CET 00:00:00 - 29/01/2010

شغل سيما

بقلم: ميرفت عياد
كثيرة هي الأفلام التي نُسجت من خيوط علاقة الحاكم بالمحكومين قماشة صغيرة -بلغة السينمائيين–، حيث يقوم المؤلف والمخرج بقصها معًا وحياكتها لتنتج لنا ثوب ضيق لا يتمتع بالقدر الكافي من الحرية المطلوبة لمناقشة المشاكل الحقيقية التي نمر بها في مجتمعنا، لذلك يستعين صناع الأفلام بالأسلوب الكوميدي الساخر حتى يستطيعون إخراج تلك الأفلام إلى النور أو إلى شاشة العرض، ومن هذه الأفلام فيلم «سلامة في خير» الذي قدمه نجيب الريحاني، وفيلم «جناب السفير» لفؤاد المهندس، وكذلك فيلم «صاحب الجلالة» الذي اخترع صناع الفيلم له دولة وهمية اسمها «بورينجا» تدور فيها الأحداث، أما في عام 2006 فقدم هاني رمزي فيلم «ظاظا» الذي يدور حول فكرة هي أن رئيسًا جديدًا تولى حكم دولة أخرى غير مصر فيطرح صناع الفيلم شكل العلاقة بين الرئيس الجديد والشعب في إطار كوميدي..
وفى نهاية العام الماضى قدم لنا إيهاب لمعي مخرج فيلم الديكتاتور رؤية أخرى تطرح علاقة الحاكم بالمحكومين في إطار فكرة الدكتاتورية، وهذا الفيلم قصة وبطولة خالد سرحان في أولى بطولاته السينمائية المطلقة ومايا نصري وحسن حسني وإخراج إيهاب لمعي، حيث تدور أحداثه فى دولة وهمية هى «بامبوزيا» ويجسد خالد سرحان شخصيتي توأم «حكيم وعزيز» ابني رئيس الجمهورية الديكتاتور «شنن» الذي يجسد دوره حسن حسني.
وهذين الولدين فاسدين مثله، فحكيم يحب السلطة، وعزيز يحب النساء مثل أبيه، وبسبب نزوات عزيز يقرر الأب إرسال الابن إلى مصر ليمارس نزواته بعيدًا عن دولة بمبوزيا وهناك يلتقي ببسمة مدرسة التاريخ (مايا نصري) فيعجب بها ولكنها لا تتجاوب معه، فيقوم بتعيينها مستشارة له وهنا تستمر مغامرات عزيز النسائية.

في هذه الأثناء يقوم شعب بمبوزيا بثورة ضد شنن لخلعه من الحكم ويتم القبض على شنن وابنه حكيم بعد ذلك ويتعرضا للتعذيب على يد الأشعث (ضياء الميرغني)، ويتم إذلال الأب وابنه في مشاهد كوميدية ساخرة لا يمكن أن تحدث في الواقع أما عزيز فيصبح لاجئًا سياسيًا في مصر ينام مع المتشردين.
بعد ذلك تقوم ثورة لإعادة شنن إلى الحكم، ولم يوضح المؤلف خالد سرحان الأسباب التي أدت إلى قيام هذه الثورة ليخبرنا الراوي في النهاية أن الحياة عادت إلى شعب بمبوزيا حين عاد شنن إلى الحكم مرة أخرى، وكأن شنن كان حاكمًا ديمقراطيًا يحبه الشعب.
وإني أرى أن فكرة الفيلم جيدة، ولكن هناك بعض الأشياء حولته إلى فيلم هزلي ساخر وأدت إلى تسطيح الفكرة التي يطرحها، مثل التركيز المبالغ فيه على نزوات عزيز طوال الفيلم، كما لم يقم الشعب بثورة إلا في الثلث الأخير من الفيلم كما تم حشر الفيلم بمشاهد ساخرة لو تم حذفها لما غيرت في الأحداث.
كما أن هناك نقطة أخطأ فيها المؤلف، وهي أنه أظهر صورة الحاكم الدكتاتور بمظهر الشخص العبيط التافه، مما أفقد العمل لمصداقية الفكرة التي يطرحها، وهي الدكتاتورية كما أننا لم نسمع يومًا عن ديكتاتور عبيط.

الديكتاتورالعظيم.. يعاني من عقدة العظمة
ولكنى اليوم أريد أن أقدم لكم فيلم آخر يحمل نفس الاسم وهو فيلم الديكتاتور العظيم لشارلى شابلن، الذي تم إنتاجه سنة 1940 في الولايات المتحدة، وقام بتأليفه واخراجه وتمثيله شارلي شابلن، والذى يقوم بدور الديكتاتور "هنيكل" الذي يعاني من عقدة العظمة ويريد السيطرة على العالم، ومن ناحية الأخرى يقوم شابلن أيضًا بأداء دور الحلاق اليهودي الذي يسكن في حي الجيتو بدولة تومينيا الخيالية والذي يعانى من الإضطهاد الواقع عليه وعلى جميع اليهود من قبل الديكتاتور "هينكل".
يتنافس الديكتاتور هينكل مع حاكم دولة "باكتيريا" الديكتاتور "نابالوني" على غزو بلدة "أوسترليش" التي تقع على حدودهما المشتركة. ويستعرض كلٍ منهما جبروته وغطرسته وقوته الحربية أمام الآخر، ويحدث هذا بينما يعتقل الحلاق اليهودي في المعتقلات التومينيه نظرًا لمشاكله الدائمة مع جنود الطاغية "هنيكل"، ولكن بمساعدة أحد الضباط يستطيع الحلاق الهروب وعن طريق الخطأ ونظرًا لتشابههما المطلق يأخذ الديكتاتور هنيكل مكانه في المعتقل بينما يصبح هو الحاكم على تومينيا.

إنها كوميديا رفيعة الطراز فائقة السخرية ومليئة بالإسقاطات السياسية وفيها تجسيد كاريكاتوري رائع لشخصية "هتلر" إلى الدرجة التي أدت إلى منع الفيلم من دخول ألمانيا وقت عرضه عام (1940) بأمر من "هتلر" شخصيًا وجرمت مشاهدته تمامًا تحت طائلة العقوبة، وعلى الرغم من أن الفيلم رُشح لخمس جوائز أوسكار وهي أفضل ممثل (شارلى شابلن)، أفضل ممثل مساعد (جاكى أواكي)، أفضل موسيقى تصويرية (ميرديث ويلسون)، أفضل فيلم، وأفضل سيناريو كتب خصيصًا للسينما (شارلي شابلن). وفاز الفيلم أيضًا بالعديد من الجوائز، إلا أن الدول العربية منعت عرضه لانحيازه لليهود والترويج لأكذوبة الهولوكست في ألمانيا النازية.
وللاسف لم تستطيع تلك الدول أن تفصل الفن وإبداعه عن لعبة السياسة التي تقضي على كل شيء جميل ومبدع وخلاق، ولم ينتج عن هذا التعنت في مجتمعاتنا العربية إلا فن مشوه ومسف وتافه ومدمر للذوق العام، هذا الفن الذي لم يعد يستطع أن يصور الواقع مهما كان قبحه لنجمله، أو أن يفتح الجراح التي تقيحت من كثرة الصديد لنداويها، لذلك أدعوكم إلى أن نحلم سويًا بغد أفضل تشرق فيه شمس الحرية من جديد، وتحلق فيه طيورالفن في سماء الإبداع.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق