CET 00:00:00 - 11/02/2010

مساحة رأي

بقلم: هيام فاروق
جاءني ابني ليستأذني وأباه بخصوص ذهابه إلى رحلة مع أصدقائه.. وكان من الطبيعي أن نسأله إلى أين؟ ومن هو قائد الرحلة؟ ومع مَن مِن الأصدقاء؟.
أجابنا أن رحلته ستكون إلى مجموعة من المتاحف والآثار في القاهرة.. فرحبنا وشجعناه، وقائد الرحلة نعرفه جيدًا وهو مدرس في مدرسته وأقرب ما يكون لصديق لهم منه إلى مدرس.. أما أصدقاؤه هم: فادى وأبانوب ومصطفى وأحمد.. فادي وأبانوب أصدقاؤه في المدرسة والكنيسة، ونحن نعرفهم لكثرة ترددهم عندنا.. أما مصطفى وأحمد فهم أصدقاء الدراسة منذ الصغر، ونحن أيضًا نعرفهم من محادثاتهم التليفونية وبعض المواقف النبيلة التي يرويها ابني عنهما.
سأله والده: وهل صداقتك لهؤلاء متساوية في الحب والتآلف مع جميعهم أم أن هناك تقاربًا خاصًا لأحدهم؟ أجاب: "نعم.. أحبهم جميعًا بنفس المقدار وليس لأحدهم تمييز عندى.. أقل ضرر يلحق بأحدنا كأنه لحق بنا جميعًا".. فمدحنا شعوره الجميل.. ووافقنا على ذهابه.. وجاء يوم الرحلة ومر عليه أصدقاؤه في المنزل، فتحينت الفرصة لأتعرف على هذين الصديقين اللذين لم تتح لى فرصة المعرفة الشخصية معهما.
رحبت بهم جميعًا وتجاذبت معهم أطراف الحديث عن دراستهم ومناهجهم التعليمية وسألتهم عن المستوى الدراسي لكل منهم واسترسل الحديث إلى الصداقة والمحبة بينهم وبالطبع قصدت أن أتطرق إلى هذا الموضوع لأستشف مدى العلاقة ومقدار المحبة بينهم وهنا سردوا لي موقفا كنت قد سمعته من قبل من ابني .. عن خلاف حدث بينه وبين مصطفى وكانا قد احتدا في مناقشة بينهما بخصوص موضوع اجتماعي معين.. وانتهت المناقشة بمشادة كلامية وغضبا من بعضهما.. وخصوصًا أن أحمد صديقهما تدخل لصالح ابني وليس لصالح مصطفى مما شد انتباهي للموضوع.

انتهى الخلاف وتصالح الاثناين بتدخل باقي "الجروب" وحبهم الكامن في قلوبهم لبعضهم البعض منذ الصغر.. وفي نهاية الحديث سألت مصطفى الذي كان على خلاف مع ابنى: "هل رويت لوالدك أو والدتك هذا الخلاف؟"، فقال: "نعم رويت لوالدتي"، وسألتني: "دة المسلم ولا المسيحي إللي إنت زعلان معاه؟"، فأجبت: "المسيحي".. فقالت لي: "اذهب واعتذر له فأنت مخطىء".. طبعا هذا جزء من العبارة التي نطقها الفتى ولكن صحيح العبارة كانت: "اذهب واعتذر له فأنت مُخطىء، وادعي له بالهداية".
بالطبع سيتساءل البعض: وما أدراكي بما لم يذكره الفتى في حديثه إليكِ؟؟؟ سأذكر لكم بعد كلام أحمد.
نظرت إلى أحمد وسألته: "من كان المخطىء يا أحمد من وجهة نظرك؟"، فأجاب: "مصطفى".. فسألته: "وماذا كان دورك في هذا الخلاف؟"، أجاب تدخلت لتهدئتهما ولكنهما طلبا مني أن أشهد بالعدل في نقطة محددة من نقاشهما فشهدت وكانت شهادتي ضد مصطفى وأيضًا شاركاني فادي وأبانوب في نفس شهادتي.. لكنهما في النهاية تصالحا.. نحن نحب بعضنا جدًا ومن الطبيعي أن تحدث بيننا اختلافات في الرأي، فهي علامة صحية كما يقول الكبار.

واستطرد أحمد في حديثه قائلاً: "أنا أيضًا عرضت الموضوع على والدي ولكنه كان مختلفًا معي.. لكنى مقتنع برأي الأغلبية".. هذا كان كلام أحمد، أما ما لم يذكره في حديثه لي هو أن أباه عنفه قائلاً: لا تفعل هذا ثانيًا ((انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا))، وأجاب الفتى والده في أدب جم قائلاً: "إذا كانت هذه وصية إلهية بأن أنصر أخى الظالم يا أبى فأنا لا أريد معرفة هذا الإله المتخلي عن العدل .. فأنا كبشر عامة، وكابن لك خاصة، قد ربيتني على قول الحق والصدق والوقوف بجانب المظلوم وإظهار الحق.. فكيف لي أن أتخلى عما ربيتنى عليه!!!!! لا يا أبي نحن أصدقاء وأحباء وإخوة.. ولا أعتقد أن يوصيني إلهى بنصرة ظالم على مظلوم أبدًا.. أنا أحبهم جميعًا دون تفرقة".
عرفت كل هذا من ابني.. فقد دار عتاب بين أحمد ومصطفى وكان صدفة على مسمع من ابنى ولم يخفَ عنهما ما سمعه ولكنهما دللوا له على مدى محبتهم لبعض وذوبان أي فروق دينية أو عقائدية وأن أساسهم هو قوة المحبة فقط والأخوة.
ماذا أقول بشأن هذه الأم؟ هي بالفعل تربي ابنها على الاعتذار وقول الحق وهذا جيد لا ريب فيه.. ولكن لماذا تزرع في هذه الزهرة أشواكًا؟ لماذا ترضعه فكرة أن المختلف عنه دينيًا على غير هداية؟ وهكذا الحال مع والد أحمد.
يالهما من فتيان رائعان... عظيمان.... مستنيران.... معتدلان رغم صغر سنهما،
ياله من ابنٍ عاقل وحكيم ينصح أباه في حب واحترام.
حييت مصطفى على قوة شخصيته ودماثة خلقه في إبدائه الاعتذار، وأثنيت على حسن تربية والدته وفضلها في قوة شخصيته.. وأبديت إعجابى الجم بأحمد الذي أصر على موقفه وشهادته دون محاباة إلا للحق.

تعجبت يا أحبائي من هؤلاء الكبار الذين يزرعون أشواكًا في قلوب هؤلاء الأزهار اليانعة.. تعجبت من آباء سلفيين لا يريدون التغيير ولا التجديد بل ويحجرون على جيل ربما يكون أعنف عاطفة منهم نحو أصدقائه وأشد استنكارًا لأحداث مرعبة من بعض المتطرفين وبهذا سيصبحون أكثر وطنية وانتماءً من جيل آبائهم.
أرجوكم أيها الآباء والأمهات.. لابد أن ندرك أن ((أخطاء الكبـار هـي كبار الأخطاء))، اتركوا أبناءكم بدون بث بذور الكراهية والتطرف التي ورثتموها عن آباء وأجداد ربما كانوا بذرة مفسدة في فهم الدين والتدين.
علموا أبناءكم الحب، والاعتذار، والمغفرة، واللطف ثم اتركوهم يعقلون الأمور بنظرة مغايرة لنظرتكم.. رُب أن ينصلح هذا المجتمع مع نبوغ جيل جديد متفتح ومستنير يبتغي العلم ويبحث عن الاعتدال.
كفانا سلفية وتحجرًا.. كفانا كراهية وبغضة.. كفانا ظلمة وعدم قبول الآخر واحترامه مهما كان رأيه.. كفانا هبوطًا بمجتمعنا وتقهقرًا لعصور الظلمة.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٢٠ تعليق