منذ عام مضى هزت صورة طفل صغير العالم. أيقظت نهاية إيلان كردي المأساوية الانسانية في نفوس الكثيرين، فأبدى الناس تعاطفهم وقامت وسائل الإعلام المختلفة بتغطية الخبر بانحياز واضح لللاجئين وأعلنت الحكومات عن استعدادها لاستقبالهم، كما عبر العديد من الشخصيات العامة عن مساندتهم لللاجئين بطرق عدة.
ولكن لم تمض شهور قليلة حتى انحسرت الأضواء عن الأزمة. ومعها لم تختف إنسانيتنا فحسب بل تم استبدالها بمشاعر الخوف والكراهية تجاه اللاجئين إلى أن اصبحت كلمة لاجئ هي المرادف لإرهابي مشتبه به.
أما منذ بضعة أسابيع فقد قابلت علوش...طفل بشوش في السابعة من عمره، أمسك بيدي وأخذني في جولة في الحى الذى يسكنه واستقبلني في بيته وعرفني على عائلته الصغيرة.
بيت علوش هو محل مساحته 20 متر مربع وحيه هو مركز تجارى مهجور في شمال لبنان حيث يقطن هو و700 آخرون من بلده...سوريا.
عائلات كانت لها حياة كاملة مع جيران آخرين وأصدقاء وأعمال يديرونها ومدارس يقصدونها ومجتمع يعيشون وسطه، فروا من أحيائهم وقراهم من مختلف أنحاء سوريا بحثاً عن ملاذ آمن بعيداً عن الحرب.
استوقفتني عبارة أب لثلاثة أطفال يقطن مركز الواحة حين قال "لا يهمني من يقاتل من الآن، في نهاية المطاف أصبحت لاجئ."
وبرغم قصص الرعب التي مروا بها وظروف العيش غير المحتملة فإن سكان مركز الواحة لم يستسلموا، فخلقوا مجتمعهم الصغير داخل المركز ووفروا بداخله الخدمات التي يحتاجونها من محال صغيرة توفر احتياجات الحياة اليومية.
ولكن ما أبهرني بحق هو أن هذا المجتمع الصغير ذو ال700 نسمة قد نجح في انتخاب لجنة لإدارة شئون المركز ومخولة بتمثيل قاطنيه والتعامل مع أي مؤسسات تود التواصل معهم.
شهد مركز الواحة عملية ديمقراطية ونظاما إداريا تفتقدهما الكثير من الدول بكامل مؤسساتها ودساتيرها في مختلف أنحاء العالم.
ولكن لا يزال الوضع غير قابل للاستمرار، فبدون فرص عمل أو مصادر للدخل انفق معظمهم كل مدخراتهم ولم يتبق لهم سوى المحاربة من أجل البقاء على قيد الحياة.
ليس أمامهم سوى الانتظار للعودة لوطنهم. كلما سألت أحدهم من كل من قابلت في طرابلس عما يتمنى كانت الاجابة موحدة...العودة للوطن أولاً.
انضممت لجلسة نقاش مع أعضاء اللجنة الادارية لمركز الواحة وهم جميعاً متعلمين ولديهم وعى سياسي يثير الاعجاب، يتابعون الأحداث وما يجرى في سوريا عن كثب، وفى خضم المناقشة والآراء المختلفة كان تعليق أحدهم هو ما أسكت الجميع حين قال "الحقيقة الوحيدة التي أعرفها هي الموت…".
لم يغرق إيلان وحده العام الماضي بل غرق معه 3700 من اللاجئين. ومن الواضح أن هذه الأرقام لن تتغير هذا العام حيث فقدنا بالفعل أكثر من 3000 من الأرواح لأناس كان هدفهم هو النجاة بحياتهم من الموت الذى يلاحقهم في أوطانهم.
تبهرني قدرة بلدان صغيرة مثل لبنان على استيعاب ما يقرب من 25٪ من سكانها من اللاجئين السوريين، في حين لا تزال دول أخرى متطورة مترددة وغارقة في مناقشات للوصول لقرار بشأن استقبال جزء صغير من تلك الأرقام. ما تم انجازه لا يكفى وما تم اقتراحه لا يحل المشكلة.
تعمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع جميع الدول المضيفة لمساعدة اللاجئين للبقاء على قيد الحياة، والعيش والعودة إلى الوطن في نهاية المطاف.
وإلى جانب الجهود الغير عادية التي يتم بذلها على الأرض تقوم المفوضية بحشد الدعم لعريضة تحت عنوان #WithRefugees أو #مع_اللاجئين والتي سيتم تسليمها للأمين العام للأمم المتحدة قبل القمة العالمية لمناقشة شؤون اللاجئين والمهاجرين في 19 سبتمبر القادم.
وتطالب العريضة الحكومات بتقاسم المسؤولية وتوفير الاحتياجات الأساسية للاجئين وهي التعليم ومنزل آمن والحق في العمل أو تعلم مهارات جديدة للمساهمة بصورة إيجابية في المجتمع.
أنا أقف #مع_اللاجئين وأطلب منكم أن نقف جميعاً معهم. أقل ما يمكن القيام به هو التوقيع على العريضة الآن.www.withrefugees.org/ar. أقل ما يمكن أن نفعله هو أن ننحى كل الخلافات السياسية جانباً وأن نتذكر أننا بشر...لدينا احتياجات متشابهة وطموحات وأحلام وحياة لا تختلف كثيراً عن بعضنا البعض.
لم يكن علوش يعلم من أكون ولماذا جئت...كل ما كان يريده هو أن يظل ممسكا بيدي، أو أن يأخذ أي شخص بيده ليعطيه الإحساس بالاطمئنان ويؤكد له أن الناس ما زالت تهتم ببعضها البعض...أنها لم تنس هذه المأساة وأن إنسانيتها لا تزال على قيد الحياة.
نقلا عن سكاى نيوز