«إنى أذكر سباقاً بالمجداف قمنا به فى بحر عجاج متلاطم الأمواج كان الغرض منه البلوغ بالقوارب إلى جزيرة قريبة من الشاطئ فى بلدتى (قولة)، ولكن أقرانى ما لبثوا أن تراجعوا وخارت عزائمهم. أما أنا، وبالرغم من تسلخ جلد راحتى، وقد كان لا يزال ناعماً، أخذت أجدف مقاوماً الموج والريح حتى أدركت الجزيرة.. وهى اليوم ملكى، وهى جزيرة (طشيوز)»، كانت هذه كلمات محمد على التى قصّها على الأمير «بوكلر موسكو» الذى زار مصر وقابل محمد على وكتب كتاباً عن «مصر تحت حكم محمد على» عام 1844.. هذه الجزيرة «ثاسوس» باليونانية أو «طشيوز» بالتركية تقع فى المقابل القريب جداً لإقليم «كافالا» أو «قولة» فى مقدونيا شمال شرق اليونان، وتطل على بحر «إيجة» الذى يقع بين تركيا واليونان.. وأخذ محمد على حكم هذه الجزيرة من السلطان العثمانى مكافأة على انتصاره فى الحروب الوهابية بأرض الحجاز، وظلت تحت حكم مصر منذ عام 1813 وحتى عام 1848، وسقطت تبعيتها لمصر وعادت للدولة العثمانية مرة أخرى حتى خسرتها فى حرب البلقان عام 1912 وعادت ملكيتها لليونان وما زالت إلى يومنا هذا.. ولكن محمد على الذى كان يعتز كثيراً بمسقط رأسه وأهل بلدته أنشأ فى «قولة» وفى جزيرة طشيوز منشآت خيرية عديدة ومستشفيات، وأنشأ على شاطئ «قولة»، وبالقرب من منزل والده الذى ولد فيه، مجمعاً كبيراً يشمل مدرسة للصبيان «ابتدائية» وكتّاباً لتحفيظ القرآن ومدرسة للعلوم الدينية وكلية هندسة للعلوم البحرية مع مكتبة و60 حجرة لبيت الطلبة ومطبخ يعد الوجبات المجانية للطلبة وللمحتاجين من أهل قولة، وسُمى هذا المجمع «عمارة محمد على»، وتم بناؤها ما بين عام 1808 وعام 1821. أُعجب السلطان العثمانى بالمشروع وأنعم على المجمع بوقف عشور جزيرة «ثاسوس» وكانت أموال الوقف من رسوم رسوّ السفن ومن الإنتاج الزراعى، إلا أن نفقات هذا المجمع كانت كبيرة فاضطر محمد على لإضافة وقف من أراضى كفر الشيخ بمصر يساوى وقف عشور الجزيرة عام 1843. وعندما زار محمد على قولة عام 1848 كان هذا المجمع فى قمة كماله ونشاطه.. وبعد وفاة محمد على تأسست إدارة خاصة للأوقاف للإشراف على هذا المجمع وعلى باقى أملاك محمد على فى قولة بما فيها منزل والده والأملاك الأخرى فى جزيرة طشيوز، وما زالت كلها تتبع الأوقاف المصرية إلى يومنا هذا. وقع المجمع العلمى فريسة الإهمال الشديد لحساسية اليونان من كل ما هو تركى، حتى بادرت ابنة قولة «آنا سيريان» بمبادرة لإنقاذ المبنى وترميمه وتحويله إلى فندق بالاتفاق مع وزارة الأوقاف المصرية على إيجار سنوى.