بقلم: نذير الماجد ما قاله مؤخرا الشيخ العريفي، وهو أحد وجوه التطرف السلفي، يمثل حلقة أخرى من حلقات "الرجوع الأبدي" للفتن المتجولة بين المدن والأحياء والأزقة والأزمنة، فعندما يصف خصمه السيد السيستاني بالزنديق والفاجر فإنه يستعيد ما قاله الشيخ ابن تيمية عن غريمه الشيخ المطهر الحلي حينما يصفه بالمنجس الحلي رغم أنه كان تلميذا لديه، وعندما يمعن في سب وشتم الرافضة ويخرجهم من الدين والملة فإنه يكرر نفس الفعل الاستئصالي لشيخ متحمس آخر في القرن الرابع الهجري عندما سب المفيد، وإليك ما قاله بالحرف الواحد صاحب الشذرات الشيخ التطواني حيث ينقل أن شيخا متحمسا "قصد شيخ الشيعة ابن المعلم وهو الشيخ المفيد وأسمعه ما يكره فثارت تلامذته وقاموا وأستنفروا الرافضة وأتو دار قاضي القضاة أبي محمد بن الأكفاني والشيخ حامد بن الاسفرائيني فسبوهما وحميت الفتنة" ثم تفاقمت حتى شملت بغداد كلها. ولكن مشكلة الجماعات الدينية سيكولوجيا أنها تستثار بسهولة، فما إن تقرع طبول الليل حتى تبدأ حفلات الشتم وتنتشر عدوى التراشق بالسباب والبيانات والاحتجاجات، إن الجماعات وهي تخوض هذا المعترك تتناسى التاريخ لتجازف بنفسها مرة بعد مرة في محاولة انتحار جماعي، مما يعني أنها لا تجيد قراءة التاريخ أو أنها لا تتعلم أو لا تريد أن تتعلم. الرمز في المنظور الديني له صله وثيقة بفكرة الاصطفاء، حيث هناك تراتبية ماورائية تنعكس في شكل تمايز طبقي مغلق، تحدد فيه الأفضلية سلفا وبشكل نهائي. يستمد الرمز حضوره وما يسوغ به مرتبته الكاريزمية من خلال تعالقه واتصاله بمصدر الاصطفاء والذي هو المحور الذي يدور حوله التاريخ ويحدد هوية الجماعة، وبالتالي فإنها يجب أن تختزل في الرمز ذاته الذي يصبح بصفته ممثلا شرعيا لفكرة الاصطفاء روح الجماعة وبؤرة تماسكها، وهكذا فإن الجماعة تذوب في الرمز وتذب عنه في آن معا، لكي تنجرف هذه العلاقة في حدها الأقصى إلى شكل من أشكال إلغاء الجماعة وتغييبها مقابل حضور الرمز، هذا التقابل الجدلي بين غياب الجماعة وحضور الرمز يترجم ذاته في تضخم رمزوي في خضوع تام لسلطته وهو مرشح إلى أن يكون شكلا من أشكال عبادة الرمز أو البطل، وطبيعي والحال كذلك أن تشل الإرادة وتعطل ملكات التفكير مما يؤسس إلى جماعة مستلبة تعاني من اختلال في الادراك ومصادرة في الوعي. ليست المشكلة في الرمزية ذاتها فهي صناعة ثقافية تشمل جميع الثقافات والمجتمعات، حيث أن السياسي أيضا رمز وكذلك المبدع والمفكر، إن النخبوية والتي لا غنى عنها في كل المجتمعات هي أساسا حالة رمزية، ولكن ثمة فارق جوهري بين رمزية ناتجة عن فعل اصطفائي غيبي وأخرى هي بمثابة نتاج ثقافي، أي أنها انعكاس وترجمة أمينة للمجتمع: الأولى حالة فوقية سماوية والثانية حالة تحتية أرضية. هناك جانب وظيفي آخر ليس أقل أهمية، فكل الأمم والجماعات وخاصة البدائية تعيش على فكرة تقديس الأشحاص المؤسسين، فالجماعة في لحظة النشأة تعتاش على الأسطورة، ولكنها ما إن تبلغ مرحلة النضج والاكتفاء الذاتي فإنها بحسب أوغست كونت تحرز انتقالا نوعيا باتجاه التفكير والمعايير الوضعية التي ستشمل الرمزية فتتحول إلى رمزية موضوعية كنتيجة طبيعية لاستحقاق معين. بين الرمزيتين بون شاسع إذن، تلغي الأولى حضور الفرد وشخصية الجماعة فيما الأخرى تعززها وترتكز عليها. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |