محمد حسين يونس
يتصور البعض أنه بمجرد دخول عمرو بن العاص لمصر .. تحول المصريون (أفواجا ) إلي الدين الإسلامي .. و أصبحوا يتحدثون ويكتبون بلغة المحتل (العربية) .. و هو أمر يجانبه الصواب ..
لقد بدأ التأسلم في البداية كهروب من دفع الجزية ..و لم يكن عن إقتناع بدين جديد.. فالقران حتي زمن الخليفة عثمان لم يكن قد دون .. و اللغة العربية قبل أسود الدوؤلي .. كانت منطوقة تكتب بدون تنقيط
و بالتالي لم يترجم كتاب الله إلي اليونانية اللغة الرسمية في مصر أوإلي القبطية لغة الكنيسة .. و المصريون كانوا يجهلون العربية ولا يتحدثون بها ..و لم يتيسر لعمرو أن يكون لديه أعداد من المترجمين يتقنون اللغات الدارجة ليوظفهم في الدعوة لدينه بين الموالي .
...اول من عرب دواوين الحكومة المصرية كان الوليد بن عبد الملك عام 706 م .أى بعد 67 سنة من الغزو العربي (الذى تم في ديسمبر 639) و قد ساعد هذا علي شيوع اللغه العربيه وانتشارها بين الاقباط بعد ان اصبحت لغه الاداره فاضطروا الي معرفتها حتي يتمكنوا من الاحتفاظ بمناصبهم ووظائفهم.
و هكذا بعد أجيال عديدة .. بدات تحل العربية ذات اللكنة المصرية ..محل اللغات السائدة
ومع ذلك فيمكن القول ان انتشار اللغه العربيه في مصر كان ابطا من انتشار الدين الاسلامي ، اذ تشير وثائق البردي الي ان الحكومه كانت تستخدم اللغتين العربيه واليونانيه حتي القرن الثامن الميلادي ،في الوقت الذي كانت فيه السلطات المحليه في الريف تكتب باللغه القبطيه .
ويبدو ان انتشار اللغه العربيه لم يتم بشكل كبير حيث تذكر الروايات التاريخيه ان الخليفه المامون حينما غزا مصر كان لا يتحرك ابدا الا والتراجمه بين يديه من كل جنس ، وعلي هذا يمكن القول ان اقباط مصر لم يتخلوا عن لغتهم الا ابتداء من القرن العاشر الميلادى أى بعد نصف قرن .
المصريون كان إسلامهم شكليا إما هروبا من الإضطهاد المذهبي أو تسلقا و تزلفا من أجل المناصب وهكذا تدينوا به علي مرحلتين الأولي تمت ببطء و لأعداد محدودة خصوصا عندما لم يجدى إسلامهم في رفع الجزية عنهم .. و الثانية بعد الإحتلال الفاطمي و تقديم قراءة شيعية للدين أكثر مرونه بحيث إستوعبت التقاليد المصرية .
و يبدو أن نشر الإسلام لم يكن يمثل للحكام أى أولوية لقد كان الخلفاء مشغولين بصراعاتهم فلم يهتم أى منهم بالامر مكتفيين بما نالوه من سلطة بحد السيف .
فالدعوة التى جمعت العرب على كلمة سواء استمر دفعها حتى نهاية حكم خليفة رسول الله الأول .. وعندما بدأت جيوش العرب تخرج من الجزيرة داعية الأمم المحيطة الى الإسلام فتستسلم واحدة بعد أخرى أمام زحفها وتحقق انتصارات كانت كالخيال على جيوش الفرس والرومان فى العراق والشام ومصر بحيث أصبح الخليفة عمر بن الخطاب حاكما على إمبراطورية لم يحلم بحكمها أباطرة الرومان أو أكاسرة الفرس لم يكن لديهم ما يتفوقون به علي الشعوب المهزومة إلا العنف و القتال
يقول لنا إبن لإياس أن جنودهم
(( إنما قووا على ما قووا عليه وظهروا على البلاد لأنهم لا يطلبون الدنيـــا ولا يرغبون فى شئ منها )) ...
(( انهم قوم الموت أحب الى أحدهم من الحياة يقاتل الرجل منهم وهو مستقتل يتمنى ألا يرجع الى أهله و لا بلده ولا ولده ويرون أن لهم أجرا عظيما فيمن قتلوا ويقولون : انهم ان قتلوا دخلوا الجنة وليس لهم رغبة فى الدنيا ولا لذة إلا قدر بلغة العيش من الطعام واللباس .... )).
لذلك حققوا انتصارات سريعة وحاسمة ولكن عندما عين على الأقاليم المملوكة ولاه مثل سعد بن أبى وقاص على مدائن كسرى وعمرو بن العاص على مصر ومعاوية بن أبي سفيان على الشام ـ رغم أنه كان آخر كفار قريش الذين أسلموا بعد فتح مكة وكانت أمه هند معادية للمسلمين حتى أنها أكلت كبد عم الرسول حمزة ..
فتكونت بين أيديهم ثروات هائلة ونفوذا وقوة لم يحزها إلا الأكاسرة ..وفجر بريق الذهب والسلطة كل خلافات الماضى التى كانت بين عرب الجنوب اليمنى وعرب الشمال .. أو الأوس و الخزرج الأنصار.. أو بنى أمية وبنى هاشم المهاجرين ..أو بين الأنصار والمهاجرين ككل .. وبين العرب والموالى من فرس وقبط وروم وترك ..
هذه الخلافات انفجرت مباشرة بعد اغتيال عمر بن الخطاب وترشيحه لعدد 6 من الصحابة ليس بينهم أنصارى واحد اذ كانوا ثلاثة من بنى أمية وثلاثة من بنى هاشم.
ثم زادت هذه النبرة حدة بعد أن تولى عثمان الخلافة وعين أقاربه ومعارفه ولاه على الأمصار ونحى معاوني عمر مثل على بن أبى طالب وسعد بن أبى وقاص وطلحة وغيرهم ليستبدلهم بمن هم ليسوا أهلا للثقة .
انتهى الموقف المأساوى بثورة العرب المهاجرين لمصر والكوفة على الخليفة واغتياله فى منزله وهو يقرأ القرآن .. ثم مبايعتهم ( على ) لتتمزق الإمبراطورية بين المطالبين بدم عثمان والمشايعين للخليفة الجديد..
((و كانت حربا بين القبائل العربية المسلمة )) أحيت كل سوءات الجاهلية ونزاعات بنى أمية وبنى هاشم السابقة على الإسلام...
فكانت موقعة الجمل ثم موقعة صفين التى لجأ فيها المتحاربون الى التحكيم وتفوق عمرو لصالح معاوية على أبى موسى الأشعرى محكم (( على )) ..... وانفرط عقد المسلمين لتظهر شيع جديدة من الخوارج المتشددين ((وصل عدد فرق الشيعة الى أكثر من اثنين وسبعين فرقة يكفر بعضها بعضا ))
الخوارج اغتالوا ( على ) وكانوا يهدفون الى اغتيال معاوية وعمرو فى نفس اللحظة ولكنهم فشلوا.
بعد اغتيال (على ) خلا المسرح لمعاوية فبايعه الحسن والحسين أبناء (على ) بشرط ألا يورث الحكم من بعده إلا لمن يختاره المسلمون .
الدولة الأموية بدأت عصر الانهيار بعد أن تشبه خلفائها بالملوك والأباطرة وعم الفساد والجور فى كل أزمنتها عدا فترة سنتين وسبعة أشهر حكم فيها عمر بن عبد العزيز حتى اغتياله.
الخلفاء الأمويين بدءا من (( يزيد بن معاوية )) خاضوا حروبا طويلة تحالف ضدهم فيها العلويين والهاشميين والفرس.. هذا غير الخوارج وبعد موقعة كربلاء التى قتل يزيد فيها الثائر الحسين بن على لنقض معاوية وعده لأخيه الحسن وتعيين ابنه خليفة له ظهر الشيعيين المؤيدين بالفرس ثم الزبيريين و انفجر صراع قبائل الشمال المضريين ضد قبائل الجنوب اليمنيين ..
وفى النهاية اجتمعت جميع الأطراف ضد الأمويين وقادهم أبى العباس السفاح لتكون النهاية و يطارد فلولهم عشرة خلفاء عباسيين على مدى قرن ...كان همهم الأول تدمير كل ما يتصل بالأمويين حتى قبورهم نبشوها ومثلوا بجثث أصحابها .
الخلفاء الأمويين لم ينتصر لهم أحد من ((الموالى الذين خضعوا باعتناق الإسلام و بالطاعة والجزية)) فقد أزعجهم تعصب الأمويين للعرب والعربية ونظرتهم إليهم نظرة احتقار وازدراء لاعتقادهم أنهم أفضل الأمم وأن لغتهم أفضل اللغات فثارت فى الموالى روح الشعوبية وانتهزوا الفرص لتأييد كل معارض للأمويين من الزبيريين والخوارج والشيعيين ..... ((و أمن العباسيون الاستعانة بهم (البرامكة ) فى خاتمة المطاف)) .
الأمويين قاتلوا (( كل من تصدى لهم ووصل بهم الفجر الى درجة تدمير الحرمين المدنى والمكى بالأحجار والنيران وكرات النفط الملتهبة تقذفها المنجنيق وأباح يزيد بن معاوية مدينتى مكة والمدينة للجنود الشاميين )).ليسبوا و يغتصبوا النساء بهما .
وهكذا تخلوا تدريجيا عن كل التقاليد والقيم التى جعلت من العرب قوة تحسب حسابها وتحرك جيوشهم تحت راية الجهاد لنشر الإسلام على حين ((تجبى قصور الخلفاء أفياء وغنائم الحرب فتزدان بالفسيفساء جدرانها وترتفع بها أعمدة من رخام مذهب وسقوفها ترصع بالجوهر ويخدم بها غلمان يتراوح عددهم فى كل قصر من أربعين الى ستين غلاما )) .
(( وكان معاوية أول الخلفاء المسلمين الذى اتخذوا الحشم والحجاب على أبوابهم وكان له فى المسجد مقصورة تحرسها السيوف عند صلاته ))
وكان الخلفاء يرتدون أفخر الثياب المرصعة بالجوهر تشبها بقياصرة الروم أو كسرى الفرس كانوا يمسكون بأيديهم الصولجانات وخواتم الملك يختمون بها أوامرهم الخلافية .. وكانت رياضات التسلية كسباق الخيل أو الصيد منتشرة بينهم لدرجة أن ((كلاب الصيد الأموية كانت لها أساور ذهب و أردية حريرية )).
حياة الترف هذه رفل فيها حتى من بقى من الصحابة كالزبير بن العوام الذى ترك بعد موته ثروة عظيمة وقصور بالبصرة والكوفة والفسطاط والإسكندرية وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص قاهر الفرس.. وكان الخلفاء يهبون البعض منهم كامل خراج إقليم ما مثلما حدث مع عمرو بن العاص عندما استخلص مصر من العلويين فوهبها له معاوية لمدة خمس سنوات .
خلفاء بنى أمية كان عددهم 14 خليفة أما العباسيون فقد كانوا 37 خليفة ليصبح اجمالى الخلفاء من أبى بكر حتى المعتصم بالله الخليفة العباسى الأخير 55 خليفة داموا لمدة 650 سنة هجرية هذا غير الخلافات المستقلة التى أقامها الأمويون فى الأندلس والفاطميون الشيعة فى مصر وكانت موازية للخلافة العباسية فى ذلك الزمن.
(( الخلافة العباسية حين قامت أعلنت على لسان أبى العباس السفاح أنها ستحكم بالعدل وتقيم الشرائع .. ثم أنه وبعد أن استقر الأمر بهم لم يحققوا عدلا ولم يقيموا شرائع وتبعوا خطوات خلفاء بنى أمية فى القهر والسيطرة وتحول الدين لديهم الى شعار يرفعونه ليستندوا إليه فى حكمهم ويقيموا خلافة وراثية أو حكما أتوقراطيا من ألوان حكم الأسر الحاكمة التى سادت العالم الإسلامى منذ بدء الخلافة الأموية )) . [ سليمان فياض الوجه الآخر للخلافة الإسلامية ] .
الترف والرخاوة التى صاحبت حياة الخلفاء التالين للتسع العباسيين الأوائل أدت الى سيطرة قادة الجيوش الأتراك وحريم القصر على الخلفاء الضعاف وتلاعبوا بهم حتى جاء الانهيار على يد المحتلين البويهيين ثم السلجوقيين والخوارزميين الذى جعلوا من الخلفاء دمى وواجهات يختفون خلفها ويحكمون
هؤلاء الخلفاء معظمهم مات مقتولا.. أو مسموما... والبعض سلب نظره و أحدهم وقف يتسول أعمي أمام الجامع .. و آخر مات فى قبو جوعان عطشان لأنه فشل فى دفع رواتب الجنود الأتراك
تيمور لنك دخل بغداد عام 656 هـ لقتل الخليفة السابع والثلاثين المعتصم بالله و أسرته لتنتهى العربية'> الخلافة العربية فى بغداد ... وتنتقل الخلافة مؤقتا الى مصر حيث استضاف المماليك بعض من سلالتهم توارثوا اللقب والمنصب حتى غزو سليم الأول لمصر26 يناير 1517 م فتنتقل الخلافة من العرب الى الأتراك المسلمين ومن المدينة ـ دمشق ـ بغداد ـ القاهرة الى اسطنبول .
خلافة المسلمين انتهت بعد هزيمة الأتراك فى الحرب العالمية الأولى وتحول مصطفى كمال أتاتورك بتركيا الى العلمانية فى (1923 ) أوائل عقود القرن العشرين .( باكر نتحدث عن الفاطميين و حكم مصر )