحنا المعمدان أو يحيى المعمدانى فى نهر الأردن. ويحيى هو ابن زكريا هو ووالده من الأنبياء رزق الله زكريا بيحيى بعد أن ناجى ربه طويلا «ربى لا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين» فوهبه الله يحيى من زوجته العاقر والكبيرة فى السن وهو أمر على الله يسير فأمره أن أراد شيئا أن يقول له كن فيكون..

والنبى يحيى مرتبط بالمياه إذ يعتبر يحيى بن زكريا نبيا للصابئة المندائيين، الذين ذكروا فى القرآن الكريم، له كتاب يسمى «تعاليم ومواعظ النبى يحيى» يعد كتابا دينيا، لأنه يجمع صحف موسى وشيث ونوح وسام وإدريس. والصابئة مشتقة من اصطبغ أى غط أو غطس فى الماء فهى من أهم شعائرهم الدينية، ويجب أن يتم فى المياه الجارية والحية، لأنه يرمز للحياة والنور الربانى وعادة يكون هذا فى نهر أو بركة مياه جارية، وبالنسبة للصابئين حرية تكرار الصباغة متى يشاءون، حيث يمارسونها فى أيام الآحاد والمناسبات الدينية وعند الولادة والزواج أو عند تكريس رجل دين جديد.

وقد استمد المسيحيون طقس الصباغة، ويسمونه التعميد من الصباغة الصابئية. وقد حافظ طقس الصباغة على أصوله القديمة. وبعيدا عن التاريخ لا تكتمل جلسة بدون الماء والخضرة والوجه الحسن، وعندما نتشاجر نقول رش المياه عداوة.. الماء مكون أساسى من حياتنا، ولأن الناس لا يتحدثون إلا عما تسببت به الأمطار من ضحايا شعرت وكأن المياه أشبه بالبشر ننسى أفضالهم علينا ولنتذكر فقط عندما يؤلموننا مع أننا من المفترض عندما نحب أن يكون هذا فى السراء والضراء.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع