بقلم /فاروق عطية
 
   جمال عبد الناصر كونه إنسانا له ما له وعليه ما عليه، أي أن له مميزات وله عيوب، كحاكم من المفترض والمقبول أن تكون مميزات وإنجازات عهده أضعاف أضعاف عيوبه ومساوئه؛ وأن تكون أخطاؤه فقط من تلك الأخطاء والسلبيات البسيطة. ذكرنا في المقالات السابقة مميزاته والإنجازات التي تمت في عهده والتي لا يمكن إنكارها، وأهمها النهضة الصناعية والتوسع في التصنيع عامة فقد تم في عهده إنشاء حوالي 1200 مصنع ما بين صناعات ثقيلة وصناعات تحويلية وصناعات استراتيجية وحربية كما تم في عهده إنشاء السد العالي. ولكن في هذه العجالة سأفند الأخطاء الفادحة التي تمت قي عهده.
 
   رغم ما قاله عبد الناصر وأيتامه عن الحكم الملكي الذي سبقه وهو أكثر مما قاله مالك في الخمر؛ إلى حد تجنيد وتكريس كل الوسائل الحكومية الإعلامية والتعليمية لانتقاد الحكم الملكي السابق؛ والدفاع الكامل والمستميت؛ وإخفاء أبشع جرائم وأخطاء وأسرار عهده التي فاقت كل تصور، والتي يمكن إجمال أهمها في هذه العجالة: 
 
   ـ خطايا سن وتأسيس وتأصيل الدكتاتورية والاستبداد في مصر: وذلك بإلغاء كافة الأحزاب المصرية واتهامها بالفساد ومحاكمة زعمائها بمحاكمات صورية استبدادية سميت بمحاكم الثورة واستبدالها بالإتحاد الاشتراكي وحده. وإلغاء وإرهاب وملاحقة وتصفية المعارضة والمعارضين؛ وادعاء الحكمة المطلقة للزعماء والمتحدثين؛ وذلك يعد من أسوأ ما ابتلي به شعب مصر من مِحَن وكوارث نفسية تدميرية رسّبت جنون العظمة في معظم قيادات وفئات شعب مصر؛ بالجدل الحنجوري والمغالطة والترهيب وادعاء الحكمة وإقرار وتأصيل سُنن عدم محاسبة الحكام. 
 
   ـ حطيئة الغدر باللواء محمد نجيب: الذي لولا تحمله عبء الانقلاب لما تحول جيش مصر من مهمته القومية الأساسية في الذود عن حدود الوطن والنظام الملكي والبعد عن السياسة إلي النقيض تماما، وبهذا يكون عبد الناصر هو أول من سن سُنن الغدر والخيانة والتنحية والإقصاء والملاحقات والمطاردات والإقامة الجبرية والاستبداد في مصر، بتدمير اللواء محمد نجيب وأولاده وعائلته للإنفراد بكافة سلطات حكم مصر .ولقد أفردت مقالا سابقا عما حدث للواء محمد نجيب تحت عنوان: محمد نجيب وجزاء سنمار.
 
   ـ خطيئة فصل مصر عن السودان: و بالرغم من أن الوحدة كانت من أكبر وأشهر الأهداف المزعومة لانقلاب عبد الناصر؛ فإن عهده هو من أسس وأيد وأوجد الحركات الانفصالية فعلياً في الوطن العربي؛ بتقسيم العالم العربي إلي دول تقدمية ودول أمبريالية، وكانت خطيئة الغدر بمحمد نجيب أحد الأسباب الرئيسية لرفض الشعب السوداني الاستمرار في الارتباط بمصر والانفصال. وﻴﺸﻬﺪ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺃﻥ ﻋﺒﺪﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﺗﺴﻠﻢ ﻣﺼﺮ ﻭﻫﻲ ﺍﺳﻤﻬﺎ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻣﺼﺮ ﻭﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻭﻳﻘﻊ ﻗﻄﺎﻉ ﻏﺰﺓ ﺗﺤﺖ ﺇﺩﺍﺭﺗﻬﺎ، ﻭﺳﻠﻤﻬﺎ ﻟﻤﻦ ﺑﻌﺪﻩ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻏﺰﺓ ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺛﻠﺚ ﻣﺼﺮ (ﺳﻴﻨﺎﺀ).
 
ـ خطيئة تلفيق التهم ومحاكمة وسجن شخصيات ثقافية لا يجوز سجنها وتحول السجون الى اماكن رهيبة واغتيال المعارضين:كان نظام عبد الناصر تجريبيا، بدأ بالتحالف مع الاخوان والتعويل على العلاقات مع امريكا ثم الصدام مع الاثنين، ومن اضطهاد الشيوعيين وقتل القائد الشيوعي المثقف شهدي عطيه تحت التعذيب الى اقامة الاتحاد الاشتراكي وضم الشيوعيين اليه. وبتلك الجرائم يكون عبد الناصر هو أول من سن سُنن اغتيال وقتل المعارضين؛ مع سن جرائم تفصيل التهم وتزييف الأحكام القانونية وإلغاء العدل وتأصيل الدكتاتورية والاستبداد في مصر.
 
   ـ الخطايا الحنجورية: يعتبر ناصر هو مؤسس وسان وباذر ومبيح كافة أساليب خداع وتضليل وتغييب الشعب المصري والعربي؛ وذلك بالشعارات البراقة والألفاظ الرنانة والإعلام الفاسد المضلل وخطب الشتائم التي استعان لكتابتها بالكثير من منافقي ومضللي عهده؛ أمثال هيكل وغيره من المطبلين؛ وبذلك بدأت عهود التنويم الفكري في مصر حتى أنك كنت تستمع لشعارات وأقوال ملائكية رنانة؛ تتناقض مع واقع الأفعال الشيطانية القائمة؛ مثل مواويل الوحدة العربية التي لم تتحقق؛ ورمي إسرائيل ومن ورائها في البحر ولم يحدث؛ وارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد؛ ومن تجرأ على رفع رأسه قطعوها له؛ وما إلى ذلك من الأقوال والشعارات الكاذبة؛ التي سمعها وعاشها وحفظها جميع من عاصر تلك الحقبة الحنجورية الخادعة؛ التي أصّلت الخداع والتضليل. 
 
   ـ خطيئة تدمير الاقتصاد المصري الذي استلمه في عنفوان قوته: رغم أن العهد الناصري قد جند كافة قدراته في تشويه العهد الملكي السابق؛ لكنه لم يستطع رغم التزييف أن يمحو معالمه؛ وحقيقة استلام ناصر لمصر وهي في أزهى عصورها الاقتصادية والحضارية؛ حيث كان الجنيه المصري يعادل خمس دولارات أمريكية، والجنيه الإسترليني الذهب يعادل 97 فرشا ونصف؛ وكان القطن المصري العالمي يسمى بالذهب الأبيض ولا تستطيع مصانع مانشيستر للغزل والنسيخ الاستغناء عنه؛ ليتم تدميره وتدمير الزراعة المصرية عصب الاقتصاد المصري ببناء السد العالي دون دراسة متأنية لتفادي مضاره العديدة وأهمها حجز الغرين خلفه وحرمان الأرض الزراغية من تواجده؛ كما ﺿﻴﻊ ﺍﻟﻐﻄﺎﺀ ﺍﻟﺬﻫﺒﻰ ﻟﻠﺠﻨﻴﻪ ﺍﻟﻤﺼﺮﻯ ﻭﺿﻴﻊ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻤﺼﺮﻯ لكي يتم تسليم حكم مصر واقتصاد مصر مديناً وفي أسوأ حالاته.
   ـ بذر وتنمية بذور الأحقاد والضغائن في مصر: وذلك بإشاعة العداوة والأحقاد الطبقية بين الفقراء والأغنياء من شعب مصر؛ الذي كانت تسوده علاقات المودة والأخوة؛ بتأميم المصانع ونزع ملكية الأراضي من الإقطاغيين؛ وكان من الأفضل تقريب الفوارق الاجتماعية بفرض الضرائب التصاعدية على الدخول.
 
   ـ خطايا تدخلات عبد الناصر في الشئون الداخلية للشعوب والحكومات العربية الأخرى: بإشاعة مزاعم التحرر والحرية والتخلص من الإمبريالية في الوطن العربي. ساعد في إزاحة  ملك ليبيا المناضل ضد الاستعمار الإيطالي محمد أدريس السنوسي الذي تم تنصيبه ملكا علي ليبيا في 25 من نوفمبر 1950م، حين توحدت الأقاليم الثلاث الليبية (برقة وطرابلس وفزان) وقيام دولة ليبية دستورية ديمقراطية اتحادية مستقلة ذات سيادة (ملكية دستورية)، ظل السنوسي ملكا على ليبيا حتى انقلاب الفاتح من سبتمبر 1969م بدعم ناصري بزعامة الملازم اول معمر القذافي فأطاحت بحكم الملك إدريس السنوسي، الذي انتقل إلى مصر لاجئا سياسيا، وظل بها مقيما حتى توفي في 25 من مايو 1983م. 
 
وبالمثل التدخل في شئون اليمن لتغيير حكمها بالجيش والعتاد المصري. بدأ التدخل عقب انقلاب المشير عبد الله السلال على الإمام محمد البدر حميد الدين في 26 سبتمبر 1962م واعلانه الجمهورية في شمال اليمن بدعم عبد الناصر. هرب الإمام البدر إلى السعودية وبدأ الثورة المضادة من هناك. تلقى البدر الدعم من السعودية والأردن وبريطانيا، تلقى الجمهوريون الدعم من مصر. ارسل عبد الناصر ما يقرب من 70000 جندي. واستمرت الحرب لثمان سنوات (1962-1970م) وسيطر الجمهوريون على الحكم في نهاية الأمر. استنزفت السعودية بدعمها للإمام طاقة الجيش المصري وأثرت على مستواه مما أدى لهزيمة 1967م القاسية.
   ـ خطيئة ترك طغيان وفساد المحاسيب والأصدقاء في حكومته: كان من اهم خطايا عبد الناصر سكوته عن فساد وفوضى نائبه المشير عبد الحكيم عامر ورفاقه مع الممثلات والمغنيات والمومسات، والذي انتهى باكبر هزيمة لمصر والعرب في التاريخ؛ وفتح مدارس التعريص والتجسس بزعامة صلاح نصر وقواده المعروفين والمشهورين أمثال حبيب العادلي؛ وتأسيس بوليس الآداب  فقد كان بؤرة إفساد مصري وعربي مازالت نتائجه وثماره المسممة منتشرة حتى الآن.
 
   ـ خطيئة نكسة 1967م: برغم علم عبد الناصر بفساد حاشيته وغرق معظمهم في وحول الرذيلة والدعارة وأحضان الغواني؛ إلا أنه أصدر قراره بسحب قوات الطوارئ الدوليه من منطقة الحدود المصريه الإسرائيلية في سيناء، وأمر بحشد الجيش المصرس على الحدود، وبعدها اعلن اغلاق مضيق تيران فى وجه السفن الاسرائيليه المتجهة أو الخارجة من ميناء ايلات، اعتبرت اسرائيل ذلك اعلان حرب عليها. في 3 يونيو شكلت اسرائيل وزارة حرب برياسة ليفى اشكول واعلنت التعبئه العامه، وفي صباح 5 يونيو (الساعة السابعة و45 دقيقة) شنت هجومها الخاطف وهاجمت المطارات الحربيه المصريه وكل المرافق الجويه المصريه وفى ظرف 3 ساعات دمرت اسرائيل 150 طياره مصريه على الارض. فى نفس الوقت شن الجيش الاسرائيلى هجمات على القوات المصريه فى سينا وعلى الضفه الغربيه اللى كانت تابعه للاردن، وعلى مرتفعات الجولان السوريه واستولى على غزه اللى كانت تابعه للاداره المصريه وقتها.
   ـ خطيئة اغتيال المشير عبد الحكيم عامر دون محاكمة عادلة: قيامه باغتيال رفيقه وصديقه وشريكه وزميله في الضباط الأحرار وأقرب المقربين إليه بسبب اخفاقه الحربي مما أدي للهزيمة المروعة، هي جريمة قانونية يعاقب عليها الشرع والقانون. ونسي أو تناسي أنه هو شخصيا مسؤول أول عن هذا الإخفاق، أولا: كان يعلم تمام العلم عدم كفائة عامر كضابط مثله تماما حيث أن كل من الضباط الأحرار لم يتلقوا العلوم العسكرية الكافية كونهم تخرجوا بعد ستة أشهر فقط بسبب الحرب العالمية الثانية. ثانيا: هو من ضغط على مجلس قيادة الثورة والرئيس محمد نجيب للموافقة على ترقيتة من رتبة صاغ (رائد) لرتبة لواء وهو لا يزال في الـ 34 من العمر متخطيا ثلاث رتب، وأصبح القائد العام للقوات المسلحة المصرية. وليست جريمة الاغتيال يالسم هي جريمه ناصر الأولي فقد مارسها مع الملك فاروق والعديد من معارضيه، ولعدالة السماء مات هو أيضا بتفس الطريقة.
 
   ـ خطيئة تمثيلية إعلان التنحي يعد النكسة: في 9يونيو 1967م إثر النكبة التى حلت على مصر والعرب، ألقى جمال عبد الناصر خطاب التنحي وأهم ما جاء فيه: برغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفى فى الأزمة - فإننى على استعداد لتحمل المسئولية كلها، ولقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدونى عليه: لقد قررت أن أتنحى تماماً ونهائياً عن أى منصب رسمى وأى دور سياسى، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدى واجبى معها كأى مواطن آخر
.
 في صباح اليوم التالي كان تنظيم الشباب الناصري وأعضاء الاتحاد الاشتراكي يطوفون بالنقابات العمالية والمصنع والمدارس والمصالح الحكومية يصدرون الأوامر للخروج في مظاهرات لرفض هذا التنحي. وأنا شخصيا شاهد على ذلك حيث كنت أعمل في مصانع شركة النصر للأسمدة والصناعات الكيماوية بالسويس، وكنا في موقع نشاهد منه التفوق الإسرائيلي جويا وبريا ونستقبل في مستشفى الشركة الجنود الفارين من جحيم الحرب سيرا على الأقدام ممزقي الملابس دامي الأقدام، وفي نفس الوقت نسمع أكاذيب الإذاعات المصرية بالانتصار وتحطيم مئات الطائرات الإسرائيلية وقرب الدخول إلى تل أبيب ولا نجرؤ علي التكذيب. وإبان خطاب التنحي إندفع شعب السويس لتحطيم أقواس النصر المنتشرة بالمدينة وتمزيق صور الزعيم الذى وثقوا فيه وأوصل البلاد للهزيمة. وفي صباح اليوم التالي كانت أوتوبيسات جميع الشركات العاملة بالسويس قد امتلأت بالعاملين نظير دفع 20 جنيها ووجبتي إفطار 
وغداء فاخر لكلٍ، متوجهة للقاهرة للهتاف برفض التنحي مع تهديد من يمتنع بالفصل من العمل.