ما يسقط من أمطار وما يجتاح البلاد من سيول جعلنى أتوقف أمام قدرة المياه.. الله سبحانه وتعالى اختصر الحكاية فى آية: «وجعلنا من الماء كل شىء حى». ولو فكرنا بعمق لوجدنا أن الماء هذا المركب الكيميائى المكون من ذرتى هيدروجين وذرة من الأوكسجين، هو المركب الوحيد الذى يأخذ أشكالاً مختلفة، فهو إما سائل أو صلب، أمطار أو ثلوج أو جليد، شفاف بلا طعم أو رائحة، اللهم إلا فى بعض أماكن مصر التى تنزل المياه من الحنفيات لونها أصفر ورائحتها لا تطاق.. علماء الفلك والجيولوجيا عندما يشيرون إلى وجود حياة فى مكان ما يكون دليلهم وجود مياه.
وتقول دراساتهم إن الأرض أتت بعد انفجار كبير ففى علم الكون الفيزيائى يعتقد أن الكون كان فى الماضى كتلة واحدة ثم انفجر حتى أصبح ملايين القطع، ظهر منها المجرات والأرض.. وبعيداً عن العلم فإن أحلى ما قيل عن بداية الخليقة تجده فى الأساطير المختلفة. الأسطورة السومرية التى كانت فى العراق تؤمن بأن البداية كانت مع الآلهة «نمو»، وهى المياه التى خرج منها كل شىء، إذ أنجبت توأمين هما الأرض وهى مؤنث، والسماء مذكر، وكانا ملتصقين ببعضهما البعض فى كتلة واحدة ومن التصاقهما ولد الهواء ولكن بسبب التصاق أبويه الشديد وعدم قدرته على الحركة بحرية عمد بقوته الخارقة إلى فصلهما فارتفعت السماء وسمت وانبسطت الأرض، وبدأ الهواء فى التنقل بينهما..
أسطورة أخرى فرعونية هذه المرة تتعلق بالخليقة ومرتبطة بالمياه تقول إن إله الشمس «رع» كان يعيش فى كفن المياه الأولى «نون» وكان اسمه «أتوم»، ولأنه كان يخاف على نوره اختبأ داخل براعم اللوتس، النبات الفرعونى الشهير ثم مل من اختبائه وقرر أن يتجلى تحت اسم «رع » وأنجب بعدها الهواء مذكر، والرطوبة مؤنث، وأنجبا بدورهما السماء «جيب» مذكر والأرض «نوت» مؤنث. ولأنهما كانا فى حالة عناق مستمر تسلل الهواء بينهما ليرفع السماء نحو الأعلى ووطأ الأرض بقدميه، ومنذ ذلك الوقت و«جيب» أو السماء يبكى على فراق زوجته وحبيبته «نوت»، ومن هنا أتت الأمطار كدموع غزيرة على الفراق. وبعيدا عن الأساطير فقد ارتبطت الحضارات المختلفة بالمياه فكم من حضارات سقطت بسبب نضوب المياه أو لسوء استخدامها. يعتقد المؤرخون أن الحضارة السومرية انهارت عندما انهارت الزراعة بسبب تركز الملح فى التربة، مما أدى إلى الأضرار بالمحاصيل ومع انهيار الزراعة انهارت الحضارة.