الأقباط متحدون - لآمال العمدة أكتب..
أخر تحديث ٠٠:٤٢ | السبت ١٥ مارس ٢٠١٤ | برمهات ١٧٣٠ ش ٦ | العدد ٣١٢٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

لآمال العمدة أكتب..

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

 ■ رسالة رقم واحد:

 
آمال: ودارت الأيام وتحل ذكراك فى مارس تأتى كالطيف، تشق الذكرى وادى النسيان. وما عرفت النسيان منذ غادرت دنيانا فأنت حاضرة فوق أوراقى وفى فنجان قهوتى ورائحتك على مخدتى. وصخب الدنيا لم يمنعنى من التقاط صوتك لكنى لم أجرؤ أن أسمع واحداً من شرائطك خصوصاً تلك التى خصك بها عمالقة كتوفيق الحكيم وصلاح طاهر وليلى مراد خشيت أن يسحبنى الصوت إلى أيامك، أيام الأفكار تحت وطأة المرض. وما أشد قسوتها. بحروف دامعة بطعم الشجن أرصها إلى جوار بعضها وأرسلها لك، تعبرين هذا المارد من الشوق المجنون الساكن قلبى. أشتاق لك شوق نبات فى الصحراء لقطرة ماء اشتياق إنسان أحرقته الشمس لظل وارف فى خميلة أشتاق يا آمال حتى للخلاف معك! كان للخلاف- يا عمرى- طعم مختلف.
 
■ رسالة رقم اتنين:
 
آمال: يا صديقة الأحلام البكر وخربشات الطموحات فوق جدار الزمن. لكى أتطهر وأكتوى بنار الاعتراف. أشهد- بعد فوات الأوان- أنه لا أحد بعدك قد اقترب من شرايين قلبى وأقام. ربما من جاء بعدك طاف على جدار القلب. نعم ربما كن صادقات فى مشاعرهن ولكن لا أحد نزل إلى الآبار مثلك. لا أحد «شاور» علىَّ- مثلك- حين كنت نكرة وآمن بقدراتى ودفعنى إلى البحر. أشهد أنى لم أعطك قدرك يوم كنا نكافح معاً لنسدد أقساط سجادة اشتريناها معاً، كنت فى حالة لهاث فنسيت أنك امرأة تريدين الاحتواء أكثر.. وتشتاقين لعطر الكلام أكثر. أشهد- وأنا أصنع مستقبلى- أنى نسيت تفاصيل صغيرة يعرفها العاشقان. ياما سافرت وطال السفر ولم يكن هناك موبايل أهاتفك فى لحظة وأبثك أشواقى وأراك عبر التانجو وأنقل لك بالصورة ملامح غرفتى فى الفندق. أشهد وقتئذ أنه فى الأسفار الطويلة ضاعت ملامحى وهربت ملامحك. عرفت بعد رحيلك أى نوع من النساء أنت فى زمان فيه النساء بألف وجه، عرفت كيف رفضت الهجرة إلى كندا مع أسرتك وراهنت على طموحى وأنا بعد أسير على درب التجربة متطلعاً إلى أفق بعيد. أشهد أن الفراغ الذى تركته رحلتك إلى المجهول لم يستطع إنسان أن يملأه فقد تركت فراغاً فى حياتى ولم أستطع البقاء فى البيت الذى ضمنا، فهاجرت منه، تركت فراغاً فى الإذاعة وتركت فراغاً فى أسرتك وتركت فراغاً فى صداقات ارتبطت ومازالت. رغم سنين مضت يقفز اسمك فى الحديث مثلاً نونو رضوان وفوزية العشماوى ونعم الباز ويحكين لى بعد سفرك كيف كنت مركز الكون فى دنيتك فهل كنت أستحق كل هذا الحب؟ لقد اعترف بنا المجتمع صديقين عاشقين وفى عشب العشق تمرغنا وعرفنا الشوك وقابلنا صبر الصبار كنا مجدافين فى بحر الحياة، وكان الشاطئ بعيداً وقبل أن نصل كسر الموج مجدافك وألقى بى فى جزر الخوف أشهد أن الأيام لو عادت مرة- وليس من طباعها أن تعود- لتكومت كقطة عند قدميك، نتحد وننصهر لنصبح كتلة واحدة متشابكة الأصابع والقلوب والعالم من حولنا لا يشغلنا كثيراً.
 
■ رسالة رقم تلاتة:
 
آمال: دعينى أهمس فى أذنك، عندما تحل ذكراك ويعصف الشوق بى افتح مكتبتك المرصوص فيها شرائطك الإذاعية وألتقط شريطاً أو اثنين ألمس أصابعك التى أمسكت بالشرائط وأحياناً أفتح دولابك المغلق وأشمك فى معطفك الفرو الأسود.
 
■ رسالة رقم أربعة:
 
آمال: يأتى شهر رمضان فأبحث عنك بين برامج الإذاعة لحظة المدفع فلا أجدك أتخيل نبرة صوتك المميزة وهى تطل على مستمعيك وأكتشف أنه سراب، حسبته ماء لكن صوتك باق فى الإذاعة أحياناً فى ذكرى رحيلك يتذكرون فيذيعون بعضاً من برامجك التى كانت سمتها الإتقان المذهل. تركت عند الناس بصمة مثل جيلك عمر بطيشة ونادية صالح ونجوى أبوالنجا وآيات الحمصانى. هل تصورت أنى أقابل سيدات فضليات لا ينسين صوتك الذى كان مزيجاً من الرقة والجدية وهى معادلة يصعب تواجدها. كان زمان الراديو قبيل اقتحام التليفزيون وكنت جسورة فى تناولك «صحبة وأنا معهم» لأن أدواتك كانت حاضرة. كنت من الجيل «اللى بيذاكر» قبل جيل الاستسهال وكثير من برامجك الإذاعية القصيرة القذيفة تعرضت للسطو المنظم. كنت تغضبين إذا تأخرت عن المشاركة فى الإصغاء لبرنامجك فقد تعودنا أن نجلس فى غرفة مكتبى وينساب صوتك وكم كنت أعتز باستفتائك لأذنى.
 
■ رسالة رقم خمسة:
 
آمال: خسارة الأيام التى قضيناها متخاصمين مبوزين لأسباب شديدة التفاهة لكن لماذا لم نفطن لتفاهتها فى حينها؟ لماذا ندرك ذلك بعد فوات الأوان؟. خسارة الأيام التى خصمها الآخرون من رصيدنا. الآن أتذكر هذا بحسرة ولكن ما قيمة الحسرة المتأخرة أعترف أنى تألمت كثيراً وفهمت وتغيرت ولكن الزمن غافلنى وسرق الموت فرحتى، وذهبت آمال.
 
لقد كانت أذنك، نقطة ضعفك مثل ملايين النساء فى الدنيا، من أذنيك تسربت أصوات الفحيح فالزوجة المخدوعة من زوج ثعلب لا يروق لها علاقة زوجية هادئة وعلى موجة فهم واحدة. والعانس التى جربت حظها مائة مرة وفشلت يشقيها سعادة الأزواج، لقد أرهقنا تدخل الآخرين بنصائح بطعم التآمر على هنائنا وسقطنا فىالفخ وتفيد بإيه يا ندم؟
 
وإنى أستعيد ما فات بحزن لكننا لم نكن قد نضجنا أو فهمنا ما حولنا. كنا فى مرحلة الهشاشة وكنا بصراحة «قابلين للكسر» أحياناً كنت أفضل الوحدة وأختار الذهاب لبيتنا القديم فى الروضة وأصوم عن الكلام وأعترف أنى كنت أجلس بجوار التليفون الأرضى الأسود، أتوقع سماع صوتك لإنهاء هذه الاختناقات الشعورية وكان صوتك عافيتى وكنت أعود كالأطفال وفوق درب العتاب نمسح الغضب.
 
■ رسالة رقم ستة:
 
آمال: فى «أدب الافتقاد»، أستدعى إلى ذاكرتى مشاهد بعيدة وبديعة. حين رأيتك لأول مرة فى الأقصر مسقط رأسك. طويلة نحيفة برقبة فرعونية وأنف مصرية وبشرة بلون طمى النيل. حين تحدثنا معاً وتسرسب الدفء.. إلى كلامنا. حين غضبت وركبت قطار الصعيد إلى الأقصر ووجدتينى أنتظرك على رصيف محطة الأقصر، وكنت قد حجزت مقعداً فى طائرة الصباح إلى الأقصر. رأيت دموع الفرح لهذه المفاجأة فى عينيك. حين جئت أتعرف على أشقائك شريف وكمال وصبرى. حين قدمتنى لوالدتك عقب صلاة يوم أحد. حين زرتك فى كلية التجارة أيام كانت فى شارع قصر العينى. حين كنا نتهاتف وأطلب منك أن تتكلمى باسم آخر غير اسمك لحفظ سرية علاقتنا.
 
حين كان بيتنا المتواضع «مضيفة» جاءنا فيه كل الكبار والمشاهير. حين سافرنا الدنيا وصرت مذيعة معروفة لكل أذن مصرية وحين سرت أنا قليلاً بثقة فى شارع النجاح. حين تعرفنا على نزار قبانى وبلقيس وغادة السمان وزوجها بشير الداعوق ولاتزال غنوة «يا جارة الوادى» تستدعى أيام زحلة فى لبنان. وحين فرقتنا الحياة بمشاغلها دبت خلافات، وجاء المرض واستفحل المرض ووقف متربصاً بك. وسافرنا أمريكا لنهزمه ولكن المقاومة كانت ضعيفة. أتذكر صمودك الكبير على آلام المرض، أتذكر لحظات الأمل كالبرق. أتذكر صوتك الواهن وأنت تعترفين بأخطاء الأيام التى «كعبلتنا» والصغائر التى ضخمناها بلا مبرر. ومساحات الفراق التى ما كان يجب أن نخصمها من مشوار العمر. نحن عند النهايات نتذكر البدايات دائماً.
 
■ رسالة رقم سبعة
 
آمال: «أيقونة» عمرنا حنان، صارت مسؤولة عنى. أخذت عنك الجدية وعفة العقل قبل الجسد. زوجها حليم يتمتع بعطر المسؤولية. ولم أحلم بصفة فى زوج ابنتنا أكثر من الشعور بالمسؤولية. حنان صنعت لنفسها «مكاناً» تحت الشمس بجهد وموهبة، فلا تقلقى، حفيدنا كبر وصار له شارب أخضر ويستعد لدخول الجامعة. وفى عمر التمرد ولكن أبواه بالفهم يحتويانه فلا تقلقى. حنان تزورنى وأحياناً نسافر معاً ونتذكر بعض مواقفك وكلماتك المأثورة فلا تقلقى.
 
أما أنا، فمازلت «أحرث» أرضى لتثمر وصارت قطرات العرق لها مذاق الحماس. وأقف على رصيف العمر بدهشة لم تهاجر من صدرى ومعى تذكرة سفر بلا تاريخ. إن كل القطارات فى سائر محطات الأرض تعلن عن تاريخ ومواعيد القيام والوصول بالدقيقة والثانية. فيما عدا قطارات الحياة فى محطات الزمن لا تعلن مطلقاً عن مواعيد السفر والمغادرة من محطات العمر!
نقلا عن المصرى اليوم 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع