بقلم : نبيل شرف الدين
أقول لخادم الحرمين: شكراً، فلن ينسى المصريون وقفتكم معهم، ليس بالمال كما يظّن الحمقى، بل بمواقف الرجال، وسيذكر التاريخ أن دعمكم لخيار شعب مصر حسم نجاح ثورتهم على جماعة قدمت مصالحها على مصلحة الوطن

ليس بعيداً عن السياسة وهمومها وألاعيبها ومؤامراتها التي لا تنتهي، فكرت بالاحتفال بعيد الأضحى المبارك، أعاده الله على الأمة الإسلامية بالخير واليُمن والبركات، لكن بطريقة لا تحول دون بهجتنا بالعيد، وتبقى في قلب الأحداث التي تلاحقنا، أكثر مما نسعى إليها، وهي إرسال بطاقات معايدة لأشخاص يلعبون أدوارًا ما في حياتنا.

ولنبدأ بمصر، ولعلها الدولة الوحيدة التي تحاكم رئيسين، وتضعهما في السجن في وقت واحد، رغم اختلاف المشارب والتوجهات، وأقصد الرئيس السابق محمد مرسي، والأسبق حسني مبارك.

أقول لمبارك: لقد فشلت أن تنجح، ولعل بطانتك وأقرب الناس إليك لم يكونوا أمناء عليك، فقد راحت "بطانة السوء" تتصارع فيما بينها، وتتجاهل تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، حتى فاض الكيل بالشعب، وخرج في ثورة غير مسبوقة بتاريخ مصر المعاصر، وانحاز الجيش للشعب، مع أنك كنت أحد قادته، لكن "بطانة السوء" تبجحت حتى على المؤسسة العسكرية، التي تُدرك أنها كانت وستظل درع مصر وسيفه، فكانت نهايتك الدرامية بعد حكم مصر ثلاثة عقود، وخوض كل حروبها، ولن يجرؤ كثيرون على إنصافك الآن، وإلا ستطاله الاتهامات المُغلظة، لكن التاريخ كفيلَ بالحكم عليك، وتقويم ما لك وما عليك.

أما الرئيس السابق مرسي فأقول له: لقد نجحت أن تفشل بجدارة وفي عام واحد، وكانت عشيرتك "جماعة الإخوان" سبباً لنهايتك المأساوية، تواجه حزمة اتهامات أبسطها "الخيانة العظمى"، وبعدما انتقلت "من البرش للعرش"، كما يتندر عليك المصريون، فقد عدت من "العرش للبرش"، نتيجة شبق عشيرتك للتسلط على البلاد والعباد، ولم يقيموا وزناً لمؤسسات "الدولة العريقة"، فراحوا يزرعون رجالهم في كل مكان، وسارعوا لأخونة الدولة بتبجح، أثار ضدك ملايين المصريين، الذين انحاز إليهم الجيش أيضًا، كما فعل في 25 يناير، وتحولت جماعتك من حكم مصر، لمجرد "عصبة مارقة" تلاحقها قوات الجيش والشرطة، ولن تطول هذه المواجهة لسبب بسيط علمتنا إياه حكمة التاريخ، مفاده: أنه لا يمكن لجماعة أن تنتصر على دولة وشعب.

نأتي لرجل كانت السّرية تخيم على اسمه ودوره كرئيس للمخابرات الحربية، ليصبح الآن ملء السمع والبصر، والبطل الشعبي الذي طالما حلم به المصريون، وبالطبع أقصد الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع ورجل مصر القوي الذي كتب اسمه في تاريخها بحروف من نور، لأن العناية الإلهية شاءت أن تضعك في مفترق الطرق، فانحزت لشعبك الذي رفعك لمنزلة سامية، تتجاوز الرتب والمناصب، وهي البطولة والزعامة، وأنت جديرَ بها، لكنك الآن تسير على خيط رفيع بين ضغوط الشعب عليك لخوض غمار الرئاسة، وما قد يترتب على ذلك من تأكيد اتهامات خصومك والمجتمع الدولي، بأن ما حدث كان "انقلابًا عسكريًا"، وغاية ما يمكنني أن أنصحك به أن تحتفظ بتواضعك، وتنتبه لألاعيب "صنّاع الطُغاة"، فلا نحسبك منهم.

ومن مصر للسعودية، وأقول لخادم الحرمين: شكراً، فلن ينسى المصريون لمقامكم وقفتكم معهم، ليس بالمال كما يظّن الحمقى، بل بمواقف الرجال، وسيذكر التاريخ أن دعمكم لخيار شعب مصر حسم نجاح ثورتهم على جماعة قدمت مصالحها على مصلحة الوطن، وسيعرف العرب والعجم أن موقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ضد العالم كله، أفسد مخططات خبيثة لمصر ودول الخليج، فليس كل ما يُعرف يقال أو حان أوان إعلانه، لكن الخلاصة أن موقفكم أربك حسابات قوى عظمى وإقليمية، وانحاز لأبناء أمته بتواضع الملوك وتعففهم عن الصغار والصغائر.

نصل للإمارات وحُكّامها أبناء "زايد الخير" لأقول لهم: هؤلاء الأشبال من ذاك الأسد، رحمه الله، فهذا عهدنا بكم أهل نخوة مستلهمين سيرة أبيكم الذي ساند مصر في كل حروبها وكل المحن، لهذا فرصيدكم بقلوب المصريين تجاوز حتى بعض من كُنّا نحسبهم كباراً من المصريين، فوقفتم من اليوم الأول مع المصري البسيط، منحازين دون تردد لخياره، وساندتم الموقف المصري في المحافل الدولية، ولن ينسى المصريون لكم "وقفة العزّ" أبدًا.

وبقيت المعايدة الأخيرة للرئيس الأميركي باراك حسين أوباما، ولعله بحكم العرق الإسلامي، يعرف معنى عيد الأضحى ومغزاه، لهذا سأكتفي بما قاله شاعر العامية المشاغب أحمد فؤاد نجم لسلفه نيكسون:
مش هاقول أهلاً ولا جهلاً
ولا تيجي ولا ما تجيش
خد مني كلام يبقى لك
ولو انك مش هتعيش
بيقولوا اللحم المصري
مطرح ما بيسري بيهري
ودا من تأثير الكشري
والفول والسوس أبو زيت
ولعله يجد من يفهمه معنى ومغزى الكلمات العامّية الموجعة، ونحن بدورنا ندرك نظرتكم لنا: أسواق لمنتجاتكم وأن واشنطن باعت كل أصدقائها، من شاه إيران حتى مبارك، لهذا يقولون بمصر: "المتغطي بالأمريكان عريان".
وكل عام وأنتم بخير.