بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها(576)
يقولون إن هناك هجمة شرسة علي حرية التعبير والإبداع,ويحتجون علي مساءلة أصحاب رأي علي آرائهم أو أدباء علي مؤلفاتهم,ويعترضون علي إدانة نفر منهم علي فكره أو علي ما خطه قلمه,ويستندون في ذلك علي حماية الدستور لحرية التعبير بكافة أشكالها وتحصينه لأصحاب الفكر والقلم والإبداع ضد النيل منهم جراء فكرهم أو كتاباتهم أو شتي صور تعبيرهم عن ذلك.
الدستور فعلا يحمي حرية الفكر والرأي والتعبير حيث تتضمن مواده الآتي:
مادة65:حرية الفكر والرأي مكفولة.ولكل إنسان حق التعبير عن رآيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.
مادة67:حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة,وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك.ولايجوز رفع أو تحريك الدعاوي لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة,ولاتوقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري,أما الجرائم المتعلقة بالتحريض علي العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد,فيحدد القانون عقوباتها.وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة,إضافة إلي التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها,وذلك كله وفقا للقانون.
إذا من يقرأ مواد الدستور قراءة واعية فاحصة متأنية لن ينتهي بالضرورة إلي التباكي علي أن هناك هجمة شرسة علي حرية التعبير والإبداع. وأنا هنا لست أقصد أحكام الإدانة التي طالت رموزا فكرية وشخصيات عامة بتهمةازدراء الأديان,بل إني عندما تعرضت لذلك طالبت البرلمان بتعديل قانون ازدراء الأديان أو إلغائه تماما لأنه تطبيقه حاد عن الهدف المقصود منه أصلا وهو إدانة تحقير ديانة الغير والحفاظ علي السلام الاجتماعي فانغمس في تعقب من يجتهد في أمر دينه ويعمل عقله في محاولة إصلاح ممارسات مغلوطة.
إنما أقصد هنا التعرض لأحكام الإدانة التي طالت فكرا امتطي وسيلة نشر عامة أو رأيا اقتحم منبر تعبير عام ليصدم المتلقي دون استعداد ودون قبول بما يخدش الآداب العامة وثوابت المجتمع,أو يتعرض بالإساءة والتجريح والطعن لشريحة أصيلة من المواطنين ليلصق بها صفات تستبيح أعراضها علي الإطلاق ودون أي تمييز…وحتي أكون محددا فيما أقول,أعني بذلك الرواية التي نشرتها صحيفةأخبار الأدب بعنوان استخدام الحياة للكاتب أحمد ناجي,وكذلك البرنامج التليفزيوني الذي استضاف تيمور السبكي فانزلق الضيف خلال حديثه إلي الطعن بشكل صادم في حق المرأة علي الإطلاق…فكان من نصيب الحالة الأولي تجريم كل من الكاتب ورئيس تحرير الصحيفة,أما الحالة الثانية فتم إيقاف البرنامج الذي استضاف الضيف المتجاوز كما أمر النائب العام بإحالة الضيف إلي محاكمة جنائية عاجلة بتهمة إشاعة أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
فإلي المتباكين علي الهجمة الشرسة علي حرية التعبير في هاتين الحالتين دعوني أقول إن هناك فرقا جوهريا بين وسيلة التعبير عن الفكر أو الرأي وهل هي وسيلة خاصة يتلقاها من يسعي إليها قاصدا إياها أم هي وسيلة عامة تقتحم خصوصية المتلقي دون استئذانه في ذلك…فهناك فرق جوهري بين نشر روايةاستخدام الحياة في كتاب وبين نشر الفصل الخامس منها-الذي يتصف بإباحية صادمة -علي صفحات صحيفة…كما أن هناك فرقا جوهريا بين تعبير تيمور السبكي عن رأيه في كتاب أو حتي في ندوة خاصة غير مذاعة وبين اقتحامه خصوصيات الكافة من المشاهدين مختلفي الأعمار والثقافات والمرجعيات بآراء صادمة لم يتم استئذانهم بشأنها ولا يستطيعون منعها أو الاحتجاج ضدها.
وأيضا أقول للمتباكين علي وأد الحريات والتنكيل بحرية التعبير إن أعتي المجتمعات الغربية التي تسمح بالحرية المطلقة وبالإباحية غير المحدودة تقوم بتنظيمها وفرض القيود عليها لضمان ألا تصل إلي من لا يتقبلها رغما عنه…وكلنا يعرف أن المتجول في محال بيع الدوريات والمجلات المتخصصة أن هناك قسما معروفا بتقديم المواد الإباحية حيث ترقد الدوريات والمجلات خلف أغلفة سوداء اللون علامة علي طبيعتها وللحيلولة دون شرائها من غير العالمين بمضمونها…كذلك المكتبات في كل ما تعرضه من كتب أو رسائل نشر أخري تحرص علي تعريف روادها بما تتضمنه تلك المنشورات حتي لا يفاجأ أحد بفكر أو تعبير مفروض عليه دون قبوله…أما عن وسائل النشر العامة بكل مستوياتها فلا تجرؤ علي اقتحام خصوصية المتلقي وإلا تعرضت لمساءلة القانون.
إذا فلنتدبر أمورنا لحسن تنظيم مجتمعنا…لست في صف الحجر علي حرية الفكر والتعبير ولا أتعاطف مع التنكيل برأي أو رؤية,ولكني أري ضرورة وضع الضوابط التي تحصن أي فكر أو رأي ضد الإطاحة بحريات وكرامة المتلقين دون استئذانهم في ذلك.
نقلا عن جريدة وطنى