كتبت: سحر غريب – خاص الأقباط متحدون
يعيشون بيننا، نراهم ونشعر بهم، ولكننا لا نلمس آلامهم، قد نشفق على إعاقتهم ولكنهم لا ينتظرون مننا شفقة أو عطفًا، فهم يطلبون المساواة وعدم الاستهزاء بهم، ويطالبون بحقهم في حياة طبيعية فيها شريك للحياة يكمل معهم المشوار.
يوجد بين هؤلاء من استطاع تحويل إعاقته إلى نجاح كبير ومنهم من استسلم لليأس، إنهم المعاقون أو ذوي الحالات الخاصة على أرض مصر، لهم طلبات ورغبات قررنا أن نلقي الضوء عليها.
قمنا بعمل مجموعة من الحوارات مع مجموعة من المعاقين بإعاقات مُختلفة ولمسنا معاناتهم في مجتمع يحاول أن يساعد ولكنه مازال في مرحلة المحاولات البسيطة منها والفردية.
في البداية تحاورنا مع فاتن إبراهيم فتاة كفيفة جميلة عندها إعاقة في أحد يديها، يتيمة الأب لها من الأخوات اثنان، حالتهما طبيعية ومتزوجان، تعيش مع أمها، وأنهت دراستها الجامعية بمساعدة أمها التي كانت تصحبها إلى كل أماكن العلم، كانت تفخر بأن ابنتها تحدت إعاقتها وحصلت على شهادتها، ثم بدأت فاتن في عمل دبلومة تربوية بمساعدة أمها أيضًا، حتى مرضت أمها بفيروس سي في مراحله المتأخرة وامتنعت فاتن عن الانتظام في دراستها، وعندما سألتها عن أحلامها في فارس الأحلام قالت بالحرف: "فارس أحلام إيه؟ دي ماما بتفكر تاخدني معاها دار المسنين نقضي فيه بقية عمرنا، أنا قلتلها دار مسنين أيه ياماما أنا عندي 24 سنة، بس هي مُصممة، صعب تسيبني لوحدي بظروفي دي".
وفي حوار آخر مع مجموعة من ثلاث فتيات وسيدة من الصم والبكم، تعرفت عليهن أثناء خروجهن من دار "رسالة" للأعمال الخيرية، حيث كانوا يتعلمن القراءة والكتابة فيها، تحاورت معهن عن طريق ابنة واحدة منهن واسمها فاطمة محمود والتي كانت تستطيع السمع والكلام وفي نفس الوقت، وتستطيع التحدث بلغة الإشارة فكانت همزة الوصل بيننا.
وفاطمة هي ابنة من ضمن ثلاثة أبناء عاديين مُعافين، ولد وابنتان تتراوح أعمارهم بين ال25، وال20، وال16، لأمها وأبيها، فاقدي النطق والسمع رغم أن أبيها يستطيع التحدث الخفيف، وهو ما سهل عليهم تعلم الكلام أثناء فترة نموهم.
سألتها هل تشعر والدتك بالعجز عند تعاملها مع الآخرين، فنفت فاطمة بشدة هذا تمامًا، وقالت إن والدتها لا تشعر بأي اختلاف وإنها لا تحتاج إلى من يساعدها في قضاء حاجتها، فسألتها عن سبب مصاحبتها لها إذن، فقالت إنها تعمل كمتطوعة في جمعية "رسالة" للأعمال الخيرية فرع المهندسين، وأكدت سعادتها لأنها تستطيع تقديم المساعدة حتى لو كانت بدون مُقابل تحصل عليه، وقالت فاطمة إن جمعية "رسالة" تساهم في تعريف الشباب المعاق ببعضهم البعض، وتؤكد فاطمة أن إعاقة الصمم لا تمنع المعاق من الزواج من شخص طبيعي، أما المشكلة الوحيدة التي تواجههم، هي استهزاء الأطفال بطريقة كلامهم عن طريق الإشارة، وعندما سألتها عن وجود مسيحيات في جمعية "رسالة"، قالت نعم.. هناك عدد ولكنه محدود لا يتعدى الثلاث فتيات.
ثم كان لي حوار مع محمد 30 سنة، وهو شاب مقعد، وقد أكد أن مشكلته الحقيقية تتمثل في أن الحكومة لا تعترف بالمعاقين في مصر فهي تتباهى بمدى اهتمامها بالمعاقين أمام الدنيا كلها، وأكد ان ذلك الاهتمام هو اهتمام للدعاية ليس إلا حتى تظهر بمظهر مُشرف أمام جمعيات حقوق الإنسان، وعندما سألته عن مشاكله في التعرف على الجنس الآخر، قال بالحرف: "أنا معنديش مشاكل بالتعرف على النصف الآخر، بس ليَّ مواصفات في دماغي، أحب انها تكون في الإنسانه اللي نفسي ارتبط بيها، ومش هاتفرق ساعتها عندها حالة خاصة أو مش عندها، لو لقيت فيها المواصفات اللي بتمناها مش هتفرق معايا".
أما زينب إبراهيم، وهي فتاة في الخامسة والثلاثين، طبيعية، وهي غير مُصابة بأي إعاقة، والتي قد وافقت مبدئيًا على الزواج من أحد المُعاقين، ولكنها مالبثت أن راجعت نفسها عن قرارها، وعندما سألتها عن السبب، قالت إنها شعرت بأن الإعاقة ستكون حائلاً أمام سعادتها وخروجها بحرية مع زوجها صاحب الحالة الخاصة إذا تم الزواج، فرفضت بعد أن وافقت في البداية وأقنعت والدتها من الزواج من هذا الشاب الذي تعرفت عليه من خلال النت، والذي تمسك بها كما لم يفعل أي شاب من قبل، ولكن "ياخسارة الحلو مايكملش".. هكذا أكملت كلامها، ثم أبدت أسفها لأنها تراجعت عن قرارها مع ما سببه ذلك من ألم للطرف الآخر.
أما مها وهي فتاة قعيدة، خريجة كلية آداب قسم تاريخ، سبعة وعشرون سنة، والتي تعتبر أكثر حظًا، حيث إنها تمتلك سيارة مُجهزة للمُعاقين كانت تذهب بها للجامعة أثناء الدراسة ولم تحتج يومًا إلى مساعدة تُذكر، فهي لا تواجه أي مشكلة سوى مشكلة العثور على زوج المُستقبل، وهي تحلم بأن يكون طبيعيًا حتى يستطيع أن يكون سندًا لها عندما تقتضي الحالة ذلك.
وقد تكلمت مع أحد الناشطين المتطوعين في جمعية "رسالة الخيرية"، وهي سلمى وهبة، 24 سنة، والتي عملت فترة مع الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة في الجمعية وترى أن المعاقين والأيتام يحتاجون فترة أطول للتعود على الناس وإن التعامل مع الصم والبكم يحتاج إلى ذكاء، فهم يتحادثون لغة لا نفهمها ويشعرون برفض المجتمع لهم في بعض الأحيان فيتجهون إلى العدوانية.
وتؤكد سلمى أن جمعية "رسالة" فقدت بعضًا من حماسها المعهود وخصوصًا في مجال جمع التبرعات العينية، فعندما يتصل بها بعض المتبرعين ويحددون ميعادًا من العاشرة صباحًا وحتى الخامسة مساءًا وقد لا يأتون أو يصلون في وقت متأخر لا يتناسب مع جميع المُتبرعين وهو مايجعل البعض يرفض التعامل معهم، ثم أعربت سلمى عن أملها في أن تستمر جمعية "رسالة" الخيرية وغيرها من الجمعيات الإنسانية في الاهتمام بجميع فئات المُجتمع التي تحتاج نظرة عطف أكبر وأكثر شمولية من المجتمع بمُختلف فئاته. |