بقلم : درية شرف الدين | الاربعاء ٢ ديسمبر ٢٠١٥ -
٥٢:
٠٦ م +02:00 EET
درية شرف الدين
التقطتُ عنوانا عن أرصفة القاهرة ولماذا لا يسير الناس عليها، سؤال استغرقت الإجابة عنه ثلاث سنوات كاملة وتضمنته دراسة مستفيضة فى جامعة بيركلى الأمريكية قام بها باحثون ودارسون مصريون فى معظمهم، على الرغم من أن الإجابة التى انتهت إليها الدراسة كان يمكن التوصل إليها من مراقبة أحوال الرصيف المصرى لمجرد دقائق معدودة ليس فى القاهرة وحدها، بل فى كل مدن الجمهورية ودون استثناء وبعد السير على الأقدام فوق كل أنواع التشوهات والانبعاجات والتعديات على ما كان يسمى رصيفا.
دعتنى تلك الدراسة إلى المشاركة المتمثلة فى النظر من جديد إلى الأرصفة، بالفعل لم يعد هناك رصيف واحد ممتد لا يقطعه عائق، تستوى الأرصفة لأمتار قليلة ثم تعلو وتهبط حسب احتياج ومزاج صاحب المحل، محل البقالة أو محل الجزارة أو الملابس أو صاحب البيت، تشوهت الأرصفة بكل أنواع الرصف بالأسفلت أو البلاط أو الرخام الردىء، وانقرضت مساحاتها بعدما افترشها البائعون واحتلتها أكشاك الخبز والخضروات والفواكه وأصص الزرع وصناديق القمامة ومقاعد المقاهى، إشغالات ومخالفات واستقطاعات يشارك فيها الجميع حتى الهيئات الحكومية والبنوك، اختفى مفهوم الملكية العامة، ملكية الشعب ومصلحة الناس فى طريق آمن ورصيف سليم. ثم يأتى السؤال: لماذا لا يسير المصريون على الأرصفة؟ وأين هى تلك الأرصفة حتى يسيروا عليها؟ تم الاستيلاء عليها وتشويهها وإلغاؤها بفعل فاعل معلوم فى كل الحالات، وأين هم رؤساء الأحياء المسؤولون عن التنظيم والنظافة وإزالة الإشغالات وإنفاذ القانون؟ مرور دائم منهم على أحيائهم قد يغّير تلك الصورة الرديئة والمتكررة، لكن كل منهم قابع وراء مكتبه لا يطاله حساب أو عقاب.
وأعود إلى الدراسة التى تشير إلى أن أهل القاهرة لا يسيرون على الأرصفة ليس لأنهم لا يحبون النظام ولكن لأن الرصيف اختفى، أما الثلاث سنوات التى استغرقتها فكانت لطرح حلول عملية لإنهاء أزمة ضياع الأرصفة فى القاهرة، وانتهت إلى أن تفريغ الشوارع من السيارات المركونة فى الأماكن الخطأ هو البداية، يليه تحديد ملامح الأرصفة وتقسيم الرصيف إلى ثلاث حارات كل منها مائة وثمانون سنتيمترا، الأولى المجاورة للمبنى يسمح باستخدامها من المحال أو المقاهى الموجودة، والثانية تخصص للمشاة فقط دون أى عائق، والثالثة تخصص للخدمات كأعمدة الإنارة أو أكشاك الكهرباء أو حاملات الزهور. وأوردت الدراسة صورة تخيلية لبعض شوارع القاهرة الشهيرة وكيف يمكن إعادة تنظيمها وتنسيقها بين حارات لسير السيارات الخاصة، وأخرى لمرور سيارات النقل العام كالأتوبيسات فقط وبها مساحات خضراء وأماكن لعبور المشاة. أصحاب الدراسة د. نزار الصياد والمهندس حسين الشربينى يقدمان الناتج لمصر لعلّ أحدا يستجيب، وينوهان إلى أنهما سبقا أن قدما لتونس تصوراً للحفاظ على مدينة تونس القديمة، واستجابت تونس وحازت جائزة الأغا خان فى الحفاظ على التراث، عقبالنا.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع