إعداد / ماجد كامل 
من بين كبار آباء الكنيسة الذين قاموا بالدفاع عن المسيحية  ضد البدع والهرطقات الوثنية ؛ يأتي ذكر الفيلسوف   " أثيناغوراس الأثيني " كواحد من أهم الآباء الذين لقبوا بالآباء المدافعين ؛ والغريب أن أسم أثيناغوراس لم يرد ذكره لا في مؤلفات يوسابيوس القيصري ؛ ولا مؤلفات القديس جيروم ؛ ولكن الذي حفظ أسمه وخلده في  التاريخ أنه عثر علي قائمة  بأسماء كتاب الكنيسة القدامي قد ذكرت أسمه ؛ كما ذكر أسمه القديس أبيفانيوس في مؤلفه عن "الهراطقة " وذكره أيضا فوتيوس في كتاب القوانين ( لمزيد من التفاصيل  راجع :- نيافة الأنبا غريغوريوس ؛ موسوعة الدراسات الفلسفية ؛ المجلد رقم 4 ؛ صفحة 128 وما بعدها ) . 
 
أما عن أثيناغوراس نفسه ؛ فهو فيلسوف من أصل يوناني ؛ أنتقل إلي مدينة الإسكندرية حيث عمل مديرا لمتحفها ؛ وكان من كبار الفلاسفة الأفلاطونيين ؛ وكان شديد الكراهية للديانة المسيحية ؛ فقرر أن يدرس الكتاب المقدس لعله يجد فيه منفذا للطعن والنقد ؛ ولكنه لم يكد ينتهي من قراءته حتي ترك في نفسه أثرا عميقا جعله  يؤمن بالمسيحية ؛ حتي صار واحدا من كبار المدافعين عنها ؛ لذلك لقب " أثيناغوراس المدافع المحامي Athenagoras the Apologist .  ؛ فلما وثق به المسيحيون ؛ قبلوه في كنيستهم ؛ وعمدوه حتي صار مسيحيا ؛ وعهدوا إليه بمهمة التعليم في المدرسة اللاهوتية بالإسكندرية ( لمزيد من التفصيل راجع :- نيافة الأنبا غريغوريوس ؛ نفس المرجع السابق ؛ صفحة 131 ) . 
 
ويذكر عنه مؤرخ علم الآبائيات الكبير جوهان كواستن Johanns Quaston  ( 1900 – 1987 ) ( راجع  مقالتي عنه علي صفحة الاقباط متحدون بتاريخ 14 مارس 2019 ) في موسوعته عن علم الآبائيات ؛ أنه كان معاصرا لتاتيان ؛ لكنه يختلف عنه وعن يوستينوس ؛ فرأيه في الفلسفة والحضارة اليونانية كان أخف وطأة من رأي تاتيان ؛ لكنه من ناحية يظهر قدرات لغوية أكبر  بكثير من قدرات يوستينوس ( 103- 167م تقريبا ) ( راجع مقالي عنه علي صفحة الأقباط متحدون بتاريخ 2 يونيو 2021 ) . ؛ وذلك من حيث اللغة والأسلوب الأدبي وترتيب المحتوي . وهو بكل تأكيد أكثر المدافعين المسيحين القدامي بلاغة  ؛ وكان كثير الإقتباس من الشعراء والفلاسفة اليونانيون ؛ وكان يكثر من استخدام المصطلحات والعبارات الفلسفية ( راجع المرجع السابق ذكره ؛ صفحتي 251 ؛ 252 ) . 
 
ويذكر القمص تادرس يعقوب ملطي في كتابه الهام " الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة علم ولاهوت "  أنه في دفاعه عن المسيحية ؛ أهتم بالرد علي ثلاث أتهامات موجهة ضد المسيحين هي :- 
 
1-الإلحاد :-  وذلك بسبب رفض المسيجيون التعرف علي آلهة المدن والاشتراك في الطقوس الشعبية التقليدية الخاصة بالآلهة ؛ لهذا السبب أتهموا بعدم ولائهم للأباطرة وكراهيتهم للآلهة والبشرية . 
 
2-أكل لحوم البشر ؛ وذلك بسبب الفهم الخاطيء لسر الأفخارستيا ؛ فظنوا في المسيحين أنهم أكلوا لحوم البشر . 
3-ممارسة السلوكيات المنحرفة ؛ وذلك بسبب الاجتماعات المغلقة  التي كانت تتم بينهم ؛ مع وجود علاقات المحبة القوية بين بعضهم البعض  مما أدي إلي تشكك الوثنيين في أمرهم . ( لمزيد من التفصيل راجع :- القمص تادرس يعقوب ملطي :- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ؛ كنيسة علم ولاهوت ؛ صفحة 8 ) . 
 
أما عن قائمة الكتب والمؤلفات التي تركها لنا ؛ فهي حسب كتاب الأنبا غريغيوريوس علي النحو التالي :- 
1-الدفاع أو المحاماة :- 
ولقد وجه إلي الإمبراطورين مرقس  أوريليوس  أنطونيوس ؛ ولوسيوس  أوريليوس كومودوس ؛ ولقد أشتهرا باهتمامتهما الفلسفية الكبيرة ؛ ولقد كتب علي الأرجح خلال الفترة ما بين أعوام ( 176- 178 ) ( راجع نيافة الأنبا غريغيوريوس ؛ صفحة 133 ) . 
 
ولقد قدم الدفاع علي شكل إلتماس لأجل المسيحين  أو شفاعة عن المسيحين ؛ ولقد كتب بتأن وروية في صيغة متزنة هادئة ؛ وحرص علي تقديم براهينه بأدلة عقلية وفلسفية بما يتماشي مع فكر وثقافة الإمبراطورين ؛ وكان يحرص علي إبراز مواضع الوفاق ما  بين الفلسفة والإيمان . 
 
ولقد أشتمل الدفاع علي افتتاحية ( الفصول من 1 – 3 ) تناول فيه الرد علي الإتهامات الثلاثة التي وجهت إلي المسيحين ( الإلحاد – أكل لحوم البشر – العلاقات الخاطئة ) . ولقد أجاب علي الإتهام الأول بقوله " إن المسيحين يعبدون آلها يختلف في صفاته عن آلهة الوثنيين ؛ فهو روح سرمدي أزلي أبدي بسيط متميز عن  المادة ؛ وهو الخالق الواجب الوجود ؛ وهو وحده المسيطر علي الكون ؛ فهو إذن واحد وليس غيره إله ( راجع الفقرة بالكامل في كتاب الأنبا غريغوريوس ؛ صفحة 135 ) . 
 
أما الإتهام الثاني فأجاب عنه بقوله " إن أخلاق المسيحين العالية تدرأ عنهم مثل هذا الإتهام الظالم ؛ لأن المسيحين يعتقدون في الله أنه رقيب علي أفكارهم وحركات قلوبهم ؛ وأنهم سيدانون علي كل فكر شرير ؛ وهم يصونون ذواتهم حتي عن النظرة الشريرة ؛ فكم بالأولي يعفون عن الأفعال الدنسة ؟ ( نفس المرجع السابق ؛ صفحة 135 ) . 
 
وأجاب عن الإتهام الثالث بأكل اللحوم البشرية Cannibalism  بقوله " ليس في المسيحين شي من  أكل لحوم البشر ؛ لأن الغذاء بلحوم البشر يقتضي القتل ؛ ولكن المسيحين لا يمتنعون عن القتل فقط ؛ بل يفزعون من رؤية أشخاص ينفذ فيهم حكم الإعدام ؛ كما لو كانوا مشتركين في جريمة القتل  نفسها ؛ وليس شخص يستطيع أن يدعي علي المسيحين بأنه رآهم فعلا يتغذون بلحوم البشر ؛ ثم كيف يفعل المسيحيون ذلك وهم يحرمون إسقاط الجنين وتعريض الأطفال لخطر الموت وقتل  الأولاد ؛ وألعاب المصارعة ( نفس المرجع السابق ؛ صفحة 136 ) . 
 
والخلاصة كما يذكر الأنبا غريغوريوس عن كتاب الدفاع  أنه من خير الكتب الدفاعية وأقيمها ؛ وهو يتصف بالوقار والاتزان  ؛ فنحن لا نجد فيه قولا نابيا ولا لفظا جارحا ؛ وإنما نجد فيه قوة الحجة والبرهان ؛ ولقد أثبت كلامه بنصوص من كتابات الفلاسفة والشعراء ؛ وبهذا أظهر نقاط الاتفاق بين الفلسفة والإيمان  .وعن الفرق بين منهج اثيناغواس ومنهج يوستينوس في الدفاع ؛ يذكر الأنبا غريغوروس أن أثنياغوراس كان رقيق العبارة جدا بالنسبة ليوستينوس ؛ فالقديس يوستينوس أستخدم أحيانا  عبارات  حادة . وأيضا لم يبرز أثنياغوراس في دفاعه أي نصوص عن التجسد والفداء ؛ كما لم يورد أي نص من نصوص العهد القديم مثل يوستينوس  ؛ ولقد حاول أثنياغوراس إثبات قيامة الموتي بنصوص فلسفية ليثبت  التوافق بين الدين المسيحي والعقيدة الوثنية ؛والخلاصة كما يؤكد الأنبا غريغويوريوس أن منهج  الكتابة بين الكاتبين فيهما إختلاف واضح يشهد لكل منهما بشخصية مستقلة في الفكر وفي الأسلوب ( لمزيد من التفصيل :- راجع المرجع السابق ذكره ؛ الصفحات من 137 – 141 ) . 
 
وحول نظرة أثيناغوراس إلي الفلسفة ؛ كان – كما يذكر مارك الفونس كامل في كتابه عن أثيناغوراس الفيسلوف الأثيني – أنه كان يلبس ملابس الفلاسفة متخذا الرواقية وأرسطو وأفلاطون سبيلا  لبلوغ هدفه وهو الدفاع عن                                                                                                                                                                                                                                                                                                       الإيمان المسيحي .ولكنه لا يتبني الفلسفة في المطلق ؛ بل كان ينتقي منها أفضل ما فيها ؛ففي فكر أثيناغوراس ؛ تبني المسيحية علي الإيمان وليس علي الفلسفة ؛ لكنه يستغل الفلسفة لتوظيف الإيمان ؛ فهي عنده وسيلة لتوصيف الإيمان أكثر منها موضوعا للإيمان ؛ وفي كل كتاباته أثبت سعة إطلاع  فلسفية كبيرة ومقدرة هائلة علي التنقل  بين المذاهب المختلفة لإنتقاء ما يحتاجه منها ؛ فهو  لا ينغلق علي مدرسة فلسفية واحدة ؛ بل ينفتح علي كل المدارس ويستفيد من كل المدارس ( لمزيد من التفصيل راجع :- مارك الفونس كامل ؛ اثيناغوراس الفيلسوف الأثيني ؛ الأعمال المعروفة الكاملة ؛ صفحتي 24 ؛ 25 ) . 
 
ويؤكد نيافة الأنبا غريغويغوريوس علي نفس الفكرة ؛ فيقول أن أثيناغوراس كان من القائلين بمذهب التخير وتأليف المذاهب Eclectisme ؛  اي الانتقائية ؛ وهو المذهب الفلسفي القائل بأن في كل مذهب جزء من الحقيقة وهو خير ما فيه ؛ وعلينا في طلب الحقيقة الكاملة أن نتخير هذه الأجزاء ونؤلف بينها لتصير حقيقة واحدة ؛ ولذا كان أثيناغوراس كان يورد في كل كتبه أقوالا من جميع المذاهب مما يؤكد لنا أنه كان عالما  بجميع الإتجاهات الفلسفية التي عرفت في عصره ؛ فلقد أقتبس كثيرا نصوصا من ( أفلاطون – سقراط – تيماوس – غورغياس .... الخ ) كما أقتبس أيضا كثيرا من نصوص الشعراء الأقدمين مثل ( هوميروس – هزيود – أورفيوس .... الخ) ( لمزيد من التفصيل راجع نيافة الأنبا غريغوريوس : - الدراسات الفلسفية ؛المجلد رقم 4 ؛ صفحة 146 ؛ 147 ) . 
 
وبعتبر العلامة اثيناغوراس أول فيسلوف مسيحي يثبت وجود الله ببراهين عقلية ؛ وله في ذلك دليلان :- 
1-الدليل الأول لا يمكن أن يكون الله أكثر من إله واحد ؛ لأن آلهة كثيرين لا يستطيعون أن يوجدوا معا في  مكان واحد ؛ إذ الإله يجب أن يتميز بشيء منفرد به من حيث هو إله ؛ ولا يمكن  الله أكثر من إله واحد في غير مكان واحد ؛ لأن الله الذي خلق العالم هو في العالم ويحيط بالعالم معنيا به وليس مكان لإله آخر . 
 
2-الدليل الثاني :- مؤداه أن كل موجود فهو مخلوق بفعل  موجد له ؛ فالإله بالضرورة واجب الوجود . ( لمزيد من الشرح والتفصيل راجع :- نيافة الأنبا غريغوريوس ؛ المرجع السابق ذكره ؛ صفحات 152 ؛153 ) . 
 
ويعتبر  أيضا العلامة اثيناغوراس أول  فيلسوف مسيحي يثبت عقيدة قيامة الأموات ببراهين فلسفية وليس بدلائل من الوحي الإلهي فقط ؛ فيذكر نيافة الأنبا غريغوريوس أنه كتب في الفصل السادس والثلاثين من كتاب " الدفاع " إلي إثبات عقيدة قيامة الأموات وهي تشتمل علي قسمين :- القسم الأول من الفصل الأول إلي الفصل العاشر ؛ وفيه يرد علي الإعتراضات التي تثار ضد عقيدة القيامة ؛ أما الفصل من الحادي عشر حتي الفصل الخامس  والعشرين؛ ففيه يقدم الأدلة علي حقيقة القيامة . وهو يرد علي إدعائتهم قائلا " إذا كان الله لا يستطيع أن يقيم الموتي ؛ فهذا يعزي إما إلي نقص في المعرفة أو إلي نقص في القدرة ؛ ولكن الله لا تعوزه المعرفة لأنه يعرف أن يخلق الأجساد  ؛ فيمكنه بالأولي أن يعيدها إلي الحياة  ؛ ثم أن له القدرة والقوة ؛ فإذا كان يقدر أن يخلق الأجساد فإنه يستطيع أن يعيد تأليفها وتركيبها من جديد ؛ حتي بعد أن تحللت وتناثرت واندمجت عناصرها في الأرض أو في النبات أو الحيوان أو الإنسان ( راجع الفقرة بالكامل في المرجع السابق ذكره ؛ صفحة 143 ) . 
 
ويذكر القمص تادرس يعقوب ملطي الإعتراضات التي قدمها  الفلاسفة الوثنيون علي عقيدة القيامة ؛ وهو يفند كل الاعتراضات الفلسفية التي قدمها الدارسون في أيامه ضد هذه العقيدة ؛ فهي ضرورية للأسباب التالية :- 
1-لإن الإنسان كائن عاقل خلق ليعيش إلي الأبد . 
2-ينبغي  أن يشترك الجسد أيضا مع النفس في المكافأة في العالم الآتي . 
3-خلق الإنسان من أجل السعادة الأبدية التي لا تتحقق بوجوده علي الأرض ( لمزيد من التفصيل راجع :- القمص تادرس يعقوب ملطي :- الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ؛ كنيسة علم ولاهوت ؛ كنيسىة مارجرجس سبورتنج ؛ صفحة 9 ) . 
 
ملحوظة هامة وأخيرة :- 
الكنيسة القبطية الأرثوذكيسية لا تعطي لقب قديس للعلامة أثيناغوراس ؛ ولكنه تكتفي بلقب العلامة . وهو في ذلك مثله مثل العلامة أوريجانوس ( 185- 254 م تقريبا ) ؛والعلامة ترتليانوس (  155- 220 م تقريبا ) . والسبب في ذلك أنه نسبت  لبعض كتاباته بعض الأخطاء العقائدية . والكنيسة القبطية لا تذكر له  يوما ثابتا في السنكسار القبطي ؛ ولكن سنكسار الكنائس الأرثوذكسية الشرقية  جعلت له عيد رسميا يوم 24 يوليو Athenagoras  of Athens feast day  . 
 
بعض مراجع ومصادر المقالة :- 
1- نيافة الأنبا غريغوريوس :- الدراسات الفلسفية ؛ موسوعة الأنبا غريغوروس ؛ الجزء رقم 4 ؛   منشورات أبناء الأنبا غريغوريوس ؛ الصفحات من ( 128 - 209 ) . 
2- القمص تادرس يعقوب ملطي :- الكنيسة القبطية  الأرثوذكسية كنيسة علم ولاهوت ؛ كنيسة مارجرجس سبورتنج ؛ الصفحات من ( 8  ؛ 9 ) . 
3- المطران سليم بسترس  وآخرون :- تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة ؛ منشورات المكتبة البوليسية ؛ الطبعة الأولي 2001 ؛ الصفحات من ( 243- 248 ) . 
4- جوهانس كواستن :- علم الآبائيات " باترولوجي " ؛ ترجمة وتقديم  نيافة  الأنبا مقار ؛ مركز  باناريون للتراث الآبائي ؛  سلسلة دراسات عن آباء الكنيسة في العصور الأولي ؛ الطبعة الأولي ؛ يناير 2015 ؛ الصفححات من ( 251- 259 ) . 
5- مارك ألفونس كامل :- أثيناغوراس الفيلسوف الأثيني ؛ الأعمال المعروفة الكاملة ؛ سلسلة مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية ؛ الطبعة  الأولي  ؛ أغسطس 2017 . 
6- حنا الخضري :- تاريخ الفكر المسيحي ؛  المجلد الأول ؛ دار الثقافة ؛   الصفحات من ( 459- 461 ) . 
7- القمص أثناسيوس فهمي جورج :- مدخل في علم الآبائيات ؛ أثيناغوراس : سيرته – تعاليم – أقوال . 
8- فريق اللاهوت الدفاعي :- أثيناغوراس ؛حياته وأعماله ونمطه اللاهوتي .
9- مايكل عادل :- تعرف علي الفيلسوف أثيناغوراس ؛ البوابة نيوز ؛ 19 أكتوبر 2016 .