بقلم: نادية كاظم
إنها ملكة بريطانيا العظمى، الملكه اليزابيث الثانية، التي تفخر بقيم الانصاف والتسامح التي يتميز بها بلدها رغم تعدد الثقافات والمعتقدات التي يتكون منها.
حين زرت العاصمة البريطانية للمرة الاولى، شعرت بالفارق الكبير بين المعاملة الانسانية التي قوبلت بها في المطار، عنها في معظم الدول العربيه ، ابتسامة ودية من مسؤول الجوازات وفي ثوان وقبل ان تغادر الابتسامة ثغره اعاد لي الجواز بترحيب قصير ، لا تشعر بأنك عوملت بطريقة تختلف بأي حال من الاحوال عن البريطاني الذي ينتظر الدور خلفك او امامك ، اقول هذا وحسرة تعتمل في روحي :ماذا يحدث لو انني قوبلت بالمعاملة الانسانية ذاتها في العراق او مصر او سوريا او اي بلد عربي اخر .
في زيارة استجمام لشرم الشيخ ، وقفت بين السائحين الاجانب يعتمرني فرح غامر كوني العربية الوحيدة التي تقف في صف الانتظار ، كنت فخورة بحضارة وتاريخ وسحر مصر ،كنت اريد ان اقول للسويديين : انها بلاد العرب ، بلاد الشمس ، بلاد النيل الذي تغنى به الشعراء، بلاد الاهرام ،انها ام الدنيا التي يرتمي في احضانها كل الخائفين طلبا للامن والسلام . كان مسؤول الجوازات يتميز بالظرف وخفة الدم لدرجة ان اثار موجة من الضحك بين السويديين( وليس هذا غريبا على ابناء مصر) ،وكان سريعا جدا في فحص الجوازات ، ولكن ما ان حييته بالعربيه وقرأ الاسم العربي في جوازي حتى تغير الحال ، اقولها ومرارة امرّ من العلقم لا تزال تملأ وجداني ، استدعى الرجل زميله ليستجوبني ،من اين اتيت ؟؟؟ وكيف اتيت؟؟؟ ، لم اكن افكر وقتها بالاجابة ، كانت موجة من الحزن تطغي على مشاعري ، وعندما انتهى الرجل من استجوابي ، عاتبته على تحقيقه معي دونا عن الباقين ، اعتذر بلطف قائلا : انها الاوامر ياسيدتي وانا اقوم بواجبي. . تقبلت اعتذاره وابتلعت المي ولكن لم استطع ان امحو الخجل الذي اعتراني ونظرات الاخرين تمطرني بالتساؤل عن سبب استجوابي.
وما حصل لي في جوازات بغداد كان امرّ بكثير ، اذ قضيت في دائرة الجوازات اكثر من ثلاث ساعات صعودا ونزولا بين طوابق الدائرة المتعدده ثم لدائرة فحص الدم المجاوره ثم لدائرة الامن ، ورغم كوني عراقية حتى النخاع الا انني دفعت تكلفة الفيزا وياللسخريه ! اتنقل انا الاجنبيه في بلدان اوربا دون ان يكلفني ذلك فلسا واحدا وفي بلدي الذي ولدني ادفع رسوم الفيزا !.
اما في الجارة سوريا فحدّث ولا حرج ، اذ ربما يخفي مسؤول الجوازات جوازك لتظل تنتطر ساعات عديده مما يضطرك الى دفع رشوة ولسان حالك يقول : لعن الله الراشي ورحم المرتشي ! وعندها يظهر لك الجواز فجأة مصحوبا بكلمة توديع حارّه.
تسير في شارع الاكسفورد الشهير ، فترى جموع المارة تسير بلا انقطاع ، معظمهم من الاجانب ومن مختلف الجنسيات والانتماءات ، معظمهم عاطلون على العمل ، تقوم الدوله برعايتهم واعالتهم ، دون تمييز بين الانكليزي والعربي او الباكستاني او المسلم او المسيحي ، الانسانية هي انتماء الجميع ، يخطر ببالك سؤال : ترى كيف تستطيع بريطانيا ايواء كل هؤلاء الجموع الهائله؟ الجواب بكل بساطه لان حكامها ليسوا لصوصا .
عندما يموت الرجل الشرقي يورث لاولاده ما حرمهم منه عندما كان حيا ، وقد يفوز احد الاولاد كونه اقربهم الى قلبه وقد يحرم الاخر لسبب في نفس يعقوب ،ليترك اولادا اثريا واخرين فقراء ، وكم سمعنا في الافلام احتجاج الاب على ولده عندما يريد منه مالا يقيه الذل ويعينه على العيش الكريم الجملة الانانيه : (تريد تورثني بالحيا ؟ ) اما في بريطانيا ، فهناك بيوت الاوقاف ، توزعها الدوله على من لا يملك عقارا وبالمجان وبغض النظر عن هوية الشخص المحتاج او اصله او دينه ،وهناك ايضا هبة الملكه ، تهب كل طفل مقيم على الاراضي البريطانيه 250 باوند تدخرها بفتح حساب خاص باسم الطفل ويستحقها عندما يبلغ سن الرشد ، لا ادري ان كانت هنالك جدة حقيقة في اوطاننا تمتاز بهذا الكرم والعطاء السخي !
في الهايدبارك الشهير وفي القسم الذي يتحدث فيه كبار الفلاسفه والمفكرين ، ترى الناس مجتمعين للاستماع للمتحدث ، الذي يسرد عليهم افكاره النيره او مفاهيم دينه الذي ينتمي اليه والذي يتعارض مع دين البلد المضياف ، الكل ينصت اليه دون المساس بفكره او معتقده الذي قد يتعارض مع ما يؤمن به الاخرين، الا ان حرية التعبير عن الفكر او المعتقد سارية على الجميع ، وتكفل حماية الجميع.
المتنزهات مفتوحة للجميع ومعظم المتاحف البريطانيه مجانيه ، تقف بالقرب من باب قصر الملكه ، لا احد من الحرس يصّب بنقيته الى صدرك ، كما هو الحال في بلداننا التي يغذيها الخوف والقهر ، تطل الملكه من شرفة قصرها لتلقي تحية على الجماهير التي احبتها من الاعماق . تسري ساعتها فرحة غامره في قلوب الجماهير وتبدا الكاميرات بتسجيل تلك اللحظات السعيده .
وانت تسير في حدائق الهايدبارك ، قد تشاهد العربات الملكيه تخرج من ساحة القصر الملكي ، تضم افراد العائله الملكيه او ضيوفها ، تتهادى الخيول باطمئنان ، فلا صفارات انذار ولا ماطورات تسير بسرعة البرق ولا امن ولا حمايه تدخل الرعب الى قلوب الماره ، اللهم الا سيارة شرطه واحده تسير بهدوء خلف العربات .
الامر بعينه يحدث في السويد ، فلطاما خرج الملك والملكه للتنزه لا يصحبها الا شرطي واحد او لا احد على الاطلاق ، فمم يخاف من كان العدل والحب سلاحه ؟؟ |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|