الأقباط متحدون - البطران آخرته قطران!
أخر تحديث ٠٧:١٦ | السبت ٣ سبتمبر ٢٠١٦ | مسري ١٧٣٢ش ٢٨ | العدد ٤٠٤٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

البطران آخرته قطران!

مفيد فوزي
مفيد فوزي

■ أول مرة أسمع هذه العبارة من أمى وكنت بعد صبياً، يومها قالت تنهرنى حين رفضت طبق الخبيزة «ما تتبطرش ع النعمة»، ولم أفهم مغزى مقولتها الغاضبة، وأعترف أننى كنت أفضل السبانخ على الخبيزة ومازلت!، لكن المعنى الذى اختزنته طويلاً هو «البطر» حتى فهمته وقرأت عنه وأدركت أنه «صفة مذمومة» كما يصفها المجمع اللغوى، وعرفت أكثر عن البطر الذى يصيب الشعوب وبعض الناس.

■ البطر هو أن «تتكبر عن الحق ولا تراه حقاً» ويقال «بطرت بمعيشتها» أى بطرت بالنعمة. والقرطبى يقول (البطش بالنعم هو البطر بعينه). وفى لسان العرب يقال «البطر طريق الدمار»، وفى اللغويات يصفون البطر بأنه «الأشر»، ومعاجم اللغة لديها تعريف للبطر بأنه «التبختر وقلة احتمال النعمة والحيرة من أمر الخير بجهل». والنعمان وهو حكيم يمنى يقول «الكبر هو بطر الحق»، وعماد بن بشير من الجزيرة العربية سئل عنه فقال «إن للشيطان مصائد وفخوخاً، ومن فخوخه البطر بنعمة الله».

■ وفى حياتنا العامة صنوف من البطر، منها على سبيل المثال: زوجة تقارن نفسها بأخرى وتحسدها، موظف ناقم على حياته لأنه طوال الوقت يسدد ديونه، رجل ثرى يحقد على ثرى يملك طائرة فى تنقلاته ومن فرط البطر دخل المستشفى ليركب ثلاث دعمات لقلبه. شاب حديث التخرج من الجامعة ضبط مرتين فى هجرة غير شرعية لسواحل إيطاليا وأعادته السلطات لأنه يحلم بثراء سريع.

■ البطر ضد القناعة والرضا بما قُسِم لك ولإدراك أن «الله موزع الأرزاق» وأن «ما لك سوف يأتيك». البطر حالة انقلاب على الرزق مع أن «الصحة رزق والسمعة الحسنة رزق والأولاد الأصحاء عقليا رزق». البطر هو «أن ترفض واقعك ولا ترضى به ولا تتكيف معه»، البطران يفتح الباب للشيطان ويسقط فى الفخ ويظن أن النعمة عند أطراف أصابعه. البطر صفة مرذولة وليست الطموح.. أو الرغبة فى النجاح. وقيل للعقاد: ما البطر عندك؟ فقال: هو التشكيك يا مولانا فى عطاء الله للفرد. وكان الشيخ الشعراوى يردد «قل الحمد لله لتصون النعمة ولا يبتليك بالبطر».

■ أمى لم تكن فليسوفة حين قالت لى «ما تتبطرش ع النعمة» يوم رفضت غداء الخبيزة، إنما كانت تنصحنى باحترام النعمة وأننا أفضل من غيرنا، كانت تقول دائماً «الله يضع الكثير فى القليل» وهى إحدى آيات الإنجيل المقدس، والبشر فى هذه الحياة نوعان (واحد راضى بقليله) و(الثانى الشراهة عنوان حياته)، وفى حكمة الخلق الله لم يخلقنا نسخة واحدة «لو شاء ربك وحد الأقواما»، وجينات الناس مختلفة وقدرات الذكاء متباينة واستيعاب كل إنسان للحياة يتفاوت من إنسان لآخر.

■ وفى زمن ما بعد الثورة الينايرية- غير الميمونة- حيث طفح الشعب المصرى بأسوأ ما فيه، هبطت الأخلاق وعمت الفوضى غير الخلاقة وتفشى الجهل وانتشر الجموح والسرقات وقفز الإخوان على جواد الحكم بالترهيب بحرق البلد إن لم يحصدوا كفاح ثمانين عاماً عاشوا يحلمون خلالها بهذه اللحظة، وهاجر من مصر المسلمون قبل أقباطها، وطلبوا من الله لحظة الخلاص من الجماعة.

■ جاء عبدالفتاح السيسى إلى الحكم وفقا لسيناريو إلهى هدفه فى حكمته العليا «تخليص البلد من حكم عبث بكل شىء واعتبر الجماعة دولة داخل دولة»، جاء السيسى فى ظروف توصف بأنها «أسوأ ما مر بمصر من الأخونة الشرسة وهواة السياسة وإخضاع كل شىء للمرشد ودولة المرشد والحاكم الذى يأتمر بأمر المرشد»، لم تعش مصر عصراً أسوأ من ذلك الزمن البربرى، ولهذا كانت لحظة خلاص الشعب المصرى من حكم الإخوان لحظة فارقة ومحورية فى حياة المصريين، ويا خوفى من البطر عبر نظرة ضيقة لما يجرى!.

■ يوم جاء السيسى خرجت مصر من أقصاها إلى أقصاها، من المحافظات والأقسام والمراكز والقرى والنجوع، رجالا ونساء وشبابا وأطفالا إلى الشوارع «قرابة 34 مليونا وربما أكثر»، خرجت تزف البطل الذى أنقذ مصر من مصير محتوم يضرب جوهرها وروحها فى مقتل ويغتال حلم الإمارة الكبرى، ومنذ جاء السيسى إلى سدة الحكم، بأغلبية غير مسبوقة وجاء منافسه، بأقلية غير مسبوقة، رأينا مشهد «الغربان» يحوم فوق رأسه، فهل تركناه وحده يحارب الطابور الخامس؟!.

■ هؤلاء هم أعداء السيسى: 1- بسطاء يصدقون الميليشيات الإلكترونية الإخوانية البارعة الممنهجة على اختبار عقلية البسطاء وبث الشائعات فى المساجد وفى طرق المواصلات ويسهل تصديقها حيث تحبك أطرافها بعناية ولا يجد البسطاء من يفندون هذا الهراء. 2- بعض رجال الأعمال الذين ضربت مصالحهم ويسعون لإرضائه بأسلوب غير التبرعات للبلد من ملياراتهم «علشان تقوم». 3- بعض خبثاء الإعلام يلتقطون الباطل ويقومون بتسويقه سياسياً. 4- بعض المتفذلكين من المثقفين أساتذة إهدار الوقت فى مناقشات ومراوغات لا يعرفها فرسان الصحارى الذين يعملون تحت الشمس الحارقة من أجل أن تعود مصر إلى وجهها الصبوح. 5- مخابرات العالم المضادة لمصر وتبوئها مكانتها وحجمها السياسى على خريطة العالم. 6- الإخوان الراقدون فى الذرة والمتعاطفون معهم والساكنون فى المفاصل، مفاصل الدولة والكثير من وزاراتها وأتباع الهوى السلفى المتظاهرون بالوداعة وهم أشد بأسا من «إخوانهم»، الذين يكنون العداء لأقباط مصر ومحاولات من الدولة بمباريات شطرنج لا تنتهى!. 7- شباب غير فاهم أن السيسى اختاره «ظهيراً» له وذراعا سياسية. 8- المعذبون من الغلاء وارتفع شغف طموحاتهم، ولا أحد يصدق عدد من بين أصابعه موبايل!! أعلى رقم فى العالم. 9- المتشككون فى الإصلاح، وهم الذين يثيرون التشكيك فى المشروعات الكبرى ذات العائد غير الفورى مثلما تظن شريحة كبيرة من الناس. 10- حكومات عاجزة عن الإخراج الجيد للقضايا فالإخراج السيئ يزرع السخط!.

■ قلت أكثر من مرة على الشاشة وفوق الورق «أنا مستعد أبلع الزلط للسيسى» قلتها عن قناعة ولا أبغى شيئاً لا رضاء سامياً ولا اهتماماً سيادياً ولا منصباً ولا أى ثمن، فأنا أعيش من قلمى ككاتب ومحاور، وفى البلد «مخلصون» بالملايين يقفون مع السيسى فى خندق واحد يحافظون عليه وينتظرون منه الحياة السهلة بعد أن شبعوا وعوداً وأصابتهم التخمة، وهذه الملايين تعلم علم اليقين أن رئيسهم رجل مخلص أمين لا يفرط فى حفنة تراب ويحارب وحده فى أكثر من جبهة ويلعب بكل مهاراته ويعتمد على العسكريين من رجال القوات المسلحة بعد صدمته فى مدنيين كثر، ويعلمون أنه «حليم» وله وجه آخر عند الشدة، ويعملون أن أجهزته الرقابية مبثوثة فى أجهزة الدولة تطارد وباء الفساد بكل صوره وأشكاله، ويعلمون أنه يرعى الله فى قراراته.

■ عندما أشم الآن، وحاسة الشم عندى قوية، رائحة البطر «وأسمع همسات البطر» ونفقد الصبر على الرجل ليطل «البطر»، فلا نعى أن البديل مخيف مخيف، ويملؤنا البطر، ومن الأمانة والوطنية أن نحافظ على السيسى فلا نواجه السيناريو الإلهى بالبطر ولا نستعجل الرجل على المكاسب الصغيرة المؤقتة ويركبنا عفريت البطر ونكون قد ارتكبنا خطيئة كبيرة مبعثها وهاجسها رياح البطر التى تهب على النفوس الضعيفة، ولست بالمناسبة أدعو إلى الصمت أو الانكسار أو التبلد، بالعكس أنا أحلم بدولة يعزف مواطنوها لحن العمل والأمل وليس اليأس والبطر، دولة تحاسب الحاكم بحضارة لا بهمجية، وتبصره بجوهر الشعب الغالى.

■ هناك مثل عامى من تراث شعبى قديم يقول «البطران آخرته قطران».

فـ... هل فهمتم مضمون سطورى؟! أم أستدعى «الفهامة»؟. وبالبلدى «بلاش بطر»، ونتحمل قليلاً أعباء مرحلة وأدويتها المرة. إن عامين ليسا اختباراً لرجل قام بأخطر مغامرة، لأن زئير الشعب كان أقوى من دوى المدافع. نسانده بوعى نقف معه جنبا إلى جنب بفهم. نلفت نظره بتحضر وننخرط فى ساحة العمل نعيد للتصدير بهاءه وللسياحة تدفقها، ونأكل من قمحنا ونستغنى عن العالم ليكون قرارنا فى أيدينا، نتخلى عن ركن «عواحيز الفرح» دائم القر والنقد والنكد.. نقدم للقائد حماسا غير مثقوب، ولا نهدر وقته ووقت مصر بملاحم كلام الكلام، فالدول تتقدم بالفعل. بلاش بطر فـ.. «البطران آخرته قطران».
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع