فى مثل هذا اليوم 3سبتمبر1981م..
سامح جميل
بعد 35 عاماً علي أحداث سبتمبر 1981م، نحن مطالبون وبشكل عاجل بأن نفتح هذا الملف علي مصراعيه لنناقش كل تفاصيله.. فقد كان أشبه بزلزال مدمر وقعت مصر فيه من عليائها إلي أسفل سافلين.. أو كأن مصر كلها أشبه بروما في عهد نيرون التي حرقها وقتل من فيها إرضاءً لهلاوسه ونزواته. السادات لم يقتل مصر لكنه حبسها، ولكن الفارق بينهما أن نيرون قتل نفسه، بينما قتل السادات فصيل من أعدائه، فيما بدا كأحد روافد أخطاء ٣ و٥ سبتمبر وما سبقها.
وحتي هذه اللحظة، ليس من المعلوم بشكل دقيق دوافع السادات لسجن مصر كلها في زنزانة كبيرة، ولا سر القرارات العشرة، وهي الأسوأ في تاريخ مصر، والتي استخدم لتمريرها المادة ٧٤ العجيبة في الدستور، وغير المعلوم أيضاً الطريقة التي استطاع أن يقنع بها جميع رؤساء تحرير الصحف القومية، ومعظمهم أحياء ولهم مكانة رفيعة بيننا كي يكتبوا الكلام نفسه في صحفهم المختلفة، ولا أن يبرروا للسادات أخطاءه أو يبرر هو أخطاءه من خلالهم.
نعم كانت هناك كوارث في مصر، تطرف إسلامي ومسيحي، أحداث للفتنة الطائفية، قوي قومية ويسارية ترفع صوتها معارضة لاتفاقيات السلام مع إسرائيل.. لكن المهم أن سيناريو المؤامرة كما تم تقديمه للرأي العام لم يحدث كما جري تصويره والضغط به. كانت أحداث الزاوية الحمراء، علي سبيل المثال، قد جرت قبل اعتقالات سبتمبر بنحو ثلاثة أشهر كاملة، ولم يكن التنظيم الشيوعي - الذي أطلق عليه السادات «التفاحة» - موجوداً أو ضالعاً في أي نشاط كما أكدت التحقيقات فيما بعد، ولم يكن الصحفيون ولا أساتذة الجامعات يمثلون أي خطر علي السادات، الخطر الحقيقي كان من تنامي قوة الجماعات الإسلامية والمسيحية سواء الدعوية أو الإسلامية المسلحة في وقت كانت الدولة فيه غائبة تماماً عن ساحة الدعوة والعمل الديني سواء بسوء التقدير من رجال الأزهر والأوقاف والكنيسة أو بتعليمات من السادات. وكشفت الحقائق فيما بعد أن وزارة الداخلية في عهد النبوي إسماعيل ومن قبله ممدوح سالم، فشلت في توقع بأي عمل متطرف، حدث ذلك في قضية الفنية العسكرية وفي تنظيم الجهاد (الأول) ١٩٧٧، وفي اغتيال الشيخ الذهبي، ثم في وقائع سبتمبر وأكتوبر ١٩٨١.
ورغم هذا السيناريو فإنه ليس هناك أوراق يمكن أن تشير إلي الطريقة التي كان يفكر بها السادات في تلك الأيام الحاسمة، كما يقول محمد حسنين هيكل في «خريف الغضب»، قبل أن يصدر أمره بحملة الاعتقالات الواسعة التي تمت يوم ٣ سبتمبر، لقد استقبل وزير الداخلية النبوي إسماعيل، واستقبل أيضاًَ رئيس المخابرات العامة، ولقد أحس وزير شؤون رئاسة الجمهورية -منصور حسن، وكان مفروضاً أنه من المقربين إلي السادات- أن شيئاً ما يجري تدبيره، ولكنه لم يكن يعرف ماذا بالضبط، كل ما عرفه هو ما كان يصل إلي علمه من أن السادات سوف يقوم بإجراءات عنيفة تضع نهاية لحالة التمرد والعصيان التي كان يحس بها، لكن أحداً لم يخطره بشيء محدد، وحاول منصور حسن أن يقابل السادات، لكنه لم يستطع.
وتقترب رواية هيكل مما صرح به مكرم محمد أحمد لـ«المصري اليوم» من أن منصور حسن لم يكن ضمن الفريق المشجع لاعتقالات سبتمبر، لكن مكرم قال إن الأحداث تسببت في خلافات بين السادات وحسن أدت إلي حدوث تغيير وزاري محدود أفقده وزارة الإعلام، وتم تعيينه وكيلاً لمجلس الشعب، قبل اغتيال السادات بأيام.
ويقول هيكل في كتابه «خريف الغضب» إن عملية الانقضاض بدأت فجر يوم ٣ سبتمبر عقب عودة السادات من واشنطن، وكان الانقضاض من خلال حملة اعتقالات واسعة شملت ٣ آلاف شخص، وكانت بعض الاعتقالات بين صفوف الشباب من الطلبة وأعضاء الجماعات الدينية سهلة نسبياً، ولكن اعتقالات بعض الساسة والمثقفين وعدد من القيادات الدينية من المسلمين والمسيحيين، جري تخطيطها بعمليات شبه عسكرية، سواء في التوقيت أو في الإجراءات.
وتجاوز هيكل في عرض هذا الرقم الرسمي الذي أعلنه السادات للتحفظ عليهم وهو ١٥٣٦، والواقع أ أن المتحفظ عليهم كانوا - بالفعل- عدة آلاف، وأن العدد الذي قاله السادات من الممكن أن يكون حصيلة الأيام الثلاثة فقط، لكن الحملات بدأت منذ أبريل ١٩٨١ وانتهت مع نهاية ١٩٨١، أي مع بداية عهد مبارك.
وفي يوم ٦ سبتمبر ١٩٨١ صدرت الصحف القومية، وفي صدر صفحاتها الأولي تفاصيل خطاب الرئيس السادات فى 5 سبتمبر، ووصفته هذه الصحف بأنه أهم وأخطر الخطابات التي ألقاها منذ أن تولي قيادة مصر، واتفقت جميع الصحف، كانت الحزبية إما معطلة، أو مغلقة، علي أن الرئيس كشف بكل وضوح، كل التطورات التي أحاطت بالفتنة الطائفية، وشرح التخطيط الواحد الذي ربط بين كل من شاركوا وحرفوا واستغلوا أحداث الفتنة، سواء من رجال الدين الإسلامي أو من رجال الدين المسيحي أو من الأحزاب المعارضة أو المشتغلين بالعمل العام، وتحدثت الصحف أيضاً في تقديمها لخطاب الرئيس السادات - كان قد ألقاه في جلسة مشتركة لمجلسي الشعب والشوري بعد ظهر الخميس - أن أطرافاً إسلاميين ومسيحيين لم يفهموا رسائله المعلنة لكي يعودوا إلي طريق الوحدة الوطنية.
ولم يفهم الأنبا شنودة «لم تذكره الصحف في هذه الفترة بلقب البابا» رئيس الكنيسة أننا تجاوزنا مرحلة الخلاف الطائفي، واستمر في شحن المشاعر، ولم تفهم الجماعات الإسلامية أن الرئيس المسلم للدولة لن يقبل المساس بأي مواطن خاصة إذا كان كتابياً، أي المسيحي واليهودي لأن هذا أمر القرآن الكريم.
والواقع أن الصحف القومية اختلفت في تناول هذا الحدث الضخم وملابساته لكنها اتفقت علي أنه حدث تاريخي يصحح به السادات الأوضاع، «الجمهورية» تنبأت بأنه ثورة جديدة للسادات في حين ركز موسي صبري في «الأخبار» علي أن ما أصدره السادات في يوم ٥ سبتمبر هو «قرارات ضرب الفتنة» بينما سمتها الأهرام «ثورة العمل الداخلي».
واللافت في هذه المرحلة أن العملية كانت تبدو كأنها مخططة تماماً لخلق رأي عام إيجابي مع قرارات السادات الغزيرة في عصر يوم ٥ سبتمبر وما تلاها من قرارات حتي يوم اغتياله ظهر يوم ٦ أكتوبر، كان حجم القرارات ضخماً والاتهامات عصيبة ولا تستثني أحداً، كان الكل إما متهماً أو ضالعاً في مؤامرة ٥ سبتمبر، حتي ولو بتصديق ما يقوله السادات وتروج له وسائل إعلامه وكأنه دستور محكم.
ورغم أن القرار الأكثر شهرة في هذا اليوم هو قرار التحفظ علي ١٥٣٦ شخصاً، قال السادات، إنهم شاركوا أو استغلوا أحداث الفتنة الطائفية، فإننا نقول إن هذا القرار ربما كان أقل أهمية وخطورة من ٩ قرارات أخري أصدرها السادات تحت قبة مجلس الشعب وبدأت أجهزة الدولة في العمل بها فوراً، علماً بأن بعض القرارات كان قد بدأ العمل بها قبل ذلك بنحو أسبوع علي الأقل.
وكان السادات قد أنهي خطابه بتوجيه بيان إلي الشعب ضمنه القرارات والإجراءات التي اتخذها، والتي وردت في البيان كالتالي:
بسم الله.. منذ فترة ليست بالقصيرة حاولت بعض الفئات المخربة في مراحل متعددة إحداث فتنة طائفية بين أبناء الأمة وعملت جاهدة للقضاء علي وحدتها الوطنية، مستعملة في سبيل تحقيق أغراضها بعض الشعارات المضللة والوسائل غير المشروعة نفسية ومادية لتعويق مسيرة الشعب في طريق تنميته وازدهاره وديمقراطيته، وقد تصدت الحكومة لهذا كله بالإجراءات العادية تارة والنصيحة مرة أخري، وبالتوجيه والإرشاد مرات..
وفي الآونة الأخيرة بصفة خاصة وقعت أحداث جسيمة هددت الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، إلا أن هذه الفتنة الباغية قد استرسلت في غيها واستهانت بكل القيم والقوانين، وتنكبت عن الطريق السوي وسلكت سبيل العنف والإرهاب وسفك الدماء وتهديد الآمنين، كما أن بعض الأفراد قد استغلوا هذه الأحداث وعملوا علي تصعيدها، الأمر الذي يجب معه اتخاذ إجراءات سريعة وفورية لمواجهة هذا الخطر الذي هدد الوحدة الوطنية وسلامة الوطن، انطلاقاً من مسؤوليتنا الدستورية المستمدة من أحكام المادة ٧٣ من الدستور، وإعلاناً للصلاحيات المخولة لنا بمقتضي المادة ٧٤ من الدستور، والتي تنص علي أن لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر، ويوجه بياناً إلي الشعب ويجري الاستفتاء علي ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها.
.. قررنا:
أولاً: حظر استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية، وحظر استغلال دور العبادة لهذا الغرض أو في المساس بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي، أو سلامة الوطن، فلا سياسة في الدين ولا دين في السياسة.
ثانياً: التحفظ علي بعض الأشخاص الذين توافرت قبلهم دلائل جدية علي أنهم قد ارتكبوا أو شاركوا أو جندوا أو استغلوا علي أية صورة كانت الأحداث التي هددت الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو سلامة الوطن.. أسماء هؤلاء.. ده القرار الثاني.. أسماء هؤلاء الأشخاص مطبوعة في القرار والقرار جاهز في الصحف الآن وسيوزع عليهم.
ثالثاً: التحفظ علي أموال بعض الهيئات والمنظمات والجماعات والجمعيات التي مارست نشاطاً أو أعمالاً هددت الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو سلامة الوطن.. ووقعت قرار رئيس الجمهورية رقم ٤٧١٥ لسنة ٨١ في شأنها، وهي أيضاً جاهزة ستوزع عليكم وعلي الصحف.
رابعاً: حل بعض الجمعيات المشهرة، وفقاً لأحكام القانون رقم ٢٢ لسنة ١٤ في شأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة والتي مارست نشاطاً هدد الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو سلامة الوطن، وصدر قرار رقم ٤٩٢ لسنة ٨١.
خامساً: إلغاء التراخيص الممنوحة بإصدار بعض الصحف والمطبوعات مع التحفظ علي أموالها ومقارها.
سادساً: نقل بعض أعضاء هيئة التدريس والجامعات والمعاهد العليا الذين قامت دلائل جدية علي أنهم مارسوا نشاطاً له تأثير ضار في تكوين الرأي العام، أو تربية الشباب أو هدد الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو سلامة الوطن، نقلهم إلي الوظائف التي يحددها وزير الدولة للتعليم والبحث العلمي بالاتفاق مع الوزراء المختصين.
سابعاً: نقل بعض الصحفيين وغيرهم من العاملين في المؤسسات الصحفية القومية وبعض العاملين في اتحاد الإذاعة والتليفزيون والمجلس الأعلي للثقافة الذين قامت دلائل جدية علي أنهم مارسوا نشاطاً له تأثير ضار في تكوين الرأي العام أو هدد الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو سلامة الوطن، نقلهم إلي هيئة الاستعلامات أو غيرها من الجهات الحكومية التي يحددها رئيس مجلس الوزراء.
ثامناً: إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم ٢٧٨٢ لسنة ٧١ بتعيين الأنبا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وتشكيل لجنة للقيام بالمهام الباباوية من خمسة من الأساقفة وهم:
١- الأنبا مكسيموس أسقف القليوبية، وهو عالم قبطي سبق أن ترشح للكرسي البابوي.
٢- الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة وكنائس المهجر، وكان مرشحاً سابقاً للبطريركية.
٣- الأنبا غرغريوس أسقف البحث العلمي والدراسات القبطية العليا ومدير المعهد العالي للدراسات القبطية.
٤- الأنبا اثناسيوس أسقف بني سويف والبهنسة وهو يشغل حالياً منصب وكيل الهيئة العليا للأوقاف القبطية وسكرتير سابق للمجمع المقدس.
٥- الأنبا يوأنس أسقف الغربية وسكرتير حالي للمجمع المقدس.
وعقّب السادات علي القرار الأخير بقوله: أجريت هذا بعد أن استشرت المخلصين للبلاد والكنيسة وعلي هؤلاء الأساقفة سرعة معالجة الشعور القبطي العام في الداخل والخارج لكسر حاجز التعصب والحقد والكراهية وبث روح المحبة والتسامح، وعلي هذه اللجنة أن تتقدم للحكومة بكل الاقتراحات المناسبة لإعادة الكنيسة إلي وضعها التقليدي الأصيل كنسيج حي في جسم الدولة...!!