تردد في أواخر الزمن الناصري قول الفريق عبدالمنعم رياض للرئيس ناصر: «أرجوك يا سيادة الرئيس لا تقبل عودة سيناء بلا قتال حتي لو عرضوا عليك الانسحاب الكامل منها بلا قيد أو شرط». فقد كان يري الفريق النبيل الوطني أن عودة سيناء بلا قتال سوف ينشأ عنه خلل اجتماعي وإنساني وقيمي، ورسالة سلبية نصدرها للأجيال القادمة والطالعة بقبول فكرة النكوص عن النهوض لدفع ضريبة الدم لاسترداد الكرامة.
نعم، إنه درس مهم يؤكد عليه قائد عسكري عظيم كان ينبغي فهمه، بدلاً من ترديد «الستينيات وما أدراك ما الستينيات»، أن الهزيمة يتم مسح عارها وإزالة آثارها بتحقيق انتصار علي الأرض، وأنه عند التعامل مع أي أمر يتعلق بأمن وسلامة الوطن والمواطن ينبغي دفع ثمن الخطأ.
وعليه غني شعبنا العظيم مع العندليب «موال النهار» وكانت وكأنها بمثابة شرح تفصيلي لمقولة عبدالمنعم رياض لناصر، التي تأتي أيضاً تأكيداً علي الشعار الناصري الشهير آنئذ «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة».. قال الأبنودي وغني حليم: بلدنا ليل نهار/ بتحب موّال النهار/ لما يعدّي في الدروب/ ويغنّي قدّام كل دار.
وجه نهار قدرنا ندفع مهره يا حليم يوم السادس من أكتوبر 1973، وجه نهار أسود آخر للأسف تم فيه اغتيال صاحب قرار العبور وصاحب النصر المصري الأعظم في تاريخ الوطن وصانع الفرحة العبقري المبدع أنور السادات وهو يحتفل مع قواته بذكري النصر المجيد بأيدي أعداء النهار والوطن والمجد والفخار.. وهمه همه من سخروا من الستينات احتفلوا بالسادس من أكتوبر بحضور أعداء النهار قتلة السادات في زمن ما أصعبه وما أبشعه.
إنهم وهمه همه الذين لم يحركوا ساكناً عند مقتل أبناء القوات المسلحة وهم يتناولون طعام الفطور في يوم رمضاني، أيضاً همه همه اللي سكتوا لما البطلة دعاء رشاد أقامت الدنيا ولم تقعدها للبحث عن زوجها، وقدمت مستندات تؤكد وجود زوجها حياً، الآن يتم مساومتها مادياً للسكوت وتجاوز المحنة كما ادعت ولم ينف أحد ما قالت، ويتم تهديدها بقتل أولادها، والرئيس مرسي يقول لها قوليلي حاجة واحدة تثبت تورط حماس، ورغم تأكيد المناضلة «دعاء» علي حكاية اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية أنئذ عندما قال لها يوم 18 مارس الماضي: «إن حركة حماس هي التي اختطفت الضباط الثلاثة وأمين الشرطة».. ولكنها كمن تحرث في بحر هادر ولا جدوي.
وهمه همه اللي وصل الأمر بهم أن يقول لها مسئول تعقيباً علي لهثها وراء زوجها المختطف: «لو مشكلتك أنك عايزة تتجوزي مش مشكلة أجوزك!»، هكذا وكأن الحكاية فقط جوع جنسي.. وكرامة وطن يتم اختزالها بهذه السوقية المهينة.. إنهم لا يعرفون شيئاً عن شعبنا العظيم، ولا يعني إيه كلمة وطن.
وأترك عزيزي القارئ يتخيل الحالة التي عليها هذه السيدة النبيلة دعاء رشاد (وبالمناسبة أحيي برنامج مانشيت لمساندته الرائعة لها)، وهي تري تجييش الجيوش والتئام كل مؤسسات الدولة للبحث عن جنود القوات المسلحة والداخلية، واستقبال المسئولين وعلي رأسهم الرئيس في المطار.. ماهو شعورها وشعور أهالي شهداء رفح وغيرهم وهم يرون هذا التمييز المقيت؟
ورغم فرحة الناس بعودة جنودنا من أسر الاختطاف، إلا أن الأسئلة كثيرة وملحة لخصها بروعة مانشيت جريدتنا «الوفد» عدد الخميس الفائت «الجنود عادوا.. والإرهابيون طلقاء».
في حديث للصحفي أحمد موسي مقدم برنامج «الشعب يريد» مع اللواء مسئول الإعلام والعلاقات بوزارة الداخلية، سأله موسي بشكل مباشر: «همه المختطفين فين يا أفندم؟».. سكت الرجل، وقد أسقط في يده من درجة صعوبة السؤال لدقيقة أو أكثر ثم قال: «في سيناء».. ياسلام!.. ثم بإلحاح موسي، قال المسئول: «إنت عارف يا أستاذ أحمد إحنا ماكناش وحدنا في الحكاية»!
أخيراً، يسأل المسيحيون في بلادي: لماذا ولو لمرة واحدة لم يشهدوا تلك الحالة من تجييش القوات، وتعاون كافة مؤسسات الدولة لمواجهة عنف من يمارسون الأفعال الهمجية الإرهابية، والضغط عليهم عبر التهجير القسري للمسيحيين وحرق وهدم الكنائس، والآن وأنا أكتب تلك السطور هناك أخبار حول ممارسة عصابات مسلحة الاعتداء علي أراضي الأعيان الأقباط في الأقصر، وفرض إتاوات علي أصحاب الأراضي نظير استرداد الأرض!.. والله العظيم المواطن المسيحي مواطن مصري شبه اللي استقبلوهم في مطار ألماظة يا ناس!!
لكن بلدنا للنهار، بتحب موال النهار، وبتكره خفافيش الظلام.
نقلان عن الفجر