محمد حسين يونس
كتبت هذا البوست عدة مرات .. و في كل مرة أعيد مضمونه حتي (لا أصيب قوم بجهاله .. فأصبح علي ما فعلت من النادمين ) ردود بعض الأصدقاء علي بوست أمس .. (رغم أنني حاولت قدر جهدى أن يكون موضوعيا) .. أزعجتني .. فأنا كما صرحت عدة مرات أحترم عقائد البشر حتي لو كان معتنقيها أفراد معدودين إلا أن من حقهم أن يلقوا كامل الإحترام
... أرجوا ألا يتصور البعض أنني اخفي بنقدى لرجال الدين .. هجوما علي عقيدتهم .. فأنا مؤمن بأن ((لكم دينكم و لي دين )) .
ثالثا : عندما قرر عبد الناصر أن يحكم دولة عصرية ، اهتم بأن تكون مكانة المرأة فيها تعكس هذا الطموح ، فمنحها دون صراع مكاسب جعلت منها وزيرة ، سفيرة ، نائبة في البرلمان و فتح أمامها مجالات التعليم والعمل والترقي والمشاركة في الهم العام .
فأضاءت سماء مصر نجمات من العاملات في الاذاعة والتلفزيون ، الصحافة والتعليم ، الجامعة والمسرح ، وجميع مجالات الحياة الاقتصادية .
هذه المكاسب الممنوحة كانت مرتبطة بمدى الطاعة والولاء للمانح ( وفي بعض الاحيان لنزواته ) لذلك جاءت حركة تحرر المرأة ، نقلة ليست للأفضل لأن مضمونها ظل يكرس التبعية والتهميش الذى عانت منه المرأة الشرقية لعقود طويلة ..وهو الامر الذى أصبح الاسلوب والمنهج لكل الحكام الذين لهم الكلمة الاولي والاخيرة في المنح والمنع.
النظام الناصرى وظف المرأة ( كما فعل مع الشعراء ، الفنانين ، الكتاب والاقباط ) لتكون داعمة لآلة سيطرته علي حركة ومقدرات المجتمع .. وهكذا أصبحت المرأة ( كما ارادها ) خير رسول وأفضل معبر عن عصرية الدولة ، أمينة السعيد ، سهير القلماوى ، حكمت أبو زيد ، نوال عامر ، أم كلثوم ، ليلي رستم ، صفية المهندس وفاتن حمامة .. بالاضافة الي الآف الكاتبات ، العالمات ، المهندسات والطبيبات . اللائي غني لهن صلاح جاهين (( البنت زى الولد .. م هيش كمالة عدد )).
علي الجانب الاخر كانت المخابرات لديها قطاع خاص يشرف عليه و يسيره سيادة الوزير صفوت الشريف يستخدم نجمات السينما والمسرح والعاملات في الملاهي والكباريهات والاماكن المشبوهة (بعد السيطرة عليهن) .. للإيقاع بالصغار والكبار من زوار مصر.
المرأة المصرية في الزمن الناصرى لم تكمل ثورتها التي بدأتها مع هدى شعراوى وصفية زغلول و سيزا النبراوى .. واكتفت بالمكسب السهل الذى منحها اياه النظام فأصبحت غير قادرة علي مواجهة الهجمة الوهابية التالية.
الرئيس المؤمن رغم أن السيدة حرمه كانت نجما ساطعا فى مجال تحرر المرأة ، بحيث سمحت للرئيس الأمريكى أن يقبلها أمام الجميع ، إلا أنه كان أيضا رب العائلة الفلاح الذى لا يترك للحريم الحبل على الغارب فيستكملن ثورتهن ، فلقد نكّل بآنسات الحركة الطلابية اللآئى شاركن زملاءهن فى المطالبة بإزالة آثار العدوان ، وأطلق عليهن زبانية المتطرفين ، يرهبهن بالسلاح الأبيض والتشهير ، ويلوحون لهن بالحجاب لإثبات أنهن لسن بداعرات متبرجات فاسدات .
البذور التى وضعها (خالد الذكر) فى الأرض المصرية نمت وترعرعت وأتت ثمارها فى زمن المبارك ، ورغم ان السيدة الأولى كانت سافرة ومهتمة بقضايا المرأة وزوجتى ولديه كانتا أيضا سافرتين عصريتين .
إلا ان الانشقاق حدث فى المجتمع بسبب تطور سلوكيات الذين كونوا ثروات طائلة و إنتهى بهم الى تكوين تجمعات سكانية تشبه الجيتو تحرسها الكلاب البوليسية ورجال أمن قطاع خاص ، وتمنع عنها المتطفلين
بحيث أصبح بينهم إتفاقا غير مكتوب جعل منهم شريحة منفصلة عن باقى طبقات المجتمع ، تتمتع بالأمن والمال والنفوذ وعلاقة حميمة بالغرب وأمريكا تنعكس على الملابس والطعام ونوع العربات وأسلوب الترفيه .. و العلاقات المتحررة بين الجنسين.
باقى طبقات الشعب خارج الجيتو ، تركت نهبا للعشوائية ورجال الوهابية الذين جعلوا من الأغلبية مكسورات الجناح خاضعات مستسلمات لفكرة تفوق الرجل .
بل تكون لدى البعض منهن متعة فى إستقبال الاهانة والإيذاء ثمنا لكسب العيش فى مجتمع ذكورى متخلف يمتلك الرجل فيه مفاتيح خزائن المؤن والكرار .
كهّان الوهابية عندما دخلوا مصر أفسدوها وأشعلوا نيران البغضاء بين أهلها ، المسلم والمسيحى .. الرجل والمرأة .. الملتحى وغير الملتحى .. السافرة والمختفية داخل خيمة سوداء .
نمط آخر من الحياة خططوا له على مهل لإفقار مصر وتخريب اقتصادها ، بإرهاب السياح والتهديد بتدمير الآثار وتحريم التعامل فى البنوك ، و فتح جبهة قتال فى سيناء..
العالم تغير منذ ألف سنة ، إلا فى هذه البقعة .. العالم يعتمد فى نموه على الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان .. إلا فى هذه البقعة ، العالم ينمو بجهد النساء والرجال .. إلا فى هذه البقعة التى جعلت هدف رجالها الأسمى البحث عن وسائل تعويق وإذلال وتهميش كل من لا يساير دعاتهم ، سواء من كانوا يخالفونهم فى الدين أو كن مصريات معتزات ، أو معارضين أو أساتذة أو رجال علم أو إقتصاديين ، إنه تراث أفراد الجماعات الغازية( ملوك) الزمن الحالي عندما يدخلون قرية يفسدونها ويحولون الأعزة الى أذلة.