د\ماريان جرجس
كان يهرول للاستديو فى سرعه كبيره واطلق رجليه للريح فى مساء شتاء عاصف ...وامطار تغسل وجه الارض وبالطبع تعطل المرور وحجبت السماء الصافيه عن محبيها السرور
فامتلأ قلب السماء بالغيوم ولكن عن واجبه لم يكن الا بقيوم ...
دخل المبنى ليعتذر عن مظهره طالبا مساعده الجميع فى اخفاء اثار ذلك الجو القاسى وبالفعل اسرع ليعطيهم اشاره البدء واساريره تعلن كل الجديه والاصرار لعلمه بانه ثوان قليله وتفصله عن البث المباشر ....نظر الى الجميع ليتاكد ان كل الاشياء تعمل بكفاءه وان المدير وطاقم العمل ومهندس الصوت والاضاءه ...جميعهم على اتم الاستعداد
وبصوت هادئ جميل سالهم ..كله تمام؟
ايوه يااستاذ 4..3..2 وبدا يعتلى الموقف ويكون سيده
فنظر الى الكاميرا التى بدات صامته ولكن صمتها لم يكن يزعجه فهو لا يخشاها كما تعود الاعلام منه والقى بالتحيه على كل المشاهدين يعزيهم عن سوء احوال الطقس وبابتسامه رقيقه
قال :- يمكن من حسن حظي عشان تبقوا محتمين فى منازلكم من البرد وتسمعونى
فنظر جميع طاقم العمل فى الاستوديو بغرابه شديده لبعضهم البعض
واستطرد الاعلامى الامع قائلا : انا النهرده مش هتكلم لكن الخريطه دى هى الى هتكلم
واخرجها من طيات بدلته المنتقاه وبدا يغوص باعماق الموضوع ويستجلب كل ما اوتى من قوه فكريه وبراعه اعلاميه ليصل لكل مشاهد ويسهل على الجميع فهم المعلومات السياسيه والجغرافيه والحدوديه والتى تتعلق بامن الوطن وبالمخاطر التى تهدد حدود تلك الارض ..مقٌيتا على ايصال المعلومه بشكل بسيط يحيك المعلومه تلو الاخرى دون توقف فى قطار من الكلمات الهادئه ولكن القويه السريعه ليحذر ويحرص ويشجع ويدخل فى كل ما هو شائك من قضايا العصر بل مخاطر الغد التى هى سرعان ما تتحول لمخاطر اليوم ببزوغ اول شعاع للشمس ..
ومع انتهاء حواره وعندما افاق من انغماسه وتركيزه بدأ يلاحظ احباط عام على كل طاقم العمل والمخرج فانهى البث بكل رقه وارسل تحياته للجميع
وبعدها صرخ المخرج فى تهكم قائلا له :- خريطه ايه دى يااستاذنا هو المستمع هيتخيل؟
رد الاعلامى :- مستمع ؟ مستمع ايه !
المخرج :- يااستاذنا احنا على محطه الاذاعه بس نظرا لظروف الطقس انتقلنا لاستديو اخر هو الريجى مبلغكش ؟!
خرج واليأس صديقا وفيا لم يكن ليتركه تلك الليله بلا معطف ولا اى شئ يحميه من البرد القارس وبدا يتجول فى الشوارع التى خلت من الناس يصرخ فيهم او يصرخ فى اروقه مصر كلها فى شوارعها وحواريها فى اغلى بنايتها وفى ابسطها فى مؤسساتها وميدانها
ليه متخيلين ان المواطن هيفهمنى من غير ما يشوف! ليه نتخيل ان القارئ هيشتم ريحه الورد من كتاب بعنوان بستان الزهور ! ليه بنتخيل ان اننا هنذوب فيها عشقا وانا مش شايف واحنا معصوبين العينين ! ليه بنتخيل اننا هنضحى بكل غالى واحنا مش شايفين الصوره ...عفوا يابلدى فانا لن اكون كمن يرُبط عيونها لتدور فى الساقيه ...
فالتف بعض المواطنين حوله من غرابه موقفه فقال لهم ...أعذرونى اصلى كنت بتمنالكم مشاهده ممتعه ولكن العين صماء والاذن ضريره هنا .....هنا .....