كتبت: ميرفت عياد - خاص الأقباط متحدون
نحن اليوم بصدد الحلقة الثانية من تاريخ البطاركة الذين كانت لهم مواقف إيجابية تدل على وطنيتهم ورفضهم لأي استغلال أجنبي، فالمزايدة على وطنية الأقباط ينفيها التاريخ الذي أدعوكم إلى التجوال في صفحاته من خلال بعض المواقف التي قام بها بطاركة الأقباط.
ومن هؤلاء البطاركة البابا كيرلس السادس الذي يعد عصره عصرًا ذهبيًا للكنيسة والوطن، وذلك من خلال علاقته الحميمة بالرئيس عبد الناصر والتي عبر عنها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل قائلاً: "كانت العلاقات بينهم ممتازة, وكان بينهما إعجاب متبادل, وكان معروفًا أن البطريرك يستطيع مقابلة عبد الناصر في أي وقت يشاء، وفى لقاء من اللقاءات العديدة التي تمت بين البابا والرئيس في سنة 1959 م قال البابا: "إنى بعون الرب سأعمل على تعليم أبنائي معرفة الرب وحب الوطن ومعنى الأخوة الحقة ليشب الوطن وحدة قوية لديها الإيمان بالرب والحب للوطن.." فأثنى الرئيس جمال عبد الناصر على وطنية البابا كيرلس ومدى وعيه والتزامه بتربية أولاده على حب الرب والوطن.
البابا كيرلس السادس .. وبيان مشترك مع شيخ الأزهر
كما كان لقداسته لقاءات كثيرة بفضيلة شيخ الأزهر الإمام الأكبر حسن مأمون لتوكيد روح المحبة والتعاون لخير الوطن وأصدرا بيانًا مشتركًا جاء فيه: "من فضيلة الإمام الأكبر الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر، وقداسة البابا كيرلس السادس بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية إلى أصحاب الضمائر الحرة في أنحاء الدنيا، نبعثها صيحة مدوية معلنة أن العرب أحرار يرفضون الذل، وأنهم يؤمنون بالله ثم بمقدساتهم التي يرونها رمز إيمانهم، لذا ونحن في جو من الأخوة والصفاء والألفة، النابعين من قلوب عامرة بالإيمان بالله، مليئة بالمحبة الصادقة، والإخلاص لأمتنا ولوطننا، نرى أن نتوجه في هذا الجو العصيب إلى العالم لنخاطب ضمائرهم بما اتفقت عليه كلمتنا... وهو أن الصهيونية العالمية قضية جنس لا تمت إلى الأديان بصلة وهي تعادي الإسلام والمسيحية، وليست هذه العداوة جديدة ولا مستحدثة وإنما هي وليدة تاريخ طويل، ونرفض تمامًا فكرة تغير الوضع القائم بالقدس قبل العدوان الغاشم كما نرفض تدويل القدس".
وكان لهذا البيان المشترك العظيم صداه القوي بين شعوب العالم كله، ومن أجمل العبارات التي أرسلها البابا كيرلس السادس في برقيته إلى بابا روما: "سنموت مسلمين ومسيحيين شهداء يدافعون عن القدس".
جمال عبد الناصر.. والتبرع لبناء الكاتدرائية
ولا ننسى الموقف الرجولى الرائع الذي وقفه الرئيس جمال عبد الناصر تجاه بناء الكاتدرائية فقال: "لا ننسى أن الرئيس جمال عبد الناصر أعطى تصريحًا لبناء الكاتدرائية الكبرى وحضر حفل وضع الأساس فيها ثم حضر حفل افتتاحها وألقى كلمة طيبة جدًا وتبرع بمبلغ 100 ألف جنيه في 1967 م, وكلف الرئيس عبد الناصر إحدى شركات القطاع العام بأن تقوم بعمليات بناء الكنيسة الكبرى, وأسرعت الشركة في بنائها بحيث انتهى الهيكل الخراساني في سنة واحدة, على هذا الحجم الضخم, والديون التي بقيت صدر قرار بالتنازل عنها في عهد عبد الناصر, وبعض منها في عهد السادات.
البابا كيرلس السادس .. ومحبته لمصر
وعمل البابا كيرلس السادس من أجل مصر بعد احتلال إسرائيل لسيناء بعد حرب الأيام الستة وذلك في رسائله الباباوية والبيانات التي أصدرها في زياراته، واللقاءات التي حضرها للم شمل مصر وتدعيم موقف الرئيس عبد الناصر، هذا إلى جانب قيامه بحضور الندوات والمؤتمرات الشعبية والوطنية التي كان يحضرها أقباط ومسلمون للمناقشة حول وثيقة الكاردينال بيا والفاتيكان حول تبرئة اليهود من دم المسيح وقد وقفت الكنيسة القبطية موقفًا شديد الصلابة ممثلة في مجمعها المقدس الذي أصدر بيانًا يرفض بشدة هذه الوثيقة ويؤيد التصريح الثنائى الذي أصدره البابا كيرلس مع شريكة في الخدمة البطريرك الأنطاكي مار أغناطيوس يعقوب بهذا الصدد.
وعندما قامت إسرائيل بضم القدس لأراضيها وتهويدها وغيرت وضعها قبل سنة 1967م، قام البابا كيرلس السادس بالاتصال بالكنائس وحكوماتها لكي تقوم بتأييد عدم ضم القدس للأراضي اليهودية وأدلى قداسته بالعديد من الأحاديث الصحفية, وحوارات للتلفزيون الفرنسي من أجل الحقوق العربية في مدينة القدس وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، هذا إلى جانب اتخاذه لقرار بمنع الأقباط بالذهاب إلى القدس للتقديس احتجاجًا على الوضع الراهن.
وفاة عبد الناصر ..وإعلان الحداد في الكنيسة
تلقى البابا كيرلس نبأ وفاة الرئيس عبد الناصر بحزن شديد وأصدر بيانًا إلى الأمة يعبر فيه عن شعورة قال فيه: "إن الحزن الذي يخيم ثقيلاً على أمتنا كلها لانتقال الرئيس المحبوب والبطل المظفر جمال عبد الناصر إلى عالم الخلود أعظم من أن يعبر عنه أو ينطق به. إن جمال لم يمت ولن يموت, إنه صنع في مدى عشرين سنة من تاريخنا ما لم يصنعه أحد من قبله في قرون, وسيظل تاريخ مصر وتاريخ الأمة العربية إلى عشرات الأجيال مرتبطًا باسم البطل المناضل الشجاع الذي أجبر الأعداء قبل الأصدقاء على أن يحترموه ويهابوه ويشهدوا بأنه الزعيم الذي لا يملك أن ينكر عليه عظمته وحكمته, وبعد نظره وسماحته ومحبته وقوة إيمانه بمبادئ الحق والعدل والسلام".
ومنذ إعلان نبأ وفاة جمال عبد الناصر أمر البابا كيرلس جميع الكنائس أن تدق أجراسها دقات الحزن، وأقيمت صلوات القداسات الإلهية وصلاة ترحيم على روح عبد الناصر رئيس جمهورية مصر الراحل، واتشحت جميع الكنائس بالسواد طوال فترة الأربعين يومًا.
البابا شنودة الثالث .. ومواقفه الوطنية
وأخيرًا وليس آخرًا جاء البابا شنودة الثالث ليكمل مسيرة من سبقوه من البطاركة بحكمتة المعهودة، ويسجل لنا التاريخ الحديث أن البابا شنودة لعب دورًا وطنيًا كبيرًا، وهنا أردت ألا أتحدث أنا عن مواقفه الوطنية، بل أترك هذا لعشرات السياسيين والكتاب والصحفيين الذين لهم على مر السنين انطباعات عن قداستة من خلال آرائه في جبل الهيكل، والبقرة الحمراء، والرقم 7، والكنيسة القبطية في المهجر، هذا إلى جانب أفكاره عن الديموقراطية، وصراع الحضارات، وحوار الأديان، وخريطة الطريق وزيارة القدس، بالإضافة إلى ردود أفعاله حيال دفع الجزية، وحرمان الأقباط من دخول الجيش، وكنيسة ماكس ميشيل، ووثيقة الكاثوليك الأخيرة التي وقعها بابا روما والعديد من الموضوعات الشائكة والحساسة.
ومن هؤلاء السياسيين والكتاب والصحفيين الصحفي محمود فوزى الذي أشار في كتابه "البابا شنودة وتاريخ الكنيسة القبطية" في عام 1991 إلى أن قداسته رغم أنه اختلف مع الرئيس السادات ذات يوم واعتكف في ديره لسنوات، لكنه لم يعكس أثر ذلك على أحد حتى الذين اختلفوا معه لم يتخذ أي إجراء كنسي ضدهم، فهذا الرجل قلبه يتسع لكل آلام البشر وسعة أفقه تتسع عما يراه من أفاق.
ينما أوضح رجب البنا في مجلة أكتوبرعدد أغسطس 1997 قائلاً إن علاقتي بقداسته ليست علاقة صحفي بمصدره ولكنها علاقة روحية عميقة وممتدة منذ ما يقرب من عشرين عامًا، فهو بالنسبة لي صديق وأستاذ وأعترف أنى تعلمت منه الكثير، كما أنه وطني من الطراز الأول.
البابا شنودة ..الضمان الحقيقي ضد الفتنة والتطرف
أما الصحفي فؤاد قنديل، فقال في معرض تغطيته حفل تكريم قداسته في طرابلس واستلامه جائزة اللجنة الدولية لحقوق الإنسان التي تحمل اسم "العقيد معمر القذافي" إن الآلاف من الجموع احتشدت لاستقباله في الشوارع وكانت لكلمته الموجزة لمراسلي الصحافة آثرها البالغ في كل من تلقاها.
"أنا لا أتردد في كل مناسبة أن أعلن عن محبتي وتقديري لهذا الرجل العظيم الذي اعتبره من الضمانات الحقيقية ضد الفتنة والتطرف وأضاف: إن علاقتي بقداسته ترجع إلى فترة من أكثر فترات القلق في حياة مصر إلى أحداث سبتمبر 1980، عندما أصدر الرئيس السادات قرارًا بتعيين لجنة لإدارة أمور الكنيسة القبطية، ومنذ تللك الأيام القاسية لم تنقطع علاقتي مع قداسته وكنت أحس دائمًا بقلبه الكبيرالعامر بحب مصر" هكذا أعلن دكتور يحي الجمل في تصريح له بجريدة المصري اليوم عدد 1 أكتوبر 2007.
وعندما وجد الكاتب الصحفي ماجد عطية صورة البابا شنودة مرسومة على دولار أمريكى تتصدر غلاف مجلة روزاليوسف، آثار هذا حفيظته فكتب في مجلة المصور عدد أبريل 1997 قائلاً: "هل نحن في حاجة لأن نذكركم بمواقف هذا الرجل العظيم الذي يعتبره المصريين رمزًا حقيقيًا لهم، إنه رجل مناضل ووطني.. فهو أول من أصدر عام 1976 كتابًا بعنوان "إسرائيل ليست شعب الله المختار" وكان أول صوت يرتفع بإيجابية ضد التطبيع ويصدر بيانه الشهير الذي حذر فيه من زيارة القدس ودفع ثمن هذا سنوات معزولاً في ديره عن كنيسته والناس، وأشار إلى أن حزب الله أعلن أثناء وجود قداسته في لبنان بأن قداسته هو بابا الشرق كله وألقيت الخطب في تكريمه وتعداد مواقفه العربية والوطنية.
البابا شنودة ..أب الهوية الوطنية الحديثة للأقباط
بينما يقر عبد الله السناوي بجريدة العربى عدد مارس 1994 قائلاً: "اختلف كما تشاء مع البابا شنودة ولكن عليك تسلم أن عزوفه الصارم عن استخدام المفردات الطائفية الانعزالية في تصريحاته ومواقفه قد جنب مصر مصير أقطار عربية أخرى جرت إلى الحروب الأهلية.
هذا إلى جانب شهادة الدكتور مصطفى الفقي بجريدة المصرى اليوم عدد 15 نوفمبر 2007، بأن تاريخ الكنيسة يتحدث عن البابا كيرلس الرابع باعتباره "أب الإصلاح" إلا أنه سيتحدث قطعًا عن البابا شنودة باعتباره "أب الهوية الوطنية الحديثة للأقباط"، وأضاف أن له يرجع الفضل في دفع الأقباط إلى الساحة القومية، حتى أن الجماهير تلقبه "بطريرك العرب" لمساندته للقضية الفلسطينية، وأتذكر أنني طالبت سيادته بتزكية شخصيات قبطية للتعيين في مجلس الشورى ففوجئت به يملي عليَّ أسماء بعض المسلمين على رأسهم "الدكتورفرج فودة" قائلاً ليس يعنيني دين من سوف يتم تعينه بل ما يعنينى هو إيمانه بالوحدة الوطنية ونبذه التطرف ودعوته للمحبة والتسامح.
الكنيسه القبطية .. و مواقف البابوات الوطنية "1-2 " |