محرر الأقباط متحدون
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي الأحد الحادي والعشرين من أيار مايو في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، والقى عظة في الأحد السابع من زمن القيامة بعنوان "الآن تمجّد إبن الإنسان، وتمجّد الله به" (يو 13: 31).
استهل البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا "هذا الكلام قاله ربّنا يسوع عندما قام يهوذا الإسخريوطي عن عشاء الفصح الأخير، وخرج لكي يُسلم يسوع بين أيدي اليهود ليُصلب ويموت. سمّى يسوع ساعة صلبه "تمجيده" لأنّه بموته افتدى خطايا البشرية جمعاء، وانتصر على الخطيئة والموت، من أجل حياة كل إنسان. وسمّى ساعة صلبه "تمجيد الآب"، لأن إرادته الخلاصية تمّت بموت الإبن فدًى عن كل إنسان. فتمّ بذلك حبّ الآب الأعظم، وقد جاد بابنه لكي لا يهلك أحد من الذين هم في العالم. وكذلك حبّ الإبن، يسوع المسيح، الذي قال: "ما من حبٍّ أعظم من الذي يبذل نفسه عن أحبّائه" (يو 15: 13). "في هذا الجو من الحبّ الأعظم"، أضاف غبطته يقول "ترك لنا يسوع وصيته الأخيرة: "إني أعطيكم وصية جديدة: أن تحبّوا بعضكم بعضًا، كما أنا أحببتكم" (يو 13: 34). نصلّي اليوم لندرك أننا بالمحبة نمجّد الله ونتمجّد. وليس من مجد حقيقي يبلغه أي إنسان إلّا بالمحبة".
وأشار البطريرك الراعي في عظته إلى الاحتفال "هذا الأحد باليوم العالمي للمدارس الكاثوليكية، وموضوعه: "لنبنِ معًا التربية محليًا وانفتاحًا على العالم"، وقد دعا إليه الأب يوسف نصر المخلّصي، الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، باسم "اتحاد رابطات قدامى المدارس الكاثوليكية في لبنان"، المعترف به من وزارة الداخلية، وهو عضو في "المنظمة العالمية لقدامى التعليم الكاثوليكي". وإذ رحّب بأعضاء هذا الاتحاد وبالأمين العام للمدارس الكاثوليكية وهيئاتها، وباللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية بشخص رئيسها المطران حنّا رحمة، وإدارات هذه المدارس وهيئاتها التعليمية والتلامذة وأهاليهم والقدامى، قال البطريرك الماروني "أودّ في المناسبة الإعراب عن التقدير للأهداف التي يعمل اتحاد الرابطات من أجل تحقيقها. وهي: دعم المدرسة الكاثوليكية، توحيد جهود قدامى هذه المدارس وخلق صلة دائمة ومستمرة مع خريجيها، العمل على تعزيز الشخصية الكيانية للاتحاد والسهر على الشؤون الثقافية والتربوية والاجتماعية، مساعدة الطلاب المتفوقين والمحتاجين، التعاون مع اتحادات خريجي سائر المدارس في لبنان، ومع الاتحادات الدولية، واتحادات بقية البلدان المنضمة إليها، وأخيرًا الاشتراك في اللقاءات الدولية في لبنان والخارج". وأضاف غبطته "ويطيب لي أن أحيّي بالتقدير والشكر المدارس الكاثوليكية، وأدعوها لتواصل أكثر فأكثر وبالشكل الأفضل رسالتها وهي، على ما كتب القديس البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي: "رجاء جديد للبنان": "متابعة أعمالها في خدمة الشباب، المحتاجين إلى الحصول على الأسس الثقافية والروحية والخلقية التي تجعل منهم مسيحيين ناشطين، وشهودًا للإنجيل، ومواطنين مسؤولين في وطنهم" (الفقرة 106). من هنا تظهر رسالة المدرسة الكاثوليكية وقيمتها وأهميتها. فلا غنى عنها من أجل تكوين إنسان لا شيء يعوق نموه البشري والروحي، وبه يتمجّد الله، على ما يقول القديس إيريناوس "مجد الله هو الإنسان الحيّ" (راجع رجاء جديد للبنان، 100).
وأكد غبطته أن "رسالة المدرسة الكاثوليكية بشأن هذا "الإنسان الحيّ" لا تنحصر ضمن جدرانها، بل تبدأ وتستمر في العائلة، والمجتمع البشري، وعلى الأخص في الدولة بمسؤوليها السياسيين. فنتساءل أين هي الممارسة السياسية عندنا في لبنان من رسالتها؟ أين هي السياسة عندنا من احترام الشخص البشري بحد ذاته وفي حقوقه الأساسية وحرياته الطبيعية؟ أين هي من إنماء المواطن إنسانيا واقتصاديا واجتماعيا، ومن توفير ما يحتاج إليه من غذاء وكسوة ودواء، وعمل يؤمّن له حياة كريمة؟ وأين هي هذه الممارسة السياسية من توفير السلام والعدالة والاستقرار الأمني؟ (راجع شرعة العمل السياسيّ، ص 7). وأضاف "وأنتم، أيها المسؤولون عن الأحزاب، أية تربية توفّرون لشبابكم؟ أي ولاء للوطن تربّون فيهم؟ ما نحتاج إليه في لبنان هو إعداد شباب ولاؤه للبنان، لا لأشخاص أو لبلد آخر! شباب شجاع للحوار! حر في قول الحقيقة! جريء في الإصغاء لاعتراض صوت الضمير في كل ما يتنافى والعدالة والمحبة وروح السلام!"
وتابع البطريرك الراعي قائلا "جميع الناس بحكم كونهم خلائق الله، مدعوون ليمجّدوا الله في إتمام إرادته، التي تنكشف لهم في الكتب المقدسة وفي صوت الضمير الذي هو "صوت الله في أعماق كل إنسان، يدعوه دائمًا ليحب، ليصنع الخير ويتجنب الشر. وفي الوقت المناسب، يدق هذا الصوت في أعماق قلبه ويقول له: "إفعل هذا، وتجنّب ذاك!" (الكنيسة في عالم اليوم، 16). هذا الصوت الداخلي يدعو إلى ما يُسمّى "باعتراض الضمير" في كل مرة يكون الخير العام أو مجموعة شعب في خطر كبير (راجع المرجع نفسه، 79). كم يؤسفنا في ضوء هذا الكلام أنه لا يوجد نائب واحد في الكتل النيابية يجرؤ، بقوة "اعتراض الضمير" على إدانة تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية منذ سبعة أشهر، وإفقار الشعب وتهجيره، وهدم الدولة بمختلف مؤسساتها، بسبب رهن مقام رئاسة الجمهورية لشخص أو لمصالح شخصية أو فئوية! ولكن بكل أسف، خنق المسؤولون السياسيون فيهم صوت الضمير، صوت الله، فمن أين يأتيهم "اعتراض الضمير" الذي أسكتته مصالحهم". وفي ختام عظته مترئسا قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي "فلنصلِّ لكي يرسل الله حكامًا أصحاب ضمير يمجّدون الله بأفعالهم ومواقفهم البناءة والشجاعة. فله كلّ مجد وتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين".