CET 00:00:00 - 09/09/2009

مساحة رأي

بقلم: د. ياسر يوسف غبريال
كان تلميذا للبابا وقريبا منه وكم قضى الليالى عند قدميه متعلما .. كان موضع ثقة البطريرك وحافظ سره .. فى كل  الظروف حاضرا .. وفى كل المشاكل موجودا.. ويقال ان البطريرك كان يعهد له بادراة بعض امور البيعة فى فترات غيابه وسفره ورحلاته الرعوية ..وفى اخر رحلة للبطريرك كان هو القائم باعماله حتى عودة الغائب .. قبل سفره الاخير قال له الكنيسة فى عينيك حتى اعود ..
كان أخر واحد يشك فيه البطرك فى ظل ظروف اقل ما يقال عنها انها صعبة جدا .. مرحلة مخاض للكنيسة .. فى ظل هجمة عقائدية شرسة تريد ان تغير من عقيدة الكنيسة القبطية وتريد ان تبدل هويتها وتخطف اولادها ..
 وضغط مماثل من الدولة حتى تقدم الكنيسة تنازلات لم تعدتها الكنيسة ..كانت الكنيسة فى محنة والبطريرك فى محنة ..ولكن البطريرك لم ينحن .. وقصبة الكنيسة لم تلن ..كان البطريرك قويا فى الحق لا يحيد عن عقيدة ابائه ولا يرضى بالحلول الوسط .. ثابتا كالنخلة يزهو .. وكانت الكنيسة متكلة على صخر الدهور .. وكانت عظات الاباء  تدور حول الشهادة والاستشهاد واعد الاقباط عدتهم للقاء الحبيب وحمل الصليب ..
وعلى الجانب الاخر من الصورة كان البحث جاريا عن بديل للبابا .. ولكن ليس اى بديل .. بديل له مواصفات خاصة .. بديل يرضى عنه اعداء الكنيسة ..ترضى عنه الدولة وترضى عنه الطوائف المخالفة ..
بديل يكون من الكنيسة ويكون له مصداقية لدى الشعب .. بديل أكل على مائدة البطريرك وصلى على مذبحه  .. بديل يبيع اى شىء حتى عقيدته فى سبيل مجده الشخصى .. بديل يزغلل عينيه الكرسى المرقسى .. وفى نفس الوقت لا يكون غريبا او دخيلا او حتى عميلا ( ظاهريا فقط ) وهذا له هدف واضح فعندما يكون من الكنيسة وتلميذا للبطرك ربما استطاع ان ينال رضا الشعب من وجهة نظرهم خاصة لو كان هذا البديل مرضيا عنه من بعض اثرياء الاقباط وبعض الاساقفة ..ليس مهم عقيدته ولكن المهم ولائه لاولياء نعمته ..
وبحثوا عن الشخص المناسب ووجدوا ان كل هذه الميزات  تجتمع فى شخص واحد فقط ..فليس الكل يهوذا .. وليس الكل قورح وداثان وابيرام .. ولم يستمر التفاوض طويلا فقد قبل هذا الشخص الصفقة وباع صليبه فى سوق الذات وقبض الثمن مجد زائف ولم يكن يدر انه كتب نهايته بيده واحتفظ لنفسه بمكانة تاريخية فى حزب يهوذا ..
اما البطريرك المسكين فقد اضيف الى اوجاعه وجعا اخر ولجراحه جرح غائر فما اصعب الجرح فى بيت الاحباء وما اقسى الخيانة ممن يأكل معك فى الصحفة .. وربما قضى ليال متسائلا لماذا ؟؟ ومشتكيا لدى رب المجد من خيانة التلميذ و لكنه فى جميع اتعابه كان متعزيا بصليب المسيح وقوة قيامته .. 
هل هذه قصة خيالية ..؟؟ ام شائعة صحفية ؟؟ ام كلام والسلام ؟ .. للاسف يا احبائى انها قصة حقيقة وتلك فصولها التى وصلت الينا وحدثت فى عهد المكرم فى الاباء البابا ديسقورس الاول وترتيبه الخامس والعشرين بين البطاركة ( القرن الخامس ) والذى كان ضحية مجمع خلقدونية واطماع كرسى روما والقسطنطنية و ضغوط الدولة متمثلة فى الامبراطورة بولكاريا وزوجها مركيان .. كان القديس ديسقورس متمكسا للنفس الاخير بايمانه وعقيدة ابائه وعندما غادر الاسكندرية متوجها نحو خلقدونية لم يكن يعرف انه لن ير الاسكندرية بالجسد مرة اخرى بل سيقضى بقية حبريته فى المنفى ولم يكن يعلم ان القس الذى تركه ليدير امور الكنيسة فى غيابه وهو بروتيروس سوف يخون الامانة والايمان وسوف يطمع فى كرسى ابيه الذى هو فى المنفى وسوف يتعاون مع جنود الامبراطور فى مطاردة اصحاب العقيدة المستقيمة وسوف يتبادل الرسائل مع كرسى روما الذى كان وراء نفى البابا ديسقورس والذى كان هدفه تهميش الاسكندرية التى هى حجر زاوية الكنيسة فى العالم واباءها معلمو المسكونة ..وكاد العالم ان يصير نسطوريا لولا ايمان ديسقورس ..ولكن هل هذا يفرق مع الخائن ؟؟  لقد تمكنت شهوة الرئاسة من قلب بروتيورس وكان يظن انه ملك كل شىء فالامبراطور معه وروما معه والمال معه .. ولكن كان شيئا هاما قد فارقه .. وهو روح الله ..ولم يكن الشعب راضيا عنه.. فمضى متخبطا فى طريقه .. يدخل الكنائس على جثث المصلين ويرفع الذبيحة فى حماية الجنود .. يمتطى الخيول ويعيش فى القصور .. وظن ان الزمان قد طاب له وان كرسى مامرقس قد دان له ..
ولكنه كان يلقى رفضا شعبيا على جميع المستويات ورفضا كنسيا كذلك فقد عقدت الكنيسة مجمعا حرمته فيه وجددت ثقتها فى باباها المنفى ..
 وقضى بروتيروس ايامه كلها فى محاولة لاغتصاب الكنيسة ولم ينجح وسقط من الشهداء فى يوم واحد ثلاثون الف ولم يغير ذلك شيئا فى نفس بروتيروس فقد تمكنت من قلبه الشهوات الرديئة ..
حتى قامت ثورة الاقباط وتم قتل البطريرك الدخيل ويذكر السنكسار القبطى ان اللصوص قتلوه لسرقته وتذكر بعض المصادر القبطية الاخرى انه قتل جزاء اعماله وفى غمرة ثورة شعبية عارمة ضد الظلم والطغيان ..واذا تحركت الشعوب يصعب توقع رد فعلها .. ومات مغتصب الرئاسة ولم يعد له ذكر وبقيت سيرته نموذجا وعبرة لكل من يسلك طريق يهوذا ويبيع كنيسته لاجل مال او سلطة او سطوة او اى ربح زمنى ..
مات بروتيروس وبقى ديسقورس ..
مات بروتيروس وبقيت الكنيسة ..
وسيمضى غيره ايضا وينعدم ذكره وتبقى الكنيسة ..

Gobrial2003@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٤ صوت عدد التعليقات: ١١ تعليق