بقلم : د . مجدى شحاته
كل ما أحيط بالميلاد المجيد كان بسيطا هادئا ، دخل يسوع العالم فى صمت وسكينة بدون اى ضجة ، بعيدا عن كل مظاهر الترحيب . المكان حافلا بكل ملامح الفقر والحرمان . مجرد حظيرة للمواشى ملحقة بخان فى قرية من تخوم بيت لحم ، تلك البلدة الصغيرة المحاطة بالتلال الجيرية وأشجار الزيتون . 
مجوس من المشرق قصدوا بيت لحم حيث رأوا فى المشرق نجما يلمع ويضوى بنور عجيب ، يؤكد ميلاد ملكا لليهود ، وساروا فى رحلة شاقة طويلة ، واجتازوا صعابا جمة ، وتعرضوا خلالها لمخاطر كثيرة ، وكانوا معرضين للقتل من قبل هيرودس الملك واتباعه . لكنهم كانوا عازمين كل العزم ان يحضروا  ليسجدوا لمولود المذود ، حاملين معهم هداياهم الثمينة. وما ان توقف سير النجم فوق المكان ، وقع بصرهم على المغارة الحقيرة للماشبة ، حيث يقف بمدخلها نجارا جليليا جاوز متوسط العمر ، بجواره فتاة صغيرة السن تتطلع الى مزود حقير للماشية يرقد فيه طفلا وليدا ، لم يكن لأمه من يساعدها فى ولادته ، فقمطته وحدها . النور الذى أضاء الظلمة لم يكن حسيا ، ولكن ضياء معنويا روحيا ، نور العالم الذى جاء من السماء وشرف البشرية ، لم يضيئ حينذاك الا قلوبا قليلة مؤمنة متواضعة . كلمة " مجوس " التى دعاهم بها معلمنا متى البشير كلمة يونانية ومعناها " مبهم او غامض " ، واطلقت أولا على شيعة من طلاب العلم المديانيين والفارسيين .ثم اطلقت بعد ذلك على الفلكيين أو قراء الطالع . وكان الاعتقاد الجازم فى تلك الازمان ، ان أية ظاهرة فلكية غريبة تدل على مجئ ملك . جاء المجوس الى طفل المذود ، مقدمين احتراما عظيما وتقديرا كبيرا  " ثم فتحوا كنوذهم وقدموا للمولود هدايا ذهبا ولبانا ومرا ". كانت زيارة المجوس لها دلالات عظيمة فى تاريخ المسيحية ،فقد كانت بمثابة اعلان المسيح للأمم وربط حوادث الانجيل مع المعتقدات اليهودية والنبوات القديمة والتواريخ الفلكبةوالعلوم الحديثة . كان لكل هدية معنا خاصا ورمزا عظبما ، الذهب رمزالملوكية المولود ، واللبان رمزا لكهنوته والمر رمزالآلامه .
بالرغم من أن طفل المذود " الله الظاهر فى الجسد " هو مصدر كل الخير لكل البشر ، وهو الخالق الذى يعطى ويهب كل مخلوق ، وهو الذى يقدم لنا كل ما نحتاجه ، ولم يدعنى معوزا شيئا من أعمال كرامتك ...  الا اننى بالاكثر .. اتعجب واندهش حينما أرى المخلوق يقدم شيئا للخالق !!بل والاكثر عجبا ودهشة ، حينما أقرأ فى الكتاب أن الله الخالق هو الذى يطلب من المخلوق ، فهو الذى قال لنا من خلال الوحى الألهى " لا تظهروا أمامى فارغين " ( خر 23 : 15 ) .
اليوم ونحن نحتفل بعيد ميلاد مخلصنا يسوع المسيح ، ماذا نقدم لمولود المذود ، حتى لانقف أمامه فارغين ؟؟ صدقونى اذا تطلعنا الى حقيقة الامر نرى جليا ان طفل المذود ، لايريد منا 
 
أى تقدمات او هدايا فى حد ذاتها ، انما هو يريد القلب " فهو القائل : " يابنى اعطنى قلبك " ( ام 23 : 26 ) .. نعم صاحب العيد اليوم يريد القلب ، بكل ما يحمله من حب وايمان صادق ومشاعر طيبة ، فان كانت كل تقدماتك خالية من الحب ، فأنت لم تقدم شيئا . ان مولود المذود يحب كل البشر ، وكل فرحه ومسرته ان يسكن معنا فى مسطنا ، بل يسكن فى أعماقنا ، فى قلوبنا ، فأغلى عطاياك التى يمكن ان تقدمها هو قلبك المملؤ  بالحب . يقول الرب : " هذا هو موضع راحتى الى الابد ، ههنا أسكن لأنى اشتهيته " ( مز 132 : 14 ) .
ربى يسوع .. ياطفل المذود .. فى يوم ميلادك المجيد  .. آتى اليك .. لا أحمل ذهبا ولا لبانا ولا مرا ، ولكن اتى اليك مقدما لك كل ما أملك ، اقدم لك قلبى المملؤ بكل الحب والايمان ... وهو أعز وأغلى ما أملك .