الأقباط متحدون - حكاية جزيرة «ثاسوس»
أخر تحديث ٠٠:٥٣ | السبت ٣ سبتمبر ٢٠١٦ | مسري ١٧٣٢ش ٢٨ | العدد ٤٠٤٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

حكاية جزيرة «ثاسوس»

د. لميس جابر
د. لميس جابر

 «إنى أذكر سباقاً بالمجداف قمنا به فى بحر عجاج متلاطم الأمواج كان الغرض منه البلوغ بالقوارب إلى جزيرة قريبة من الشاطئ فى بلدتى (قولة)، ولكن أقرانى ما لبثوا أن تراجعوا وخارت عزائمهم. أما أنا، وبالرغم من تسلخ جلد راحتى، وقد كان لا يزال ناعماً، أخذت أجدف مقاوماً الموج والريح حتى أدركت الجزيرة.. وهى اليوم ملكى، وهى جزيرة (طشيوز)»، كانت هذه كلمات محمد على التى قصّها على الأمير «بوكلر موسكو» الذى زار مصر وقابل محمد على وكتب كتاباً عن «مصر تحت حكم محمد على» عام 1844.. هذه الجزيرة «ثاسوس» باليونانية أو «طشيوز» بالتركية تقع فى المقابل القريب جداً لإقليم «كافالا» أو «قولة» فى مقدونيا شمال شرق اليونان، وتطل على بحر «إيجة» الذى يقع بين تركيا واليونان.. وأخذ محمد على حكم هذه الجزيرة من السلطان العثمانى مكافأة على انتصاره فى الحروب الوهابية بأرض الحجاز، وظلت تحت حكم مصر منذ عام 1813 وحتى عام 1848، وسقطت تبعيتها لمصر وعادت للدولة العثمانية مرة أخرى حتى خسرتها فى حرب البلقان عام 1912 وعادت ملكيتها لليونان وما زالت إلى يومنا هذا.. ولكن محمد على الذى كان يعتز كثيراً بمسقط رأسه وأهل بلدته أنشأ فى «قولة» وفى جزيرة طشيوز منشآت خيرية عديدة ومستشفيات، وأنشأ على شاطئ «قولة»، وبالقرب من منزل والده الذى ولد فيه، مجمعاً كبيراً يشمل مدرسة للصبيان «ابتدائية» وكتّاباً لتحفيظ القرآن ومدرسة للعلوم الدينية وكلية هندسة للعلوم البحرية مع مكتبة و60 حجرة لبيت الطلبة ومطبخ يعد الوجبات المجانية للطلبة وللمحتاجين من أهل قولة، وسُمى هذا المجمع «عمارة محمد على»، وتم بناؤها ما بين عام 1808 وعام 1821. أُعجب السلطان العثمانى بالمشروع وأنعم على المجمع بوقف عشور جزيرة «ثاسوس» وكانت أموال الوقف من رسوم رسوّ السفن ومن الإنتاج الزراعى، إلا أن نفقات هذا المجمع كانت كبيرة فاضطر محمد على لإضافة وقف من أراضى كفر الشيخ بمصر يساوى وقف عشور الجزيرة عام 1843. وعندما زار محمد على قولة عام 1848 كان هذا المجمع فى قمة كماله ونشاطه.. وبعد وفاة محمد على تأسست إدارة خاصة للأوقاف للإشراف على هذا المجمع وعلى باقى أملاك محمد على فى قولة بما فيها منزل والده والأملاك الأخرى فى جزيرة طشيوز، وما زالت كلها تتبع الأوقاف المصرية إلى يومنا هذا. وقع المجمع العلمى فريسة الإهمال الشديد لحساسية اليونان من كل ما هو تركى، حتى بادرت ابنة قولة «آنا سيريان» بمبادرة لإنقاذ المبنى وترميمه وتحويله إلى فندق بالاتفاق مع وزارة الأوقاف المصرية على إيجار سنوى.

 
هذه هى قصة جزيرة «ثاسوس أو طشيوز» التى ثار مؤخراً حولها جدل غريب، وتناثرت كلمات أغرب وأعجب، حتى وصل الحال بالبعض إلى أن قالوا بثقة يُحسدون عليها بأن الرئيس السيسى تنازل عن جزيرة مصرية لليونان فى عملية تعيين الحدود البحرية!! ولم يكلف أحد من هؤلاء الذين يقولون هذه الخزعبلات ويرددونها كالببغاوات دون فهم نفسه أن يفتح كتاباً أو يبحث فى خريطة ليعرف أين تقع هذه الجزيرة. تخيلوا أن الرئيس يتنازل عن جزيرة يونانية قريبة جداً من شاطئ قولة وتطل على بحر إيجة الذى يفصل تركيا عن اليونان.. تخيلوا هذه الجزيرة اليونانية منذ أيام الإسكندر المقدونى والتى يعيش عليها حوالى أربعة عشر ألفاً من أهل اليونان مصرية؟
 
ولماذا الكسل عن البحث والدراسة، فربما تنازل الرئيس أيضاً عن جزر «كريت» و«مالطة» و«رودس» و«صقلية» و«سردينيا» و«كورسيكا»، وهذه الجزر على الأقل تطل على البحر المتوسط، يعنى برضه جائز وممكن تكون بتاعتنا واحنا ناسيين من كتر المشغوليات.
 
أنا لا ألوم على كتائب هؤلاء الخونة الذين يتعمدون إشعال نيران المشاكل حولنا واختلاق قصص وهمية شديدة السذاجة من أجل تأجيج الفتنة ونشر الكذب والضلال.. ولكنى ألوم على من يردد هذه الأقوال بعد قراءتها دون أن يعبر بها على عقله دون أن يحاول أن يتحقق منها أو حتى يُخضعها لمنطق أو مبرر.. ولكن يبدو أن مزاج التواصل الاجتماعى العام واقع فى حب التشويه وحب ترديد كل ما هو سلبى وسيئ ومحبط.. وهو يفعل هذا دون تفكير ودون وعى ودون أن يعرف أنه يقوم بطلاء الأيام المقبلة بالسواد والقتامة. ومثل ما حدث فى هوجة تيران وصنافير، فقد رأيت شباباً يقسمون بأغلظ الأيمان بأن الجزيرتين مصريتان.. وأيضاً دون بحث ودون علم أو معرفة، وليس لشىء سوى أن تصبح الدولة المصرية والحكومة المصرية والرئيس المصرى فى دائرة الشك والتخوين.. لماذا؟ لا أعلم، ولا أستطيع أن أفهم، ولا أملك سوى أن أكشف رأسى وأدعو على كونداليزا وكيرى وكلينتون وكل من هو من ملاعين الأمريكان ومخابرات الربيع العربى والشرق الأوسط الجديد والفوضى الهدامة.. وهذا ما نعيش أجواءه هذه الأيام.. التخوين والكذب وإشاعة اليأس والبلبلة، وهل بعد كل هذا نفكر أننا نعيش الفوضى ونحاول أن نهدم مصر بأيدينا؟
نقلا عن الوطن

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع